الحديث الطبي عن القلب، سواءً كان في محفل علمي أو على صفحات الصحف أو ضمن عمل تلفزيوني، يظل ذا نكهة حساسة وخاصة، وله أهميته.
ولأننا كبشر نختلف في ما يُساعدنا على التركيز عند طرح الأمور المهمة، التي منها فهم أساسيات عمل وسلامة وصحة أهم ما يملك الإنسان في حياته، وهو قلبه، فإن أصحاب المزاج قد يتطلب استحضار تركيزهم الذهني، للاستماع أو القراءة أو المشاهدة، إعداد قدح من القهوة أو «فنجان» من الشاي أو ترتيب أجواء من الهدوء، بينما آخرون يستطيعون استجماع القوى الذهنية في أي وقت وتحت أي ظرف.
ولأن القلب يعمل بالكهرباء، التي قد يُؤدي انقطاعها أو اضطرابات سريانها، إلى ضعف أو توقف القلب عن ضخ الدم لأعضاء الجسم، وبالتالي توقف حياة الإنسان، فإن معرفة شيء ولو بسيط عن حقائق أنظمة كهرباء القلب، وفهم كيفية عملها، ومدى تأثر أجزاء القلب بها في الحالات الطبيعية والحالات المرضية، وكيفية إجراء الأطباء فحوصات التأكد من سلامتها أو تشخيص أمراضها، هو إحدى الخطوات التي لا يندم المرء مطلقاً على إنفاق شيء من الوقت في القراءة عنها.
مهمة القلب الأساسية
المهمة الأساسية للقلب هي ضخ الدم المفيد إلى أجزاء الجسم المختلفة، أي الدم المحتوي على الأوكسجين وعلى العناصر الغذائية، كالماء والمعادن والأملاح والبروتينات والسكريات والدهون وغيرها من المواد الكيميائية.
وأجزاء الجسم كافة، تحتاج هذه الأشياء كي تعيش وكي تنمو وكي تعمل. ويحتاج القلب، كمضخّة، لتحقيق هذه المهمة الأمور التالية:
- أن تكون فيه حجرات عضلية قادرة على استيعاب الدم القادم إليها، وقادرة على دفعه وضخه إلى خارج القلب عبر شرايين كبيرة.
- أن تكون فيه صمامات، ذات بنية ووظيفة سليمة، كي تُسهل تدفق الدم من حجرة إلى أخرى، أو من حجرة إلى أحد الشرايين الكبيرة الخارجة من القلب، في الاتجاه المطلوب. وتمنع الدم من الدخول إلى الحجرات التي خرج منها بقوة الضخ.
- أن يتمتع بوجود شرايين مغذية لعضلات هذه الحجرات القلبية. أي شرايين تاجية سليمة من أي أمراض تُعيق تدفق الدم الذي يُمد عضلة القلب بالأوكسجين والعناصر الغذائية الأخرى.
ويبقى بعد توفر هذه العناصر الثلاثة، أن يعمل القلب على التحرك بالانقباض والانبساط العضلي كي يستوعب الدم القادم إليه وكي يضخ الدم للخروج منه. وهنا لدينا أهم وأدق ما في الجسم من الأنظمة المُحركّة لعمل القلب، وهو نظام كهربائية القلب.
وهو الذي بانتظام عمله سلامة الحياة وضمان عمل أعضاء الجسم، وباختلاله لا تقوى أعضاء الجسم على أداء أعمالها، بل ويحصل تهديد لسلامة حياة الإنسان.
عمل حجرات القلب
وحين وجود هذه العناصر، أي الحجرات والصمامات والشرايين التاجية، وبشكل طبيعي، يكون لدينا قلب مكوّن من أربع حجرات، حجرتان في اليمين وحجرتان في اليسار.
أي أن كل اثنتين متصلتان بعضهما ببعض، والواحدة منهما فوق الأخرى. وقبل كل شيء، دعونا نُراجع كيف تعمل حجرات القلب على إتمام عملية استقبال الدم ثم ضخه، كي نُدرك ما هي الأشياء المطلوبة للقيام بهذه العمليات الوظيفية المتحركة.
وترتيب عمل الحجرات العضلية القلبية خلال كل نبضة قلبية، هو كما يلي:
- أُذين أيمن. ويقوم حال استرخاء عضلته باستقبال واستيعاب الدم القادم من الجسم بعد استخلاص الأوكسجين منه.
ثم يقوم بالانقباض كي يدفع الدم إلى البطين الأيمن. وفيما بين هاتين الحجرتين يقع الصمام الثلاثي. وهو صمام يسمح للدم، بالمرور من الأذين الأيمن إلى البطين الأيمن.
