هل عرف قدماء المصريين أن رمال البرلس السوداء بمثابة كنز ثمين لا يقدر بثمن؟..وهل استخدموها في التحنيط أو في تغطية أراضي مقابرهم لإصابة من يفتحها بأمراض والتي شاع أن من يفتح مقابرهم تصيبه لعنة الفراعنة؟..
وسؤال للحكومة إذا كانت هذه المنطقة صنفتها الحكومة علي أنها محمية طبيعية فكيف تسمح بنقل رمالها السوداء لمصانع الطوب؟ ..وهل هذا الطوب صالح المستخدم في صناعته رمال البرلس السوداء للاستخدام الآدمي أم أنه مضر بالصحة؟
ما هي حكاية الرمال السوداء في مصر؟..ومن الذي يسرقها؟..
اللافت للانتباه أن الفترة الماضية شهدت تزايد ظاهرة سرقة الرمال السوداء في منطقة البرلس حيث يتم تعبئة تلك الرمال في سيارات في الليل وبعيدا عن أعين الرقابة وبيعها بأبخس الأثمان إلي أصحاب مصانع الطوب ومقاولي البناء ويبيعون المتر منها بـ 8 جنيهات.. ليستخدموه في البناء وصناعة الطوب وتصل حمولة السيارة الي نحو 100متر..مما يمثل إهدارا لثروة قومية لا تقدر بثمن..علي الرغم من وجود القانون رقم 213 لسنة 2005 م الذي يعاقب كل من تسول له نفسه نقل الرمال..
في وزارة الدولة لشئون البيئة أكدوا أن بعض أصحاب النفوذ كوّنوا مافيا لسرقة هذه الرمال وبيعها لأصحاب ورش صناعة الطوب علي الرغم من أن منطقة البرلس تعتبر محمية طبيعية وتخضع لقوانين جهاز شئون البيئة وهيئة حماية الشواطئ.. حيث إن منطقة بلطيم من المناطق الصناعية الغنية بالكثبان الرملية علي ساحل البحر المتوسط وتستمد الرمال السوداء من البحر بواسطة الأمواج.. لكن الذي حدث هو أن تم تجريف بعض الأراضي وبيع الرمال بأرخص الأسعار.. وهو ما أدي إلي بيع 80٪ من هذه الرمال علي مساحة 30 كيلو متراً من الساحل الشمالي.
وقد يستغرب الكثيرون لماذا هذا الاهتمام بهذه الرمال ولما نطلق كل صيحات التحذير هذه لحمايتها..ولكل هؤلاء نحيلهم إلي الدراسات العلمية التي أعدتها هيئة المواد النووية والتي أثبتت من خلالها أن الرمال السوداء بمنطقة "البرلس" الساحلية بمحافظة كفر الشيخ تضم 387 مليون طن من خامات الزيكرون والمونازيت والروتيل واليورانيوم وأملاح الذهب والثيريوم والبوتاسيوم والألمينيت وتصل نسبة تركيز المواد المشعة بها 4.5٪ وهي نسبة عالية وفقًا للمعايير العالمية وتدخل هذه الخامات في صناعة الصواريخ الباليستية والمفاعلات النووية والبويات والسيراميك..
إن الشواطئ المصرية تحتوي وعلي امتداد مساحات شاسعة كنزاً اسمه الرمال السوداء، حيث تعتبر المصدر الأساسي لكثير من هذه المعادن ذات الأهمية الاقتصادية التي يمكن أن تعود علي مصر بملايين الدولارات سنوياً.. ووفق آخر مسح جوي قامت به الهيئة فإن مصر تمتلك ما يقرب من 11 موقعاً علي السواحل الشمالية تنتشر بها الرمال السوداء بتركيزات مرتفعة..
كما كشفت آخر دراسة جدوي قامت بها مؤسسة "روش" الاسترالية وكلفت الحكومة وقتها كما علمت نحو5.2 مليون جنيه - عن أن العائد الاقتصادي من موقع واحد فقط من الـ11 موقعاً ستعود علي "مصر بأكثر من 255 مليون جنيه سنوياً أي ما يعادل أكثر من 45 مليون دولار..واستغلالها يوفر علي مصر ملايين الدولارات التي تنفقها في استيراد واحد فقط من تلك المعادن كالزيركون الذي يعتبر أحد العناصر الأساسية في صناعة السيراميك.. بالإضافة إلي معادن أخري أهمها الحديد والغرانيت والمونازيت ومعدن التيتانيوم الذي يستخدم في صناعة أجساد الطائرات والغواصات وقضبان السكك الحديدية.
