السيد يسين
السيد يسين
49
عدد القراءات
هل ضاعت ثورة25 يناير التي أصبحت بعد اندلاعها نموذجا عالميا لقدرة الشعوب علي تخطي حاجز الخوف من السلطة, وأكثر من ذلك وبصورة سلمية إسقاط النظام الاستبدادي, واجبار الرئيس السابق علي التنحي عن الحكم؟
هل ضاعت الثورة بفعل تشرذم صفوف الشباب الثائر الذي أشعل فتيلها وجعل ملايين المصريين ينضمون اليها, فتحولت من مظاهرة احتجاجية حاشدة الي ثورة شعبية حقيقة؟
هل ضاعت الثورة نتيجة تكالب القوي السياسية القديمة والأحزاب الجديدة وائتلافات شباب الثورة علي الفوز بأكبر نصيب من مقاعد مجلس الشعب الذي بدأت إجراءات انتخابه بالفعل؟
هل ضاعت الثورة وفقدت التعاطف الشعبي بعد تعدد المظاهرات المليونية بسبب وبغير سبب, واستخدامها من قبل تيارات سياسية ودينية للدعاية الحزبية الفجة ولو كان ذلك ضد مصلحة المجتمع وهدما لأركان الدولة؟
في يقيننا أن أسباب احتمال اتضياع الثورة ابعد من ذلك كله. وذلك لأن المشكلة الحقيقية ان هذه الثورة التي قامت بغير قيادة وكان ذلك من اسباب نجاحها, لم يستطع من بادروا بالدعوة اليها علي الفيس بوك والتظاهر في ميدان التحرير, ان يوحدوا صفوفهم بسرعة وان يكونوا جبهة سياسية ثورية, قبل ان تنقض عليهم القوي السياسية التقليدية لانتزاع المبادرة منهم.
وهذه الجبهة السياسية الثورية لو كانت قد تشكلت وحددت مطالب التغيير الاساسية بعد اسقاط النظام في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واقترحت آليات محددة لتحقيقها, وقامت بالتفاوض البناء مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة ومع وزارة عصام شرف, لو حدث ذلك لكان من الممكن ان تسير المرحلة الانتقالية الضرورية من الديكتاتورية الي الديمواقراطية, وفق خطة طريق واضحة المعالم ومحددة الأهداف.
لقد انساق شباب الثوار للفخ الذي نصبته لهم القوي السياسية التقليدية وهو إجراء الانتخابات النيابية بأسرع ما يمكن, تمهيدا لتشيكل لجنة تأسيسية لوضع الدستور ثم الشروع في الانتخابات الرئاسية.
لم يصدر عنهم بيان ثوري يشخصون فيه المشكلات الجسيمة التي يواجهها المجتمع المصري, نتيجة السياسات المنحرفة التي مارسها النظام السابق خلال ثلاثين عاما كاملة.
كان من المتوقع منهم تقديم أفكار جديدة حول إعادة تصميم هيكل الدولة ذاته ابتداء من رئاسة الجمهورية, والتي تحتاج الي انشاء مؤسسات جديدة تسهم اسهاما ايجابيا في عملية صنع القرار التي كان يحتكرها الرئيس السابق وعدد محدود من معاونيه.
مصر تحتاج الي انشاء مجلس اعلي للتخطيط الاستراتيجي يضم اكبر العقول المصرية من مختلف التخصصات, لوضع رؤية استراتيجية لمصر في العشرين عاما القادمة, وذلك علي غرار عديد من الدول التي رسمت خرائط المستقبل, حتي توجه عملية التنمية المستدامة في ضوء الاستبصار بالتفاعلات الدولية والسياسية والاقتصادية القادمة.
وهذه الرؤية الاستراتيجية ينبغي ان تصدر في وثيقة رسمية بعد عرضها ومناقشتها في المجالس النيابية ومراكز البحوث والجامعات ومع ممثلي مؤسسات المجتمع المدني.
وبعد صدورها لابد من ان تلتزم لها الوزارات المتعددة التي ستشكل لممارسة الحكم في البلاد. وهذه هي الطريقة الوحيدة لمنع تذبذب السياسات وتغييرها حسب هوي الوزراء المتعددين والمتغيرين في كل وزارة, أو وفق المصالح الطبقية الضيقة لعدد من رجال الاعمال المحتكرين, او اهل السياسة الفاسدين.
وهذه الرؤية الاستراتيجية لابد اولا من المراجعة النقدية لوضع مصر في النظام الاقليمي العربي, وذلك للقضاء علي سلبيات المرحلة الماضية التي تراجع فيها الدور المصري لحساب قوي دول صغيرة او كبيرة طامحة في ان تلعب ادوارا اكبر من حجمها, ويتجاوز بكثير قدراتها.
