رغم قرار المستشار أحمد رفعت رئيس هيئة محاكمة الرئيس السابق، بضم قضيتى حبيب العادلى، ومساعديه، إلى قضية محاكمة مبارك فى الاتهامات المنسوبة إليهم بقتل والتحريض على قتل المتظاهرين، فإنه لا يمكن الاعتبار حتى الآن، بأن انتهاء الجلسة الثانية من محاكمة الرئيس السابق، قد دخل بالقضية إلى مرحلة (النقاط الحاسمة).
فقرارات المستشار رفعت، مررت الجلسة الثانية من محاكمة الرئيس السابق، بمزيد من المشاعر المتباينة على الجانبين، المشاعر التى تراوحت بين الترقب فى صفوف المدعين بالحق المدنى، وبين الحذر فى صفوف جبهة دفاع مبارك.
فغير قرار المحكمة بالضم، الذى وضع فى حد ذاته، أول أسانيد، دفاع الرئيس فى اللجوء لنقض الحكم، وأول أساس إجرائى شكلى، من وجهة نظر دفاع مبارك أيضا، لقبول الطعن على الحكم أمام محكمة النقض، بعد صدور الحكم من دائرة المستشار رفعت، لأسباب يمكن تفصيلها، فإن الجلسة الثانية، لمحاكمة الرئيس السابق ، قد نقلت القضية، إلى مشارف الجلسة الثالثة، دون حسم أكثر من طلب جوهرى، سواء بالنسبة للمدعين بالحق المدنى، أو بالنسبة لدفاع الرئيس السابق.
مبارك فى قفص الاتهام فى الجلسة الثانية
لم تحسم المحكمة فى الجلسة الثانية، طلب شهادة سماع شهادة المشير حسين طنطاوى، وزير الدفاع والإنتاج الحربى، والفريق سامى عنان ، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، والذى توافقت عليه رغبة الدفاع عن المتهمين، ومحامو أسر الشهداء، والمدعون بالحق المدنى، فى نفس الوقت. من وجهة نظر الدفاع، كانت شهادة المشير ضرورية، أو جوهرية، قبل البدء فى سماع شهود الإثبات والنفى. فى الوقت الذى رأى فيه محامو الادعاء بالحق المدنى (محامو الشهداء) أن الخطوة نفسها تعتبر مفصلية، لأنها من وجهة نظرهم هى المفتاح أو الأساس فى الطريق الأول لإثبات التهم على المتهمين، وهو ما يؤدى بالضرورة إلى ترتيب الأسباب والظروف لإثبات عقد نظام مبارك النية قبل 25 يناير، على استخدام العنف ضد المتظاهرين، الأمر الذى تصاعد بعد يوم 25 يناير، وأدى لصدور الأوامر بإطلاق الرصاص عليهم بغرض قتل بعضهم، لإرهاب الآخرين.
واكتسبت شهادة قادة الجيش أهميتها، حسب ما يبدو من طلب دفاع مبارك، من إنها الوحيدة التى قد تفصح عن تفاصيل اجتماع، كان قد عقده الرئيس السابق، وحضره حبيب العادلى، والمشير طنطاوى، قال الدفاع إن مبارك أعطى وقتها الأوامر للعادلى بضبط النفس فى التعامل مع المتظاهرين وهو الاجتماع الذى تم يوم 22 يناير، حسب فريد الديب.
فى المقابل فإن شهادة المشير من وجهة نظر المدعين بالحق المدنى ممكن أن تفصح بالضرورة عما حدث بعد يوم 22يناير من تطورات خصوصا أن الاتهامات الموجهة لمبارك ووزير الداخلية الأسبق قد وقعت فى الفترة الزمنية التى تلت يوم 25، وحتى 11 فبراير.
من طلبه شهادة المشير، بدى أن الديب يحاول إثبات أو التأكيد على أن قرار إطلاق النار على المتظاهرين ربما جاء من وزير الداخلية منفردا، إذا كان هو المسئول عن إطلاق الرصاص أو أن القرار خرج من أفراد تابعين لجهاز الشرطة إذا نجح دفاع العادلى فى التاكيد للمحكمة على أن العادلى لم يصدر الأوامر بقتل المتظاهرين وهى الحلقة التى ستظل تدور فى حلقة مفرغة، إلى أن تبت المحكمة فى طلب الديب بالاطلاع على محاضر اجتماعات رئاسة الجمهورية، التى رأسها مبارك، فى الفترة ما بين 22 وحتى تنحيه فى 11 فبراير، إضافة إلى طلبه الاطلاع على محاضر ودفاتر أحوال قوات الأمن المركزى، وقوات الأمن العام، ودفاتر خروج ضباط الشرطة، وشكل تسليحهم ذلك اليوم، وهو ما لم تحسمه المحكمة فى جلسة محاكمة الرئيس السابق الثانية أيضا.
