يردد المصريون نكتة تقول إن الرئيس المصرى المخلوع التقى بسابقيه أنور السادات وجمال عبدالناصر فى السماوات العلى وجلسوا جميعا يتندرون ويتذكرون كيف كانت نهاية كل منهم فقال عبدالناصر أنا انتهيت بالسم (استناداً لما ذكره الأستاذ هيكل من أن الرئيس السادات كان قد أعد له بنفسه فنجان القهوة الأخير)، بينما السادات قال: لقد انتهيت بالرصاصات الموجهة، وعندما جاء دور مبارك قال: أما أنا فقد قتلنى الفيسبوك اللعين .. هذا صحيح تماماً رغم أن هناك من يرى أن الرئيس المصرى المخلوع حسنى مبارك قد «مات» بفعل قناة الجزيرة وليس بالفيسبوك، فقد أرست قناة الجزيرة فى الخمسة عشر عاما الأخيرة ما يمكن أن نسميه «فن الحوار»، وكسرت طوق المحرمات فى العالم العربى حين بدأت تثير قضايا الديمقراطية والفساد. وعلى ذلك فإن الجزيرة ووسائل الإعلام الأخرى المسمى بالإعلام البديل أو الجديد متمثلا فى الإنترنت، خاصة شبكات التواصل الاجتماعى هو إعلام المستقبل بعدما ساهم بشكل فاعل فى تفجير الثورات التى شهدتها تونس ومصر وتشهدها حاليا ليبيا وسوريا واليمن، وفى الحراك الشعبى بدول عربية أخرى، ولكن تصدَر الإعلام البديل فى المرحلة المقبلة لا يعنى بأى حال أن شبكات الإعلام التقليدى وعلى رأسها الفضائيات ستنتهى.
فما إن انطلقت هذه القارة الجديدة المسماة بالإنترنت، حتى أضاءت عوالم معتمة، وبدت تلك الشمعة المتواضعة فى بداية الأمر كأنها لا تقوى على كل هذا الظلام، لكن المثير فى الأمر أن هذه الشمعة أشعلت العالم، وصارت حقيقة لايمكن تجاهلها، وأجبرت الكهول والعجائز على العودة لصفوف الدراسة، أو الامتثال أمام الأبناء والأحفاد، ليتعلموا مهارات السباحة فى محيط الإنترنت، والإبحار وسط أمواجها المتلاطمة.
فالليلة ليست كالبارحة، إنه درس لكل طاغ مستبد يظن أنه يمكنه أن يهنأ بغنيمته ويستمر فى ظلمه إلى الأبد دون ملاحقة؛ فقد تحوّل العالم الآن ليس إلى قرية صغيرة وإنما إلى جهاز بحجم الكفّ يتنقل مع الإنسان أينما حلّ وارتحل ومن خلاله يستطيع الاطلاع على ما يجرى فى العالم بأسره، ويمكن له أنْ يصوّر ما يراه وهو فى زاوية قصية لينقله إلى العلن فى كل زوايا الكون ليطلع عليه الناس فى كل مكان. وبذا لا يمكن إخفاء الظلم والاضطهاد والقتل وما يجرى فى مكان ما من الأرض عن عيون الناس حتى لو مُنعت وسائل الإعلام عن متابعتها ونقلها، لأنّ كاميرات المحمول (الموبايل) تستطيع تصوير كل شىء وبثه ونقله مباشرة لينكشف ما يجرى عارياً أمام الناس فى بقاعهم المختلفة وأينما كانوا. وعليه فلن يكون الطغاة والديكتاتوريون والأنظمة القمعية بعيدين عن انكشاف ما يقومون به من قمع لشعوبهم، وليعوا جيداً أنهم عرضة للمحاسبة والمطاردة مهما طال الزمن .
فى ذات اللحظة التى أشعل فيها الشهيد محمد البوعزيزى النار فى جسده، كانت المنطقة العربية تتشكل من جديد معلنة بداية عهد طال انتظارنا له .. انتشر الخبر سريعا بين مستخدمى الإنترنت فى تونس. عن طريق مواقع التواصل الاجتماعى وكان له وقع الصدمة على جيل الشباب، ثم تحولت الصدمة إلى غضب عارم ودعوة للاحتجاج فى الشارع، ولم تمض سوى ساعات قليلة حتى غصت الشوارع بعشرات الألوف من المحتجين الذين انضمت إليهم جموع غفيرة من التوانسة من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية. وفى مصر أيضاً كان لمواقع التواصل الاجتماعى (فيسبوك وتويتر ويوتيوب) دور بالغ الأهمية فى ثورة 25 يناير ضد النظام البوليسى. ولم تدرك السلطات المصرية لمدة طويلة أبعاد هذا الدور الجديد العظيم لتكنولوجيا المعلومات حتى إن جمال مبارك سخر من أحد الشبان المصريين فى اجتماع عام، عندما سأله عن رأيه فى موقع الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعى الأخرى، ولم يكلف جمال نفسه عناء الرد، بل غرق قى ضحكة طويلة، لها دلالتها، ثم طلب من أحد أتباعه الرد على السؤال (!!). ولم يكتشف نظام مبارك أهمية الإنترنت عموما ومواقع التواصل الاجتماعى خصوصا فى تبادل وتوحيد الآراء وحشد الجماهير للتصدى لنظامه البوليسى الفاسد إلا بعد فوات الأوان، حيث وصلت الأمور إلى ذروتها باندلاع ثورة 25 يناير التى اجتاحت مصر من أقصاها إلى أقصاها، فقطع خدمة الإنترنت لعدة أيام ولكنه اضطر إلى إعادتها تحت الضغط الأمريكى، حيث نددت هيلارى كلينتون بقطع خدمة الإنترنت وطالبت بإعادتها على الفور. ثمة من يطلق على الثورات الشعبية العارمة فى البلدان العربية الآن اسم (ثورة الفيسبوك) .. إلى الدرجة التى ينادى فيها البعض بمنح هذا الموقع جائزة نوبل للسلام.