04/02/2012 04:42:34 ص
قسوة الأهل وجراحهم لا تداويها السنون.. فالحقد والكراهية يفجران براكين العذاب! أسطر لك آلامي بعدما أصبحت عاجزة عن تحملها.. لعلي أجد حلا يخمد نار أحزاني.. وهذه هي قصتي.
أنا امرأة في العقد السادس من العمر، متزوجة منذ أكثر من ثلاثين عاما، لم يشأ الله أن يرزقني بطفل، لكن عوضني بطفلة جميلة رقيقة أحببتها كثيرا، إنسانة منحتني الاحساس بالأمومة، التي حرمت منها طفلة صغيرة من أبناء العائلة، تعلقت بها لدرجة انني اقنعت نفسي بأنني أمها بالفعل. علي الرغم من أن أطفال العائلة كثيرون إلا أن هذا الشعور كان منها ولها فقط، كانت مختلفة عنهم والأقرب إلي قلبي. عشت علي هذا الحال.. وأصبحت أناديها بابنتي فكل تصرفاتها أعطتني احساسا بالأمومة . احساس جميل جدا لا يعرفه إلا الذي حرم منه. كبرت الصغيرة وكبرت كذلك أنا معها علي الرغم من أنها لم تكن مقيمة معي بشكل مستمر. لكن الساعات أو الأيام التي نقضيها معا هي ما تحسب من عمري فقط من ساعات السعادة والحب والحنان منها لي ولزوجي أكثر من عطائنا لها.. حتي تخرجت في الجامعة وعشنا معا فرحة النجاح. ثم تقدم لها العرسان لخطبتها عشت معها لحظات الاختيار، وكان النصيب من أحد أقارب العائلة، تزوجت ورزقت بطفل جميل.
لا أطيل عليك.. كانت لهفتي الدائمة عليها في اتصالاتي التليفونية اليومية في العمل وفي البيت وذهابي الدائم لها شعور الأم حيال ابنتها، هل هي سعيدة؟ هل توجد مشاكل؟ هل تحتاج أي شيء؟ كنت أتصرف كأم فرحة بزواج ابنتها وليست أية ابنة! لم أجد منها أي رفض لتصرفاتي ولكن دائما القبول والاستقبال بلهفة الابنة لأمها.. لذلك أغدقت عليها ببعض الأشياء التي أعطاني الله اياها وكنت سعيدة بذلك ولكنهم استكثروا عليها هذا الحب والتمييز. المشكلة ـ سيدتي ـ ان الزوج وبعض أبناء العائلة اتهموني بالانحياز لها دون باقي الأبناء، وحدثت بعض المشاحنات بسبب ذلك حتي وصل الأمر إلي طلاقها بعد عدة سنوات من الزواج، والسبب هو حبي لها، ومنذ ذلك الوقت يسيطر عليّ شعور أن ذلك حدث بسببي، كم كانت الصدمة قوية حزنت كما لم أحزن من قبل في حياتي كلها، علي طلاق إنسانة غاية في الرقة كل ذنبها أنها متعلقة بي. لقد استكثروا عليّ أن يمنحني الله ابنة لم ألدها، واستكثروا عليّ أن أعيش احساس الأمومة. ورغم كل ما حدث مازلت أجد منها الحنان والرعاية والاهتمام.
حاولت أن أعيدها لزوجها، لكنها رفضت العودة لهذا الزوج الذي لم يفكر ولو مرة واحدة أن يكون ساعدا وسندا لها في حب ومساعدة الآخرين ومن يحتاجون إليها.
سيدتي.. أرجوك أخبريني كيف أستطيع أن أعيد لها ابتسامتها؟ ولعينيها بريقها؟! أرجوك ألا تهملي رسالتي وأخبريني ماذا أفعل؟
المعذبة (م.. ع)
الكاتبة:
أقدر ـ تماما ـ مشاعرك، وأتعاطف معها. فأنت إنسانة مليئة بالمشاعر الإنسانية الراقية، وعلي رأسها عاطفة الأمومة. وللأسف شاء القدر أن يحرمك من نعمة الأمومة، لكن قلبك الشفاف أصر علي العطاء بسخاء لفتاة عوضتك افتقادك للابنة.
أقول لك ـ سيدتي ـ أنك لم تخطئي في حق أحد، ولم ترتكبي ذنبا لأنك مارست مشاعر الأمومة مع فتاة ليست ابنتك بالدم والجينات وإن كانت ابنتك الروحية التي تشعرين معها بدفء الأمومة وجمالها.
أنا لا أعرف تفاصيل كثيرة عن أسباب طلاق هذه الابنة الروحية، فما ورد في رسالتك لم يوضح تلك التفاصيل. لكن هل بالغت في حبها؟ هل حاصرتها باهتمامك لدرجة الخناق؟ إننا نخطئ كثيرا عندما نحب، وخاصة عندما يتمكن الحب منا ويملك قلوبنا، ويسير خطواتنا. نخطئ بالتركيز الشديد علي الحبيب، والمبالغة في الاهتمام به، فنكون مثل الدبة التي قتلت صاحبها عندما أرادت أن تهش الذبابة من فوق وجهه.
عليك ـ سيدتي ـ أن تعيدي حساباتك مع نفسك، وتُقَّيمي تصرفاتك بشئ من التفكير والحكمة. فالحب عاطفة نبيلة.. سامية.. لكنه يحتاج إلي فرامل العقل لتضبط ايقاعه، وتحكم اندفاعه. وإذا كان الشعور بالذنب يعذبك ـ الآن ـ فلا تبالغي في جلد ذاتك، لأنك ـ بالفعل ـ لم تخطئي عمدا أو بسوء نية. أنت أحببت هذه الفتاة فأغدقت عليها حبا وحنانا.. مالا وهدايا. وهذا طبيعي في مثل حالتك. فقد كنت تفتقدين مشاعر الأمومة، وترغبين في الشعور بالقرب الإنساني والنفسي من فتاة اعتبرتها ابنتك، ووجهت نحوها كل مشاعر الرعاية والحب. العطاء والحنان. والآن.. أعتقد انك في حاجة إلي استراحة..خلوة مع النفس تنفضين فيها عن قلبك كل هذه الهموم.. وتداوين الجراح الأليمة.
وأتمني ألا تُحملي نفسك وزر ما حدث. فمن المؤكد أن هناك أسبابا أخري كانت السبب في طلاق هذه الفتاة. ربما يكون اهتمامك المبالغ فيه بها أحد الأسباب، ولكن من المؤكد أنه ليس السبب الوحيد، ولو كان كذلك فهذا يدل علي أن الزواج نفسه كان هشا، والرباط بين الزوجين كان مهترئا. لا تلومي نفسك ـ سيدتي ـ فأنت لم تفعلي ما يخجل أو ما يدفع الإنسان إلي الندم. أنت أحببت إنسانة وأردت أن تسعديها وهذا أنبل ما في عاطفة الحب.
أما وقد بالغت في عطائك بما أدي إلي عكس ما تريدينه. فهذا شيء مؤلم، ولكن يجب ألا تبالغي أيضا في شعورك بالذنب.
فمن المؤكد أن هناك أسباب خفية بين تلك الفتاة وزوجها كانت هي الدافع إلي الطلاق، ولذلك يجب أن تتخلصي ـ تماما ـ من عقدة الذنب التي تحملينها في قلبك بلا مبرر! [b][b]