فى الوقت الذى غيبت فيه الجلسة الأولى من محاكمة الرئيس السابق جدلا كان قد اشتعل قبل انعقادها، حول احتمالات حضور مبارك المحاكمة بنفسه، من عدمه، وهو ما انتهى بمثوله بالفعل فى قفص الاتهام، على سرير طبى، فقد صعدت جلسات المحاكمة فى أولى مرات انعقادها جدلا من نوع آخر، وصل إلى حد السجال بين القانونيين ، فى محاولة للإمساك بخيوط التنبؤ بالسيناريوهات المتوقعة خلال الجلسات الباقية.
المفاجأة، كانت فى إنذار أحد المحامين، النائب العام على يد محضر، طالبا وقف محاكمة الرئيس السابق لحين الفصل فى دعوى منظورة أمام مجلس الدولة، للطعن على قرار مبارك بالتنحى، وهى الدعوى التى أضافت المزيد إلى الجدل لسيناريو الإجراءات المتوقعة فى جلسات محاكمة المصريين لحاكمهم.. للمرة الأولى.
مبارك
رغم تضارب الآراء، ومع أن لكل منها وجاهتها، إلا أنه لم يدخل فى حكم المؤكد، حتى كتابة هذه السطور، ما إذا كان رئيس محكمة الرئيس السابق، المستشار أحمد رفعت، قد قبل طعن فريد الديب، محامى الرئيس السابق، ببطلان ضم قضية وزير الداخلية حبيب العادلى، و6 من كبار مساعديه، فى الاتهامات الموجهة إليهم فى إطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين، خلال الفترة من 25 يناير، وحتى يوم 11 فبراير الماضى، إلى القضية التى يحاكم فيها مبارك، بموجب الاتهامات نفسها، من عدمه.
وربما تأجيل القضيتين، كل منهما بميعاد مختلف، كان السبب فى تصاعد وتيرة التكهنات، بعد الجلسة الأولى، ففى الوقت الذى مالت فيه وجهات نظر فقهاء القانون، إلى أن مجرد موافقة هيئة المحكمة على استمرار نظر قضية العادلى، المحالة من دائرة أخرى، برئاسة المستشار عادل عبد السلام جمعة، يعنى رفض المستشار أحمد رفعت «ضمنيا» الطلب الذى تقدم به فريد الديب، محامى الرئيس مبارك بعدم جواز ضم القضيتين إلى بعضهما البعض، باعتبارهما قضية واحدة.
بينما فى المقابل، اعتبرت وجهات نظر أخرى، لها أسانيدها القانونية، أن تأجيل قضية العادلى، مع استمرار نظرها، جنبا إلى جنب، مع قضية مبارك، ومن نفس هيئة المحكمة، لا يعنى بالضرورة، حتى الآن، رفض المستشار أحمد رفعت طلب فريد الديب، محامى الرئيس السابق، بالطعن على «قرار الضم».
المستشار أحمد رفعت
قرار «الضم» المعلق
حسب الشواهد، وكثير من التفاصيل، فأغلب الظن، أن جلسة محاكمة الرئيس السابق المقبلة، سوف تكون إجرائية ايضا، أو على الأقل، سوف تستغرق الإجراءات الشكلية، الجزء الأكبر من وقتها، قبل بدء دخول المحكمة للنظر فى «موضوع القضية»، تمهيدا لإصدار الحكم.
أغلب الظن أيضا، أن معركة فريد الديب، دفاع الرئيس السابق، الأولى سوف تكون فى قدرته، ودفوعه، للتمسك، بطلبه فصل محاكمة مبارك، عن محاكمة العادلى ومساعديه.
فوفق قانون الإجراءات، من المؤكد أن فريد الديب، خلال جلسة المحاكمة الأسبوع المقبل، سوف يتمسك أيضا، بحقه فى معرفة قرار المحكمة، سواء بقبول طلبه، برفض الضم، من عدمه. وهو القرار الذى سوف يمكن الديب، حال صدوره بالرفض، من التعامل مع هذا الرفض بأكثر من طريقة، أمام محكمة النقض، بعد صدور الحكم فى القضية.
وحسب ما توقعت صباح الخير، فإن طلب فريد الديب الأساسى، والأول والأخير فى الجلسة الأولى، كان دفعه برفض الربط فى المحاكمة بين مبارك ونجليه، وبين محاكمة العادلى ومساعديه. خصوصا أن فصل نظر قضية الرئيس السابق، يعنى من وجه نظر دفاعه، السير فى اتجاه مسؤليته المخففة عن الاتهامات الموجهة إليه بإصدار الأوامر بقتل المتظاهرين، وربما قطع نصف الطريق فى الاتجاه لنفى مسؤليته عن تلك التهمة.