- بطين أيمن. ويقوم حال استرخاء عضلته باستقبال واستيعاب الدم القادم من الأذين الأيمن. ثم يقوم بالانقباض، ما يدفع الدم للخروج منه عبر الصمام الرئوي، للجريان في الشريان الرئوي.
ومن ثمّ يصل الدم إلى الرئة كي يتخلص من ثاني أكسيد الكربون، ويتزود بالأوكسجين. ويعمل الصمام الثلاثي حال سلامته من أية اضطرابات وظيفية، بمنع الدم الموجود في البطين الأيمن من الدخول مرة ثانية إلى الأذين الأيمن، حال انقباض البطين الأيمن.
كما يعمل الصمام الرئوي على فسح المجال لمرور الدم من البطين الأيمن إلى الشريان الرئوي حال ضخ الدم، ويمنع الدم الذي تم ضخه إلى الشريان الرئوي من العودة إلى البطين الأيمن حال الفراغ من الانقباض وضخ الدم.
- أذين أيسر. ويعود الدم من الرئة، بعد تنقيته، إلى الأذين الأيسر. وعلى الأذين الأيسر أن يستوعب كمية الدم القادمة إليه من الرئة، ثم أن يدفع بالدم إلى البطين الأيسر عبر الصمام المايترالي.
- بطين أيسر. ويقوم حال استرخاء عضلته باستقبال الدم القادم إليه من الأذين الأيسر.
ثم عند انقباض البطين الأيسر، يندفع الدم إلى الشريان الأبهر عبر الصمام الأورطي. ويعمل الصمام المايترالي، حال سلامته من أية اضطرابات وظيفية، على منع الدم الموجود في البطين الأيسر من الدخول مرة ثانية إلى الأذين الأيسر، حال انقباض البطين الأيسر.
ويعمل الصمام الأورطي على فسح المجال لمرور الدم من البطين الأيسر إلى الشريان الأبهر حال ضخ الدم، ويمنع الدم الذي تم ضخه للتو إلى الشريان الأبهر من العودة إلى البطين الأيسر حال الفراغ من الانقباض وضخ الدم.
انقباض وارتخاء متناغم
أحد أسرار سلامة القلب وكفاءة قدراته على العمل، هو أن يكون هناك تناغم وانسجام في ما بين انقباض وانبساط الحجرات خلال النبضة القلبية الواحدة. أي أولاً، انقباض حجرات الأذينين ، ثم ثانياً انقباض حجرات البطينين.
ويستمر العمل متعاقباً في كل نبضة بهذه الطريقة المتناغمة. وهذا النظام يتطلب انقباض الأذينين سوياً، بعد استيعابهما للدم القادم إليهما، إما من الجسم إلى الأذين الأيمن، أو من الرئة إلى الأذين الأيسر.
وحال انقباض الأذينين، يجب أن يكون البطينان مرتخيين ومنبسطين، كي يتمكنا من استيعاب الدم القادم إليهما من الأذينين.
وما يُثير ويُحفز عضلة القلب على البدء بعملية الانقباض هو وصول تيار كهربائي إليها. وزوال وصول الكهرباء، يُؤدي إلى ارتخاء العضلة بعد انقباضها.
ولكي يتم انقباض حجرات القلب بالتعاقب، يجب أن يصل التيار الكهربائي إلى الأذينين أولاً. وأن تتم إعاقة استمرار تدفق التيار الكهربائي من الوصول إلى البطينين لفترة وجيزة من الوقت.
وخلال هذه الفترة الوجيزة يُتم الأذينان استيعاب التيار الكهربائي في كافة أرجائهما، ويتم انقباضهما لضخ الدم إلى حجرات البطينين وهما مسترخيتان منبسطتان.
ثم بعد الانتهاء من انقباض الأذينين، يُمكن للتيار الكهربائي أن يسري في أرجاء البطينين، ويحفزهما على الانقباض وإتمام ذلك لضخ الدم إلى خارج القلب، أي إلى الرئتين وإلى بقية الجسم.
ثم تمر فترة أخرى من الهدوء القلبي، وتسترخي كافة حجرات القلب للراحة واستجماع القوى وإعادة تكوين مخازن لوقود الطاقة الحركية.
والأهم من هذا كله، كي تتمكن كمية الدم، التي تم ضخها للتو في الشرايين الكبيرة، من الجريان والوصول إلى الأعضاء المختلفة.
وبهذا تنتهي النبضة الواحدة. وبعدها تأتي موجة جديدة من التيار الكهربائي لقيام حجرات القلب الأربع بنبضة جديدة من ضخ الدم. وهكذا طوال حياة الإنسان.