هنا نستمع الي رأي "الدكتور جودة علي دبور..الأستاذ متفرغ بهيئة الطاقة الذرية" والذي يقول موضحا: أن رواسب الرمال السوداء المصرية تمثل أكبر احتياطي من هذه الرواسب في العالم.. لكن لم يكن يتم استغلالها الاستغلال الأمثل.
وتنتشر التركيزات العالية من المعادن ذات الأهمية الاقتصادية في الرمال الشاطئية في أربع مناطق علي ساحل البحر الأبيض المتوسط حول مصبات فرعي نهر النيل رشيد ودمياط الحاليين أو الفروع السبعة القديمة المطمورة وهي السهل الساحلي علي جانبي مصبي فرعي رشيد ودمياط.. كما تحتوي التلال الرملية الشاطئية التي تقع شرق بوغاز بحيرة البرلس علي كميات هائلة من تلك المعادن..وكذلك السهل الساحلي الممتد من شرق بحيرة البردويل حتي مدينة العريش شمال سيناء يمثل رابع هذه المناطق.
إن الاحتياطي الجيولوجي لرواسب الرمال السوداء المصرية يقدر بنحو مليار ومئة مليون متر مكعب من الرمال الجافة تكفي لتشغيل مصنع لاستخراج المعادن الاقتصادية لمدة مئة وخمسين عاماً.. وهذا الاحتياطي موزع علي الأربع مناطق علي النحو التالي: ٠٠٥ مليون متر مكعب في منطقة رشيد ـ ٠٠٣ مليون متر مكعب في منطقة دمياط ـ ٠٠٢ مليون متر مكعب في منطقة بلطيم - 100 مليون متر مكعب في منطقة شمال سيناء ويمكن ترتيب هذه المواقع حسب الإمكانات والمميزات التصنيعية علي النحو التالي. منطقة بلطيم تليها منطقة رشيد ثم منطقة دمياط ثم منطقة شمال سيناء.. هذه الكميات جعلت مصر تملك أكبر احتياطي من الرمال السوداء في العالم إلا أنها فشلت في استغلالها بشكل اقتصادي سليم.
أمام كل ما سبق من أخطاء وكوارث ترتكب في حق هذه الثروات النادرة قرر مجلس الوزراء برئاسة "الدكتور عصام شرف" إعادة طرح مشروع استغلال واستخلاص المعادن من الرمال السوداء بكثبان البرلس بمحافظة كفر الشيخ مرة أخري لإعطاء الفرصة لأكبر عدد من الشركات العالمية المتخصصة للتقدم للمشروع وذلك للحصول علي أفضل عائد من المشروع للبلاد بدلا من السماح لشركة واحدة فقط بالتقدم للمشروع.
وذلك بناء علي المذكرة التفصيلية التي قامت بإعدادها "وزارة الصناعة والتجارة الخارجية" والتي أكدت أن جميع الدراسات التي أجريت علي المشروع من خلال اللجان المختصة أوصت بإعادة طرح المشروع مرة أخري حتي يمكن الاستفادة منه إلي أقصي درجة ممكنة.. وذلك لما يمثله المشروع من أهمية للبلاد حيث سيتم تسليم العناصر المشعة المتواجدة بهذه الرمال إلي الجانب المصري كما إنه يأتي في إطار جهود الوزارة لجذب الاستثمارات العربية والأجنبية وإتاحة فرص عمل جديدة حيث من المقرر أن تصل إجمالي الاستثمارات التي سيتم جذبها والتي ستقوم الشركة الفائزة بضخها في المشروع إلي أكثر من 120 مليون دولار وإتاحة حوالي 1000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.
إن عدم استغلال هذه الرمال سوف يؤدي إلي تآكلها بفعل نحر البحر مع صعوبة استغلال هذه المنطقة في مشروعات تنموية أخري بسبب الإشعاع الموجود بهذه الرمال.. مما يجعل طرحها في الوقت الحالي أمرا ضروريا ومجديا اقتصاديا ويحقق نفعا لمصر والتأخر في استغلاله يقلل من العائد الاقتصادي منه.
وإنا لمنتظرون من يستغل كنوز مصر من الرمال السوداء!.[b]