اكتب إليك هذه الرسالة التي أعيش أحداثها منذ إن وعيت علي الدنيا وقد حان الوقت المناسب لكي أبوح بها, راجيا ان نأخذ منها العبرة والعظة,
فأنا موظف اقترب من سن المعاش وقد نشأت في أسرة متوسطة يجمع بين أبنائها الحب والتفاهم, ولاحظت منذ طفولتي صورة معلقة علي حوائط بيتنا لسيدة شابة فائقة الجمال, وذات يوم ونحن في جلسة عائلية عقب تناولنا طعام العشاء, سألت والدي عمن تكون صاحبة الصورة, فقال لي انها عمته وانها كانت رائعة الجمال, وقد رحلت عن الحياة بعد زواجها بثلاث سنوات وهي في العشرينيات من عمرها, وتوقف في حديثه عند ذلك الحد.
ومرت الأيام ثم جاءنا رجل تبدو علي ملامح وجهه الجمال وسأل عن والدي وعماتي وجدتي وكان من الواضح انه يبحث عن شخص ما, فرحبت به وسألته: من تكون؟ وكانت المفاجأة انه ابن عمتي الراحلة, وانه يبحث عنا في كل مكان وتكشفت من حديثه الحقيقة التي كانت غائبة عنا, فعمتي رحمها الله تزوجت من رجل كان مسيحيا وقد اشهر إسلامه من اجل ان يتزوجها لأنه يحبها, ولايستطيع ان يستغني عنها ــ علي حد تعبيره ــ وإزاء موقفه هذا وافقت العائلة علي تزويجها له, وظلت حياتهما مستقرة ثلاث سنوات أنجبت خلالها طفلين ثم رحلت عن الحياة فجأة.
وهنا أخذ زوجها الطفلين واختفي تماما, وعندما بحثت اسرتنا عنهم للاطمئنان عليهم, علمت انه عاد إلي المسيحية وهاجر إلي الخارج ومعه ابناه, اللذان تلقيا تعليمهما بعيدا عن مصر واستقر أحدهما في استراليا بينما قرر الآخر العودة إلي بلده بعد غياب, ولم يكن يعلم عن أسرة والدته سوي معلومات بسيطة عن الحي وأسماء بعض أفراد العائلة ومعه صورتان لاثنين منها.
ولك ان تتصور يا سيدي هذه المفاجأة المدوية لنا فنحن الآن أمام أسرة مسلمة منها اثنان يعتنقان المسيحية وقد استغربنا جميعا هذا الوضع في البداية ثم سرعان ما تلاحمنا وكل منا علي دينه, وقد تزوج قريبنا المسيحي من فتاة مسيحية وأنجب ولدا..
هكذا شاءت إرادة الله بأن نكون عائلة مسلمة مسيحية.. حيث نتبادل الزيارات وتجمعنا اللقاءات الجميلة ونشعر بأننا بالفعل يد واحدة, ولم يخطر ببال أحدنا بعد يوم التعارف ان هذا مسلم وذاك مسيحي.
لقد دفعتني الأحداث الأخيرة إلي ان أقول إذا كنا علي مستوي الأسرة, لانشعر بالطائفية المزعومة فإن علاقات الجيران والزملاء في العمل بعيدة تماما عن أي احتقان, ولو اعتبر كل مسلم ان المسيحي ابن عمته أو اعتبر المسيحي ان المسلم واحد من اسرته فلن يقتله أو يؤذيه, ولن يحرق بيته وسيعيش الجميع في أمان وسلام.
* حكاية عمتك يا سيدي دليل قاطع علي اننا جميعا مصريون, نعيش معا في أمان وسلام وان اختلاف الأديان لايقف حائلا دون ان نرتبط في علاقات نتبادل فيها الزيارات ونعمل معا في حماية الوطن.
والحقيقة انني لا اتصور ما يحدث من حين لآخر من إثارة للقلاقل والفتن بدعاوي مغلوطة ومبالغ فيها, وكم قلنا ان الإسلام لن يخسر شيئا إذا اعتنق مسلم المسيحية, وان المسيحية لن تتأثر بإسلام مسيحي أو مسيحية.
حرية العقيدة أمر مكفول للجميع لكن يجب جميعا ان نعلم ان المصلحة العليا للوطن تعلو علي أي اعتبار آخر وأنه يجب ان نتنبه الي الفتن التي تحاك ضد الوطن, وليس سرا ما تردد في إسرائيل علي لسان مسئولين بها من انها ستحاول تأجيج الفتنة الطائفية في مصر لكي ينشغل بها المصريون فلا يلتفتون إلي بناء بلدهم بعد ثورة25 يناير التي تسببت في حالة الرعب التي تسود إسرائيل وغيرها من الدول الحليفة لها.
إن قصة عمتك يا سيدي عبرة وعظة لنا جميعا فحافظوا علي هذه العلاقة الجميلة التي أراها خير رد علي دعاة الفتنة الطائفية, وأرجو من المسيحيين المعتصمين امام مبني الإذاعة والتليفزيون ان يفضوا اعتصامهم ويكفيهم هذا التأييد الجارف من اخوانهم المسلمين الذين لايرضيهم أبدا هدم أي كنيسة تماما, مثلما يرفضون الاعتداء علي أي مسجد, ولابد ان تتكشف الحقائق وسينزل بالمجرمين القصاص العادل وسيبقي المسلمون والمسيحيون يدا واحدة إلي يوم القيامة بإذن الله.[b]