مصدر التيار الكهربائي
ولإتمام ما تقدم من حركات الانقباض والانبساط للحجرات القلبية، وبالطريقة المتناغمة المتقدمة العرض، يجب أن يكون هناك مصدر واحد للتيار الكهربائي، منه يبدأ سريان التيار الكهربائي الآمر للأذينين بالانقباض.
وكونه مصدرا واحدا ومصدرا كافيا، لبدء سريان التيار الكهربائي في القلب، أساسا في كل التناغم والكفاءة في عمل القلب.
والأساس الآخر لإتمام عمل حجرات القلب بالطريقة المتناغمة، كما تقدم، هو أن يسري ويجري التيار الكهربائي وفق الطريق الطبيعي لذلك.
أي وفق تمديدات خطوط «أسلاك» توصيل التيار الكهربائي الموجودة ضمن نظام تمديدات الكهرباء القلبية.
وقصة طريق سريان التيار الكهربائي في حجرات القلب، في الحالات الطبيعية، هي كالتالي:
تبدأ عقدة مكونة من تجمع لخلايا قلبية، عالية الحساسية في تراكيبها وخصائصها وعملها وعالية أيضاً في تحملها للمسؤولية، في إصدار تيار كهربائي جديد.
وكثير من الأطباء والمصادر الطبية، ترى أن هذه العقدة من الخلايا هي أساس وسر عمل القلب بطريقة طبيعية، وبالتالي هي مكْمن سر حياة الجسم كله.
وهذه العقدة تُدعى «العقدة الأذينية ـ الجيبية»، وتُوجد ضمن الجدار العضلي للأذين الأيمن. ومنها يبدأ التيار الكهربائي، ثم ينتشر في حجرات القلب وفق طريق محدد.
والطريق هو:
تسري الكهرباء من «العقدة الأذينية ـ الجيبية» في الأذين الأيمن، ثم في الأذين الأيسر. وهنا يُصبح الأذينان جاهزين للانقباض.
ويصل التيار الكهربائي إلى المنطقة التي تفصل ما بين الأذينين والبطينين. ولكي لا تسري الكهرباء إلى البطينين بسرعة، وذلك لإعطاء فرصة من الوقت كي تنتشر الكهرباء في كامل الأذينين ووقت كاف لإتمامهما عملية الانقباض في الأذينين معاً، هناك عقدة مهماتها إبطاء وإعاقة مرور التيار الكهربائي لبرهة قصيرة من الوقت.
وهذه العقدة تُدعى «العقدة الأذينية البطينية». وما يُمكن هذه العقدة من إبطاء سريان الكهرباء من خلالها، هو أنها ذات تركيب تشريحي فريد.
وتحديداً تُوجد في تلك العقدة أنسجة ليفية وغيرها، قادرة على مقاومة مرور التيار الكهربائي.
ولو شبهنا الأمر بما يعلمه الجميع عن الكهرباء وقدراتها على السريان في المواد المختلفة، نجد أن أسلاك النحاس مثلاً مُوّصل سريع وسهل للكهرباء، ولذا تُستخدم في تمديدات الأسلاك الكهربائية، المنزلية وغيرها.
بينما هناك أسلاك مصنوعة من مواد أخرى، لها قدرة على مقاومة سرعة مرور التيار الكهربائي فيها، مثل الأسلاك المُستخدمة في مصابيح الإضاءة أو في المدفأة أو في «عيون» المواقد الكهربائية.
ثم بعد فراغ الأذينين من الانقباض، يكون التيار الكهربائي قد تجاوز عقبة «العقدة الأذينية ـ البطينية». ومن ثم يسري ويجري التيار الكهربائي في كامل عضلة البطينين بسرعة فائقة، وضمن توصيلات كهربائية واضحة، تشريحياً ووظيفياً.
وحينها فقط يتهيأ البطينان للانقباض، ثم ينقبضان بالفعل ليضخا الدم الذي وصل إليهما نتيجة انقباض الأذينين. ومن ثم يجري الدم في الشرايين الخارجة من القلب.
اضطرابات كهرباء القلب
وحينما نفهم ونُدرك مخطط إصدار الكهرباء في القلب، والطريق الذي يسلكه التيار الكهربائي في أرجاء القلب المختلفة، والتبعات الحركية لانقباض الحجرات القلبية بفعل التيار الكهربائي، والتأثيرات المحتملة في كهربائية القلب لعدد من الاضطرابات أو التغيرات أو الأمراض التي تعتري أعضاء شتى في الجسم، نُدرك أن الإشكاليات الصحية في أمراض كهرباء القلب يُمكن أن تبدأ من عدة مكامن محتملة، كما نُدرك أن تبعات وتداعيات البعض منها يختلف عن تبعات وتداعيات البعض الآخر، وبالإضافة إلى هذين الأمرين، نُدرك أن الأعراض المرضية تختلف فيما بين الذين لديهم اضطرابات في كهرباء القلب، ونُدرك كذلك أن مدى الحاجة إلى المعالجة الطبية ووسائل تلك المعالجة، قد تختلف.