فريد الديب
إذا إنه وبالرغم من كون حبيب العادلى، كان أحد مرءوسين مبارك، بصفته وزيرا فى الحكومة، فإنه يجوز، وفق ما يقتضيه المنطق، ووفق الظروف، أن يقدم أحد المرءوسين على سلوك منفرد، بحكم ما كان مخولا له من سلطات. والأكيد أن دفاع الرئيس السابق، سوف يدفع، على الأقل، بأنه ليس هناك ما يمنع من أن يقوم أحد المرءوسين بسلوك منفرد فى ظروف ما، وهى المرحلة التى إن تخطاها دفاع مبارك، فسوف تكون خطواته ممهدة لسماع شهود النفى والإثبات، فى الطريق للتشكيك فى أقوالهم، أو محاولة الأخذ منها بما ينفع المتهم الأول (الرئيس السابق) خلال سير الدعوى.
طلب الديب إذا ليس شكليا، بقدر اتصاله بموضوع القضية من جهته. فى الوقت الذى كان الرأى فيه على الجهة الأخرى، من جهة المدعين بالحق المدنى، ومن قبل النيابة العامة، متوافقا مع رأى المستشار عادل عبد السلام جمعة، رئيس الدائرة التى كانت تحاكم العادلى، ومساعديه فى الاتهامات بقتل المتظاهرين، والذى رأى فى القضيتين «وحدة موضوع».
القضيتان، لدى النيابة، ولدى المستشار جمعة، جاز ضمهما، لأسباب رئيسية، منها أن العادلى ومساعديه يحاكمون على نفس التهمة التى أحيل بها مبارك إلى المحاكمة، ما يعنى وحدة الاتهامات الموجهة لمبارك، وللعادلى، وما يعنى فى الوقت نفسه، ارتباطا وثيقا فى العلاقات بين أشخاص المتهمين، وصفاتهم، خصوصا، وأن القتلى، تم إطلاق الرصاص عليهم من قبل أجهزة النظام الذى كان يترأسه مبارك، وينفذ العادلى تعليماته، بوصف وزيرا للداخلية آنذاك.
مرة أخرى، من وجهة نظر قانونية، فإنه يجوز الأخذ بالرأى السالف، فى حالة ما إذا كانت محاكمة العادلى ومساعديه قائمة أمام دائرة، ذات صلاحيات مستمرة، بينما كانت محاكمة مبارك قائمة فى الوقت نفسه، أمام دائرة أخرى ذات صلاحيات مستمرة أيضا، وهو خلاف ما كانت عليه ظروف المحاكمتين خلال إجراءات نظرهما.
ففى القضية الأولى (قضية العادلى ومساعديه)، كان المتهمون قد تقدموا بطلب برد رئيس هيئة المحكمة المستشار عادل عبد السلام جمعة.
وحسبما يقضى قانون المرافعات، فإن مجرد طلب أحد المتهمين، رد هيئة المحكمة، يعنى غل يد رئيس المحكمة تماما عن مباشرة التحقيق أو إصدار الأحكام أو إصدار أية قرارات يمكن على أثر صدورها تغيير فى سير القضية، أو صورة المحاكمة فيها.
لذلك، فإن صدور قرار المستشار جمعة، بضم القضيتين إلى بعضهما، قبل البت فى قرار رده، كان هو ما اعتبره دفاع مبارك «خلل إجرائى».
محاولات تغيير سير المحاكمة
من جانب آخر، أضافت الدعوى القضائية المرفوعة، ببطلان قرار تنحى مبارك، مزيدا من اللغط الفترة الأخيرة.
فمع أن الدعوى المرفوعة، ما زالت منظورة أمام المحكمة، كان الجديد فيها إنذار رافع الدعوى للمستشار النائب العام الدكتور عبد المجيد محمود، على يد محضر، لمطالبته بوقف إجراءات محاكمة الرئيس السابق، استنادا إلى بطلان قرار التنحى، أو لحين الفصل فى الدعوى المرفوعة أمام مجلس الدولة، لمخالفة قرار التنحى للقانون.
وقال الإنذار الذى حمل رقم 6695 / 2011 محضرين الأزبكية، إن كل ما اتخذ من إجراءات وقوانين ولوائح، منذ تنحى الرئيس السابق فى 11 فبراير الماضى تعتبر باطلة، لترتبها على قرار الرئيس السابق الباطل بالتنحى عن منصبه.
من جانبه، قلل المستشار الدكتور عماد النجار، مساعد وزير العدل السابق من قيمة الإنذار للمستشار النائب العام، مقللا أيضا من قيمة الدعوى القضائية المرفوعة أمام القضاء، وتأثيرها على محاكمة الرئيس السابق، بالوقف أو الإرجاء.
وقال الدكتور عماد النجار، إن قرارات رئيس الجمهورية لاتخضع كلها قانونا لأحكام القضاء، مشيرا إلى أن قرار الرئيس بالتنحى، تدخل ضمن ما يسمى بقرارات السيادة، التى استقر الفقه القانونى على عدم جواز التدخل فيها من قبل المحاكم المختصة، وأشار الدكتور النجار إلى أنه وفق هذا التعريف، فإن قرار مبارك بالتخلى عن منصبه، كان قرارا سياديا، لا يدخل ضمن الأعمال أو القوانين الإدارية، التى يجوز الطعن عليها أمام المحاكم.