رغم هدوئها فإن نتائج الجلسة الثانية لم تخل من السخونة، فبعد انتهائها، بدى أن طلب فصل قضية «تصدير الغاز» إلى إسرائيل، الذى تقدم به سامح عاشور المحامى، فى بدايتها ظل معلقا هو الآخر.
وطلب عاشور كان وجيها، من وجهة نظر الكثيرين، على أساس أن فصل نظر قضية الغاز، من حيث التكييف القانونى لتعارض التهم بين محاكمة مبارك والعادلى على قتل الثوار مخالف فى الشكل والمضمون عن التكييف القانونى لمحاكمة مبارك فى قضايا الفساد.
المستشار احمد رفعت
القضيتان كانتا مختلفتين وهو الأمر الذى علقه محامو الشهداء على قصور فى أمر الإحالة المقدم من النيابة العامة وهو ما يمكن أن يترتب عليه من جانب آخر اضطرابا سواء بالنسبة لما يتعلق بالإجراءات فى فحص الأحراز أو التنوع والتعدد فى الجهات المطلوبة للشهادة وكلها أمور لن تؤدى فقط إلى التطويل فى إجراءات المحاكمة من وجهة نظر المدعين بالحق المدنى ومحامى الشهداء إنما سوف تضيف بالضرورة مزيدا من التعقيدات على تفاصيل قضية قتل المتظاهرين المتهم فيها مبارك والعادلى بينما الاتهامات فى قضية تصدير الغاز إلى إسرائيل بأقل من السعر الدولى مع التربح، والإضرار بالمال العام واستغلال النفوذ خاصة بمبارك وأولاده بعيدا عن العادلى والمساعدين الستة.
مناورات المستشار رفعت
وحسبما توقعت صباح الخير، استغرقت الإجراءت الشكلية الجزء الأكبر من جلسة محاكمة الرئيس السابق الثانية، بينما استمرت «المساجلات» التى وصلت إلى حد «الخناقات» فى صفوف المدعين بالحق المدنى، ومحامو الشهداء، وربما كان ظهور سامح عاشور، نقيب المحامين الأسبق، بدى وكأنه سفينة إنقاذ، أدت إلى شىء من التنظيم، قبل الدخول فى مساجلات، من نوع آخر، خلال نظر الجلسة.
ظهور عاشور، يبدو أنه رفع ما استشعرته المحكمة من عدم قدرتها على ممارسة عملها فى نظر القضية، مع استمرار الكثير من اللغط، والكثير من التسابق فى صفوف المدعين بالحق المدنى، سواء لتقديم الطلبات، أو طلب الإذن بالترافع الشفهى، مع ما شهدته الجلسة الثانية، من تزايد ملحوظ فى أعداد المحامين الحاضرين عن الشهداء، والمدعين بالحقوق المدنية، بعد سماح، المستشار رفعت، رئيس المحكمة، للراغبين فى دخول القاعة بمجرد إثبات الصفة.
وفى الوقت الذى لم تخل فيه الجلسة من مناورات قانونية لفريد الديب، فإن طلباته الجديدة، أظهرت شيئا من رؤيته القانونية، لشكل وأحداث الجلسات المقبلة، وبدت مع تلك الطلبات خطة واضحة، لما يترتب على نتائج استجابة المحكمة بالموافقة بالتصريح له بها، فإن جلسة المحاكمة الثانية، اشتملت أيضا على مناورة لا تخلو من الحنكة، ظهرت من قرار المستشار رفعت، بمنع بث وإذاعة، جلسات المحاكمة على الهواء، الأمر الذى كان حلا شديد الذكاء، ربما ينعكس على سلوك وأعداد المحامين الحاضرين عن الشهداء، أو المدعين بالحق المدنى.
فالذى ظهر، هو فطنة المستشار رفعت، إلى أن كثيرا من المحامين، قد حضروا عن أنفسهم، ومدعون بالحق المدنى، عن أنفسهم أيضا، ما يلقى بشبهة «حب الظهور»، أو مجرد الرغبة فى الوقوف أمام كاميرات التليفزيون، فى محاكمة منقولة على الهواء.