واهم من ذلك كله اتخاذ موقف استراتيجي واضح من المشاريع الدولية الكبيرة في الشرق الاوسط, سواء في ذلك المشروع الصهيوني بجذوره التاريخية القديمة وتطلعاته التوسعية الجديدة مدعوما من الولايات المتحدة الامريكية وضد المصالح العربية عموما والفلسطينيين خصوصا, او المشروع الايراني الذي يطمع قادته في ان تكون ايران هي اللاعب الرئيسي في المنطقة, او المشروع التركي البازغ الذي اخذ يتداخل في السياسات العربية بعد النجاح المبهر لتركيا في مجالات الديموقراطية السياسية والتنمية الاقتصادية.
ولابد للرؤية الاستراتيجية المقترحة من مراجعة السياسة الاقتصادية المنحرفة التي طبقها النظام السابق, والتي قامت علي هدي توجيهات الليبرالية الجديدة التي دفعت الدولة دفعا الي الاستقالة من اداء وظائفها الانتاجية في الصناعة والزراعة, وألقت بعبء التنمية علي عاتق القطاع الخاص بدون اي تخطيط من قبل الدولة.
وقد ادي هذا الوضع الي نهب اراضي الدولة التي اقطعت بأثمان بخسة لرجال الاعمال الذين ضاربوا فيها وأثروا ثراء فاحشا, دفعهم الي تبني اسلوب في الحياة يتجه الي الانعزال عن جموع الشعب المصري واقامة احياء سكنية فاخرة لهم محاطة بالاسوار, تباع فيها الوحدة السكنية فيلا كانت او قصرا بعشرات الملايين من الجنيهات.
في الوقت الذي اتسعت فيه دوائر الفقر بالنسبة لملايين المصريين, وهو الوضع الذي دفعني الي القول في قناة تليفزيونية حكومية قبل الثورة, ان المشهد الاجتماعي المصري يتلخص في عبارة واحدة مفردها منتجعات هنا وعشوائيات هناك! وقد ادت هذه السياسة الاقتصادية المنحرفة الي خصخصة القطاع العام وتدميره والتسريح المبكر للعمال.
وبالرغم من تحقيق نسبة نمو وصلت الي معدل9% في سنة من السنوات الماضية, الا ان النمو ـ كما يعرف علماء الاقتصاد ـ ليس هو التنمية. بعبارة اخري مادامت اثاره لم تصل الي ملايين الناس, فمعني ذلك ان هناك عيوبا جسيمة في وضع وتنفيذ استراتيجيات التنمية المستدامة.
وكان لاابد من مراجعة الوضع الاجتماعي المصري لمواجهة ظاهرة الانقسام الطبقي والهوة العميقة بين الاغنياء والفقراء, وذلك تحقيقا لاحد شعارات ثورة25 يناير الاساسية وهي تحقيق العدالة الاجتماعية.
ولا يمكن تحقيقها ـ وفق بعض التصورات الساذجة ـ بمجرد تحديد ادني للاجور وحد اقصي, لان العدالة الاجتماعية تقتضي في المقام الاول اعمال المبدأ المواطنة, وتأكيد قاعدة تكافؤ الفرص, ورفع مستوي التعليم الاساسي والجامعي, وترقية الخدمات الطبية, ووضع برامج واقعية للتشغيل لامتصاص البطالة السائدة, ورفع مستوي القوي البشرية بالتدريب المتواصل, الذي يجعلها قادرة علي المنافسة في سوق العمل الدولي.
ان الرؤية الاستراتيجية المقترحة كان ينبغي عليها اولا ان تعيد النظر في مبادئ الديموقرطية التي تقوم علي انتخاب ممثلين عن الشعب لاعضاء في المجالس النيابية.
فقد ثبت ـ لو نظرنا نظرة مقارنة ـ ان هناك قصورا واضحا في هذه الصيغة من صيغ الديموقراطية السائدة. وليس ادل علي ذلك من ان انتخابات مجلسي الشعب والشوري القادمين مهما كانت نتائجها, لن تكون علي وجه الاطلاق ممثلة لفئات الشعب المصري, وذلك لاسباب متعددة لا مجال اليوم لتعدادها.
ومنذ ثم كانت هناك حاجة لابتداع ديموقراطية حرية جديدة تكفل تحقيق مطمحين من مطامح شباب الثورة. المطمح الاول ضرورة الاشتراك الشعبي في عملية اصدار القرار علي كافة المستويات من المستوي المركزي الي المستوي المحلي.
والمطمح الثاني ضرورة الرقابة علي عملية تنفيذ القرار. فقد أثبتت الخبرة ان قرارات متعددة اتخذت وفق توجهات صحيحة, ولكنها ضاعت في التنفيذ من خلال قنوات الفساد المتعددة.
هذه كلمات أولي حول المقترحات التي كان من شأنها ان تنقذ الثورة من الضياع![b]