وتتعدد المكامن المحتملة لحصول اضطرابات مرضية في نظام كهرباء القلب. وهي قد تكون نتيجة لظهور مصادر أخرى منافسة لـ «العقدة الأذينية ـ الجيبية» في البدء بسريان التيار الكهربائي في حجرات القلب.
وهو ما يحدث إما نتيجة لضعف عمل المصدر الطبيعي، أي العقدة الأذينية - الجيبية. أو لعشوائية في انضباط إحدى خلايا القلب، أو مجموعة متفاوتة العدد من خلايا القلب، في إصدار تيارات كهربائية لا علاقة لها بالنظام الطبيعي الذي يسير عليه القلب، أي نشوء «أعمال شغب» في إصدار الكهرباء داخل القلب.
وما يُسهل نشوء تلك المصادر المشاغبة، هو اضطرابات هرمونية في الجسم، كزيادة هرمون الغدة الدرقية، أو وجود مواد مُثيرة للحساسية في كهرباء القلب، كالكافيين. أو اضطرابات في بنية عضلة حجرات القلب، كالتليف أو ترسبات الكالسيوم، أو اضطرابات في تزويد عضلة القلب بالدم المُحمّل بالأوكسجين، نتيجة أمراض الشرايين التاجية. أو غير ذلك من الأسباب.
واضطرابات وجود مصادر أخرى لإطلاق التيار الكهربائي في القلب، قد تنتج عنه إما اضطرابات في عمل القلب، أو أن القلب والجسم يتمكنان من التكيف مع تلك الاضطرابات والتغلب على تأثيراتها بما يضمن سلامة القلب والجسم والحياة، أي أن منها ما يحتاج إلى معالجة، ومنها ما يحتاج إلى مراقبة فقط، ومنها ما يُمكن طمأنة المرء المُصاب بها بأنها غير ضارة.
كما قد تنشأ عدة أنواع من اضطرابات كهرباء القلب نتيجة خلل ما في سهولة مرور التيار الكهربائي خلال التمديدات الطبيعية لـ «أسلاك» مرور التيار الكهربائي الموجودة طبيعياً فيما بين المصدر الطبيعي للتيار الكهربائي وبين حجرات القلب، أو نتيجة لجريان التيار الكهربائي خلال «أسلاك» غير طبيعية وموجودة بصفة غير طبيعية لدى بعض المرضى.
وهناك تفرعات أخرى للآليات التي نتيجة لها تحصل الأنواع الأخرى من اضطرابات النظام الطبيعي لكهربائية القلب، لا طائل مباشر من الاسترسال في عرضها.
فحوصات كهربائية القلب
ولأننا نتحدث عن مصدر للتيار الكهربائي، وعن مرور تيار كهربائي خلال تمديدات من الأسلاك الطبيعية، وعن تفاعلات حركية بالانقباض والانبساط لحجرات القلب بفعل وصول الكهرباء إليها، فإننا نحتاج إلى وسائل تشخيصية قادرة على رصد الكهرباء بالدرجة الأولى.
وهي ما تشمل «رسم مخطط كهربائية القلب»، ورصد نبضات القلب خلال الأربع وعشرين ساعة، أو ما يُسمى بـ «جهاز الهولتر»، ودراسة كهربائية القلب خلال القسطرة القلبية، أو ما تُسمى «دراسة الكهرباء الفسيولوجية» للقلب، وغيرها من الفحوصات الأعمق.
ثم بعد هذا نحتاج إلى وسائل تشخيصية ترصد حركة الحجرات ونتيجة هذه الحركات الانقباضية والانبساطية في ضخ الكمية اللازمة من الدم في كل نبضة ينبض بها القلب.
وهي ما تشمل قياس النبض وقياس ضغط الدم واختبار الطاولة المائلة واختبار جهد القلب ودراسة القلب التلفزيونية بالأشعة فوق الصوتية، وغيرها.
هذا دون الحديث عن فحوصات الدم وغيره التي قد يطلبها الطبيب حال محاولاته جلاء حقيقة أي اضطرابات في عمل نظام كهربائية القلب، مثل تحليل الدم للهيموغلوبين والمعادن والأملاح والدهون والسكر والهرمونات وغيرها.