فريد الديب
ربما السبب نفسه، هو الذى كان قد أدى بالمستشار رفعت إلى رفع جلسة محاكمة العادلى فى اليوم السابق على الجلسة الثانية لمحاكمة مبارك أربع مرات، وبعد جدال وصل إلى حد الاشتباك، بين المحكمة وبعض المدعين بالحق المدنى، قبل إصدار المستشار رفعت قراره النهائى بتأجيلها، لاستمرار الوضع على ما هو عليه، مما أثار الفوضى فى قاعة المحاكمة.
وبدأ المستشار رفعت، جلسة مبارك الثانية، بنبرة، بدت متأثرة بوقائع جلسة العادلى، وهى النبرة التى لم تخل من صرامة، فى تغير واضح، عما ظهر عليه المستشار خلال الجلسة الأولى لمحاكمة الرئيس السابق، نبرة المستشار رفعت، كما بدى أيضا، دلت على شكل، وطريقة إدارته للجلسات المقبلة، من محاكمة الرئيس السابق، بعد ضم محاكمة حبيب العادلى، وزير الداخلية الأسبق إليها.
ففى جلسة محاكمة مبارك الثانية، ظهرت نبرة «رفعت» المتغيرة، مع ما بدى معها من التحول من سعة الصدر إلى إصدار الأوامر، بإعلانه عدم القدرة على سماع المرافعة الشفهية لأكثر من 100 مدعى بالحق المدنى، ومعلنا، للمرة الأخيرة، أن على كل المدعين المدنيين، كتابة طلباتهم، مع ضمها لمحاضر الجلسات، باعتبارها من أصول هذه المحاضر.
إصرار رفعت، على أن تتضمن محاضر الجلسة، طلباتهم مكتوبة، كان السبب فى تسرب التصور القانونى الأول، من وجهة نظر المدعين بالحق المدنى، ومحامى الشهداء، بأن إصرار المستشار رفعت على عدم سماع مرافعتهم «الشفوية»، ربما يكون اللبنة الأولى للنقض، بعد إصدار المستشار رفعت أحكامه فى القضية، لتعمد المحكمة الإخلال بحقوق المحامين.
فحسب قانون المرافعات، فإن المرافعة الشفهية هى الأساس فى قضايا الجنايات وأمام القضاء الجنائى، على خلاف القضاء المدنى، الذى يعتد فيه بالمرافعات المكتوبة، والمقدمة للمحكمة بمذكرات. وهو ما ظهر فى كلام سامح عاشور، فى افتتاحه لطلبات هيئة الادعاء من المحامين فى بداية الجلسة.
المساجلات بين المدعين بالحق المدنى، وبين المحكمة، خلال نظر قضية العادلى، ثم مع بدء جلسة محاكمة مبارك الثانية ، كانت السبب فى تزايد تخوفات بعض القانونيين ، فى احتمال استخدام المحكمة، حقها فى تحويل كل دعوات المدعين بالحق المدنى إلى المحاكم المدنية المختصة، ما يعنى فصل قضاياهم المدنية ضد مبارك، عن القضية الجنائية التى ينظرها المستشار رفعت ضده أيضا.
والمعنى، أو النتيجة، هى انتقال المحامين بالحق المدنى، للترافع أمام محكمة أخرى، غير تلك التى يحاكم أمامها مبارك والعادلى.
فقانونا، يجوز لرئيس المحكمة الجنائية ، فصل الدعوى المدنية، عن الدعوى الجنائية، إذا ثبت تعطيل المدعين بالحق المدنى، لسير الجلسات الجنائية، وهو الأمر الذى إن كان قد حدث بقرار من المستشار رفعت، فإنه بالضرورة كان سيدخل كثيرا من اللغط على الرأى العام، وسط، دعوات من التهييج، والإثارة الإعلامية، وهو ما حدى بالمستشار رفعت الاستعاضة عن نقل الدعوى المدنية إلى المحاكم المختصة، بقرار منع البث التليفزيونى، وهو ما سينعكس بالضرورة على حجم وأعداد المحامين الحاضرين خلال الجلسات المقبلة.
علاء وجمال فى قفص الاتهام
على كل، فقد مرت جلسة مبارك الثانية، بمصير معلق لأكثر من نقطة، وربما بثغرات قانونية، سواء من وجهة نظر دفاع المتهمين، أو لدى المدعين بالحق المدنى، ومحامى الشهداء، بما يمكن البناء عليها، من الطرفين فى المستقبل، فى الطريق إلى نقض أحكام المستشار رفعت، فور صدورها.
فدفع فريد الديب مثلا، بعدم جواز ضم قضية مبارك، لقضية العادلى ومساعديه، من محكمة سبق ردها، والذى صدر قرار المستشار رفعت، غير ملتفت إليه، كان رغم قرار المحكمة بالضم، مشكلة معلقة.
