الخسارة الفادحة
سيدي العزيز..أنا من قرائك الدائمين وكذلك زوجتي التي سأحدثك بخصوصها الآن وأرجو أن اجد عندك الدواء لمشكلتي.
أنا رجل في الخامسة والاربعين نشأت في أسرة رقيقة الحال في إحدي القري فأبي يعمل حرفيا وأمي تساعده بتجارة بسيطة واخوتي لم يكمل احد فيهم تعليمه إلا أنا وكنت الأصغر ورفضت أن أصير مثل أخوتي وتطلعت أن اغير من وضعي فكنت أعمل وأنا صغير لأوفر بعض الجنيهات للمدرسة وفعلا استطعت بفضل الله ان التحق باحدي الكليات في القاهرة, وعشت علي الكفاف حتي استطعت أن اتخرج واعمل في احد المراكز الخاصة التي تدرس كمبيوتر ولغات للشباب.
وهناك قابلت فتاة أحلامي شابة علي قدر رائع من الجمال الخلقي والخلقي هادئة انيقة خلوقة ومتدينة.. كانت مثار اعجاب الجميع حتي ان المتيسرين من الطلاب والمدربين والهيئة الادارية تقدموا لخطبتها ولم يحظ احد منهم بذلك الشرف.. وصرت اعشقها في صمت فأنا أقلهم ماليا واجتماعيا وقد علمت انها من اسرة عريقة متيسرة ووالداها يشغلان مناصب مرموقة وكذلك اخوتها فكتمت حبي في قلبي حتي آنست منها بعض الميل لي وحدثتها بصراحة عن ظروفي واسرتي وفوجئت بترحيبها بي وذهبت لمقابلة اهلها أقدم رجلا وأؤخر الاخري وحدث ما توقعت فقد رفضت اسرتها هذا الزواج غير المتكافئ إلا أن محبوبتي صمدت في وجه الجميع وصارت تستميل امها واحد أخوتها وتعدد لهم مناقبي وتثني علي اخلاقي وأدبي وكفاحي حتي استطاعت الفوز بهذين الصوتين الي جانبها وزرتهم مرة أخري ووجدت بعض الترحيب من امها واخيها مما شجعني علي التمسك بها أكثر ومع الأيام اقتنعت الاسرة بي, وتم الزواج بدون شقة فقد حصلت علي عقد عمل في احدي الدول الخليجية ولحقت بي محبوبتي وعشنا معا15 عاما في الغربة وتحملت هي فيها كل هموم الغربة وضيق ذات اليد حتي من الله علينا بالمال الوفير وبفضل تشجيعها ومساعدتها التي لا تقدر بثمن حصلت علي الماجستير والدكتوراه ورزقنا الله بأربعة من الأطفال كالورود الزاهرة النضرة وحققت كل احلامي.
ويشهد الله أن زوجتي كانت نعم الزوجة طوال هذه السنين وفية ومخلصة وأمينة ودائمة المساعدة لي والوقوف بجانبي ولم يعكر صفو حياتنا إلا رفضها لارتداء النقاب الذي كنت اتمني ان ترتديه وحاولت مرارا لكنها كانت ترفض بادب قائلة ان الحجاب يكفي وانها مادامت تتقي الله وتتقي الشبهات وتتصرف باخلاق سامية فلا داعي له ولكن غيرتي عليها كانت شديدة وكنت اموت من الغضب اذا وجدت احدهم ينظر اليها أو يعجب بجمالها الذي هو من حقي انا فقط حتي ان كل خروجة لنا صارت تنتهي بمشكلة وخلاف وتظل هي تبكي بكاء مرا وانصرف انا غاضبا حتي مللت من هذا الوضع فخيرتها بين النقاب والطلاق.. كانت ليلة شديدة السواد عندما نطقت بتلك الكلمة فظلت حبيبتي تبكي حتي طلوع الشمس ثم طلبت مني ان اساعدها للعودة الي مصر.. وبكل غباء ساعدتها ووصلتها هي والاولاد الي المطار ودموعها تنهمر كالس يل!!
لا أدري ماذا حدث لي ولكن ياسيدي لا تلمني فزوجتي باهرة الجمال والحسن ولايزيدها مرور الزمن الا جاذبية ورغم انها الآن في الاربعين الا ان الناس دائما ما يعطونها عمرا أقل ولأنها دائمة الصلاة فوجهها يشع منه نور اخاذ وكل ما طلبته منها ان تحجب هذا الجمال عن الناس الذين اراهم يفترسونها بأعينهم وشرحت لها مرارا ان هذا من فرط حبي لها لكنها لم تستجب رغم انها كانت زوجة مطيعة وخلوقة إلا في هذا الشأن!!
ووجدت نفسي وحيدا في بلاد الغربة واراد الله ان اصاب بالسكر وارتفاع الضغط وصار كل شئ في حياتي بلا طعم حتي نصحني احد الاصدقاء بالزواج. كلمت زوجتي بالتليفون وشرحت لها انني مازلت احبها وارجو ان تعود الي الدولة الخليجية مرتدية النقاب وسأصير عبدا لها اذا ما فعلت لكنها اعتذرت فاخذتني العزة بالاثم وتقدمت للزواج من احدي الفتيات المصريات وقابلني اهلها بالترحاب وتم الزواج بالفعل.
