حياتنا التافهة وإلهنا العظيم
بقلم د. أيمن الجندى ١٦/ ٥/ ٢٠١١
أيامنا.. ماذا نصنع بها؟! أعمارنا.. كيف ننفقها فى سفه وكأنها لن تنتهى؟! نفوسنا.. المليئة بالحقد والحسد والاهتمامات الصغيرة! تتشابه أيامنا وكأنها يوم طويل متكرر. نستيقظ دون إدراك حقيقى لنعمة الحياة! نأكل فى شراهة، نلبس فى سأم! نذهب إلى أعمالنا فنشاهد الوجوه نفسها نستعجل الكوكب الأرضى كى يدور حول الشمس وينقضى اليوم وتنتهى الأيام. حياة تافهة نمارسها جميعا، دون أن ندرى أى روعة نهدرها حين نستخدم هذا الجسد العبقرى فى ممارسة مثل هذه الحياة!
■ ■ ■
نتنفس كل لحظة ولا نلاحظ أننا نتنفس. تتم العملية بسلاسة تجعلنا لا نشعر بها. نتصور أن التنفس شىء عادى لا يستحق الاهتمام. لا ندرى حجم المعجزة! لا نعرف أى سيمفونية ربانية قوامها عشرات العازفين تشترك كلها فى صناعة هذا اللحن العبقرى المتجانس الذى تعزفه أجسادنا بلا انقطاع! أى قوانين كيميائية وفيزيائية وحيوية مرهفة تتضافر معا لتجعل عملية التنفس ممكنة الحدوث! لن أغرقك بالتفاصيل الدقيقة وإنما سأكتب الخطوط العريضة التى أبدعها خالق عظيم.
قانون كيميائى يطيعه المخ حين تنخفض نسبة أكسجين الدم، فيعرف أنه قد حان الوقت لبدء عملية الشهيق. يرسل إشارات عصبية لتنبيه الحجاب الحاجز كى ينقبض. يستجيب الحجاب الحاجز للأمر الإلهى. يهبط، ويشد معه الغشاء البللورى الملاصق للرئة فينخفض الضغط داخل الرئة، فيعمل قانون فيزيائى مُحْكم ويندفع الهواء إلى داخل الرئة، محملاً بالأكسجين النقى. يسرى الهواء عبر الشعب الهوائية التى تتوغل فى أعماق الرئة، حيث تمتد الحويصلات الهوائية، مثل غابة مساحتها سبعون متراً موجودة كلها فى صدرك الصغير!.
جدار الحويصلات الهوائية مبطن بأغشية رقيقةٍ جداً، تحوطها الشعيرات الدموية، فيتم تبادل الغازات. يتخلص الدم من ثانى أكسيد الكربون الذى يحمله، ويحصل على الأكسجين اللازم لإنتاج الطاقة واستمرار الحياة. هنا ترتفع نسبة الأكسجين فى الدم، فيعرف المخ أنه قد حان الوقت لبدأ عملية الزفير. فيكف عن إرسال الإشارات المنبهة للتخلص من الهواء المشبع بثانى أكسيد الكربون. فى هذه الأثناء يتم استخدام الأكسجين فى خلايا الجسم، فينخفض فى الدم، فيشعر المخ بنقصه، فيعود لإرسال إشاراته المنبهة، لتبدأ عملية الشهيق. وهكذا تتكرر المعجزة ما دامت الحياة.
■ ■ ■
إله عظيم هو، سيفمونية ربانية مبهرة تحدث فى كل لحظة تفوق قدرتنا على التخيل وقدرتنا على التعبير. كل ثانية فى حياتنا معجزة. لكن ما الذى نصنعه بتلك المعجزة؟ حياة تافهة مهمومة بالغرائز الدنيا، تخلو من إبداع العقل وتوهج الروح.
ننفق أعمارنا فى النميمة ومشاهدة التليفزيون. نستخدم هذا الجسد العبقرى أسوأ استخدام. وكأنك تستعمل أعظم جهاز كمبيوتر فى العالم كأتارى!. أو تجبر شكسبير على أن يُعلّم أطفال الروضة حروف الهجاء! أو يعمل أينشتين كبقال! أو يعزف بيتهوفن فى الأفراح!.
■ ■ ■
لو أنصفنا لخرجنا من أرحام أمهاتنا ساجدين لا نرفع رؤوسنا حتى تنتهى أعمارنا فى سلام، أو نكف عن الكلام تماما، لأن أى كلام فى حضرة المعجزة الربانية خدش للمقام.
[b]