فى المقابل، فإن تعليق المحكمة، البت فى طلبات محامين الادعاء، بفصل قضية الغاز، عن قضية قتل المتظاهرين، كان القرار الذى رأى البعض أنه يلقى مزيدا من الضبابية، وعدم وضوح فيما يتعلق بوقائع الجلسات المقبلة، وأحداثها المتوقعة.
إضافة إلى ما سبق، فإن المحكمة برئاسة المستشار احمد رفعت، لم تلتفت أيضا إلى حسم مصير أحد محامى المتهمين، بالانتقال لمعاينة مقر المتحف المصرى، وبعض أجزاء ميدان التحرير، إضافة إلى أسطح وزارة الداخلية، ومبنى سنترال باب اللوق، وفندق رمسيس هيلتون، لإثبات استحالة حدوث وقائع قتل المتظاهرين، حسب المبين فى قرار إالة المتهمين لمحكمة الجنايات، والصادر بعد تحقيقات النيابة العامة.
مفاجأة الأحراز
المثير للدهشة فى جلسة المحاكمة الثانية، كانت ضآلة «أحراز القضية»، مع تعدد التهم الموجهة للمتهمين وتشابكها.
فلم تخرج الأحراز، عن ثلاثة مظاريف، احتوى الأول منها، الذى فضته المحكمة خلال الجلسة، على «سى دى»، محرز من نيابة شبرا الخيمة، بينما احتوى الثانى على مظروف آخر، داخله علبة بلاستيك، داخلها أربع أسطوانات، احتوت اوراق القضية، بينما كان الحرز الثالث، عبارة عن «فلاش ميمورى»، فضت المحكمة حرزه، وأثبتت تطابقه مع أوصاف التحريز من نيابة قصر النيل.
أما ما لم يكن مفاجئا، فهو استجابة المحكمة، لطلبات محامى الرئيس السابق، وهى الطلبات التى سلطت فور إعلانها، نقاط الضوء، بما يمكن معه التنبوء بشكل خطة الديب التى سوف يبنى عليها دفاعه خلال الجلسات المقبلة من محاكمة مبارك.
طلبات الديب تفضح خطته باستمرار، وربما لهذا السبب، سار محامى الرئيس السابق على نهج «التروى» فى إعلان عن هذه الطلبات، مع نيته الواضحة على حبس معظمها، دون الإعلان، كل جلسة، سوى عما يلزم فقط، وكل فى حينه.
فقد طلب الديب تصريح المحكمة له بالحصول على تقارير الرقابة الإدارية، المتعلقة بتحقيقاتها فى قضية التربح، المتهم فيها موكله، والمعروفة بقضية «فيلات شرم الشيخ»، إضافة إلى طلبه التصريح له بالحصول على صور من عقود بيع وشراء، وتسجيل الفيلات الخمس، المثبوتين فى قرار إحالة النيابة، بوصفهم، ممنوحين من حسين سالم، إلى الرئيس السابق مقابل تسهيل صفقة حصول احدى شركات حسين سالم، على حق تصدير الغاز لإسرائيل، كما طلب صور من محاضرة معاينة خبير الرقابة الإدارية، الذى تولى فحص الفيلات الخمس.
فريد الديب، طلب أيضا التصريح له بالحصول على دفاتر أحوال الإسعاف، فيما يتعلق بأسماء وأماكن المصابين فى جميع محافظات الجمهورية.
طلبات الديب، تشير إلى أن دفاع الرئيس السابق، قد وضع نفسه على أول الطريق، لفحص عقود بيع وشراء الفيلات، فى محاولة لنفى العلاقة بين شراء أسرة الرئيس السابق لها، وبين حصول رجل الأعمال الهارب حسين سالم، على حقوق تصدير الغاز إلى إسرائيل.
أما ما يتعلق بأسماء ومناطق، وتقارير إسعاف المصابين، والشهداء، فيبدو منه، رغبة دفاع الرئيس بعد الحصول على تلك الوثائق الدخول إلى ميدان المعركة الأساسية، فى تهمة قتل المتظاهرين، ففى حكم المؤكد، أن خطوة فريد الديب الثانية، سوف تكون، بخلاف تفاصيل كثيرة، طلب استخراج صحيفة الحالة الجنائية، لمن تسمح له المحكمة به من الشهداء أو المصابين، وهو ما يعتقد الديب، مع أسرة الرئيس السابق أنه سوف يفجر أكثر من مفاجأة خلال مراحل
[b]