سيدي أنا مازلت احب زوجتي الاولي واتمسك بها واشعر الآن بالندم علي الزواج باخري حتي أنني فكرت في طلاقها ولكني اعود فاقول ما ذنب هذه المسكينة حتي اطلقها؟ زوجتي منذ ان علمت بخبر الزواج لم تخبر احدا من اهلها كما صرحت لي لانها ان فعلت سيقلبون الدنيا رأسا علي عقب ويطلقونها مني ولو بالقوة وهي لا تريد لابنائنا هذا المصير, لكنها ايضا لا تتحمل ان يكون لزوجها زوجة أخري وترفض هذا الوضع الذي يقلل من مكانتها كما تقول وهي تبكي بكاء مرا ليل نهار حتي أنني حادثتها مرات كثيرة وطلبت منها ان تغفر لي وان تعيش حياتها هانئة ولم اقصر في الانفاق عليها أو علي ابنائي لكن دون جدوي.. أعلم انني ضربتها في مقتل رغم شدة تعلقي بها حتي الآن لكن القدر لا مفر منه!
اكتب إليك اليوم لانها من قرائك الدائمين واتمني ان توجه لها بعض النصائح لتتغلب بها علي المرارة التي تعيش فيها والتي سببتها لها في لحظة ضعف وغباء وان تنصحني ماذا افعل أو ربما ينعم علي بعض قرائك بحل لهذه الكارثة؟
> سيدي.. لا أعرف لماذا شعرت ان شيئا ما ناقص أو غائب في رسالتك.. شيئا مالم يريحني وجعلني أحس انك لست واضحا بالصورة التي تكفي حتي نفكر معا!
لماذا انتابني هذا الاحساس بعد ان انتهيت من سطور رسالتك؟ ربما لأنك لم تلتفت إلي ضرورة وحتمية ارتدائها النقاب عندما كانت زيجتكما غير متكافئة, وهي التي خاضت معركتها حتي تكونا لبعضكما.
وربما لأنها تحملت كل الهموم وضيق ذات اليد ولم تتذمر ووقفت بجوارك حتي حصلت علي الماجستير والدكتوراه وحققت كل أحلامك.
لم تلتفت سيدي الي النقاب وهي في عز شبابها وجمالها ولم تخيرها بين النقاب او الطلاق الا بعد اربعة من الابناء وبعد ان من الله عليك ــ بفضلها وبوقوفها معك وخلفك ــ بالمال الوفير.
بعد كل هذا سيدي, اكتشفت جمالها, غرت عليها, وحاصرتها, وجعلت الامر عنادا, لم يكن مبررك دينيا, ولم تبتغ من وراء ذلك تنفيذا لفرض ديني أو غضبت لله, ولكنك كنت تغار عليها من نظرات الآخرين, التي اكتشفتها أخيرا. أنا لا أريد مناقشتك في أمر النقاب ومدي وجوب إرتدائه لأنني لست أهلا لذلك وقد ظل موضع خلاف كبير بين العلماء وإن كان أئمة الازهر الشريف لم من الحشمة.
كما لم أعرف ان دي يرونه فرضا ولاحتي واجبا ورأي البعض انه حق لمن أراد المزيد ننا الحنيف يأمر الزوج بتطليق زوجته حتي إذا لم ترتد الحجاب فما بالك بالنقاب؟!
ما أريده من قولي هو عدم إقتناعي بأنك فعلت ذلك من وجهة نظر دينية.
كما انك لم تتبع الحسني في ترغيب زوجتك العظيمة أو إغرائها بارتداء النقاب إرضاء لك أو حبا فيك, وبدوت كأنك أهدرت كل سني عمرها الجميل التي منحتها لك ودفعتها دفعا للعودة الي مصر.
وبعد ان ذهبت شريكة العمر بورودك الاربع, حلت عليك الأمراض, وبدلا من مراجعة نفسك أو دعوتها للعودة, رهنت ذلك بطاعتها العمياء لك وتنفيذ ما أمرت, إستجبت لصديقك الذي نصحك بالزواج, ولا أدري ألم ينصحك صديق بلم شمل الاسرة مرة أخري واعادة زوجتك, أم أن نصيحة صديق الزواج الجديد قد لاقت هوي في نفسك, لتندم بعد ذلك وتعيد كل ذلك الي القدر الذي لا مفر منه حتي تستريح وكأنك لم تهدم سعادتك بيديك وتؤذي آخرين لم يقدموا لك سوي السعادة والنجاح.
سيدي.. لم أفهم طلبك مني تجاه أم أولادك, هل تدعوني لمناشدتها ان تنساك وتستمتع بحياتها, أقصد تصر علي الطلاق منك وهي التي تقبل هذا الوضع المؤلم من اجل ابنائكما لانها اعتادت منذ معرفتك ان تعطي فقط؟ أم تريدني أن أدعوها لقبول الأمر الواقع فتعود إليك وتقبل الزوجة الثانية التي لم ترتكب جرما, بل أثق أنهاتتعذب لانها تشعر بندمك علي الزواج بها؟
سيدي.. لا استطيع أن أطالب أم أولادك بشئ, فأنا لا أعرف كيف تفكر وبماذا تشعر الآن, ولكني أدعوك أنت الي الاعتراف باخطائك, بندمك وإلي محاولة استرضائها بكل السبل.. بدون أن تجور علي زوجتك الثانية أو تظلمها ـ فإذا صفحت وتجاوزت تكون كريمة كعادتها, مضحية بكثير من احاسيسها من أجل ابنائها, واذا لم تفعل, لا تيأس وكرر المحاولات ماحييت فمثل هذه الزوجة يندر وجودها ومن يخسرها فخسارته فادحة!