ظلت وهيبة تردد بلسانها وجوارحها بدمع العيون وانين القلوب أدعية الاستغفار وهي تقف في ساحة الحرم المكي وحيدة أمام باب الصفا والمروة مترددة في الدخول.
تقدم قدما وتؤخر الأخري متسائلة بينها وبين نفسها هل سيقبل الله توبتها؟ وهل سيغفر لها ذنوبها؟ وهي التي حضرت لاداء العمرة وكلها أمل ورجاء في أن يغفر لها الله ذنوبها ويتقبل توبتها. وتداعي أمامها شريط حياتها, وكيف أنها وظفت ما حباها الله من ذكاء في الشر وقدرة علي الخداع والانانية والرغبة في تحقيق طموحاتها بأي ثمن, مما جعلها تدخل الحياة الزوجية وهي لم تتعد الثامنة عشرة علي رجل تعدي الستين عاما, طمعا في ماله, وقبل هو بصباها, لكن ماله وغناه لم يشفعا له عند تقصيره في حقوقها الشرعية التي وجدتها عند العديد من شباب البلدة التي تعيش فيها دون مراعاة لشرع أو أخلاق أو دين حتي ازكمت رائحة انحرافها الأنوف ووصل الخبر لزوجها وأهلها فخافت من انتقامهم منها فأخذت مدخراتها ومجوهراتها وما خف وزنه وارتفع ثمنه, وغادرت البلدة بليل وسافرت إلي القاهرة لتذوب في زحامها علي أمل البدء في حياة جديدة, ولأن( الزمار يموت وايده بتلعب) ولان( ذيل الكلب عمره ما يتعدل) فما ان استقرت( وهيبة) في القاهرة حتي استأجرت شقة لتعيش فيها وأصبحت محل اعجاب ونظر وطمع أهل الحي الجديد الذي تعيش فيه حيث حولت شقتها وكرا لأهل الحي ومقرا لسهراتهم وملذاتهم وأصبحت لها( زبائن) من كل طبقات المجتمع, وحرصا منها علي أن يكون لها رجل يحميها ولو مظهريا فقد زورت بطاقة شخصية باسم نورا وتزوجت للمرة الثانية وهي علي ذمة الزوج الأول وكان هذا الزواج مجرد واجهة تخفي من خلاله نشاطها ونظرا للتوسع في أنشطتها الاجرامية فقد استأجرت أكثر من شقة في أكثر من منطقة بالقاهرة وجعلتها أوكارا للملذات ومقصدا لطالبي المتعة الحرام تديرها عن طريق ما تستطيع أن توقع بهن من الفتيات المنحرفات, وهكذا تحولت وهيبة إلي( مسز نورا) التي تدير شبكة للاتجار في اللحم الرخيص, تذكرت وهيبة هذه المعاصي فزادت دموعها لتتساقط علي خدها كأنها جمرات من نار خاصة عندما تذكرت أن المعاصي تجر معاصي أخري, ولأن الله يمهل ولا يهمل ولان شيطان الجشع سيطر عليها فارادت أن تتوسع أكثر في أعمال المعصية جلبا للمزيد من المال فقررت إضافة نشاط تهريب مخدر الهيروين إلي داخل البلاد جلبا من بيروت التي تعددت سفرياتها إليها, حيث تعرفت في واحدة من تلك السفريات علي( رجل) من بلاد البترول قدمت له نفسها من واقع جواز سفر آخر مزور باسم نانسي وتزوجته لتعيش معه أسابيع قليلة كل فترة في بيروت ليصبح( الرجل العربي) الزوج الثالث وهي لاتزال في عصمة زوجها الأول, واستثمرت نانسي هذا الوضع وافتتحت أوكارا أخري لنشاطها الاجرامي في بيروت لتصبح ذات شهرة عالمية, وتعثرت وهيبة في خطواتها وهي تقترب من باب الحرم في عباءتها وطرحتها البيضاء وهي تتوسل إلي الله وتتضرع إليه ان يقبل توبتها التي جاءت إلي بابه من أجلها لكن الشك بداخلها يلقي بظلاله علي مخيلتها وتسترجع معاصيها وكيف أنها عادت من بيروت إلي القاهرة تحمل ثلاثة اسماء وعلي ذمة ثلاثة رجال في وقت واحد وتدير شبكة اتجار في أجساد النساء تهدف إلي اغراق البلد بالمخدرات لهدم شباب مصر, تلك معاص غرقت فيها فغرقت روحها ونسيت الله فأنساها نفسها وعاشت حياة الفجور وعاثت في الأرض فسادا وكنتيجة لتحريات شعبة مباحث الآداب التي اشارت إليها وإلي نشاطها المشبوه في إدارة عدد من البيوت للأعمال المنافية للآداب من خلال شبكة للمتعة الحرام, تمت مراقبة تلك البيوت وتليفوناتها حتي تم القبض عليهم وهم في حالة تلبس, وهكذا ضبطت الشبكة التي تديرها لأعمال الرذيلة وتم القبض عليها حيث اعترف عليها شركاؤها وباشرت النيابة التحقيقات في القضية وتمت احالتها للمحاكمة وبمجرد نشر القضية في الصحف بصورة المتهمة, تعرف عليها أزواجها الثلاثة, فتقدموا ببلاغات إلي النيابة يتهمونها بتعدد الأزواج, حيث أضيفت إليها تهمة جديدة وحكم عليها في النهاية بعشر سنوات سجنا قضتها وهيبة في حفظ القرآن ودراسة تفسيره وخرجت بعدها بتوبة نصوح وقررت أن تؤدي العمرة لبيت الله الحرام لعل الله يقبل توبتها, لكن الشيطان( الوسواس الخناس) يشككها في قبول تلك التوبة, ووسط هذا الاضطراب النفسي وهي واقفة أمام باب الحرم يعلو صوت الاذان فتهرول وهيبة مسرعة وتدخل الحرم فتجد أمامها الكعبة المشرفة فتسجد منتحبة رافعة يدها إلي السماء قائلة يارب... يارب عفوك وتصلي وتؤدي مناسك العمرة فيهدأ بالها ويستقر وجدانها وتجف دموعها, وبعد أن ترتوي من ماء زمزم تجلس بجوار أحد الأعمدة وتسند ظهرها عليه وتعلو وجهها ابتسامة وتصعد روحها إلي بارئها وتدفن وهيبة هناك وهي علي هذه الحالة..[b]