سيد عويس كان واحداً من أهم الباحثين في علم الاجتماع، كانت كتاباته وأبحاثه التشريح العلمي للمجتمع المصري في الستينات، واعتبره الكثيرون حين أصدر كتابه الشهير (هتاف الصامتين) رسول الفقراء والمهمشين في أوساط النخبة المصرية..
كان لكتابه «لا للعنف» الصادر منذ أربعة وعشرين عاماً فعل التنبؤ بما يجري في مصر الآن، إذ استطاع أن يضع يديه مبكراً على بذور واحدة من الظواهر التي اجتاحت المجتمع، وهي العنف الموجه وربما الممنهج على شتى الأصعدة ومختلف الوجوه، ولا ندري هل عادة أهل حارتنا النسيان كما كان يقول العم نجيب محفوظ، أم أنها تفعل كما يفعل العجائز حين لا يسمعون إلا وقتما يريدون.
ويبدو أن هذا المنطق هو الذي حكم الندوة التي تفتق عنها ذهن منظمو النشاط الصيفي في هيئة الكتاب، إذ تذكروا سيد عويس بعد رحيله بسنوات طويلة كي يشيروا الى عزمهم إصدار أعماله الكاملة، عبر ندوة أقاموها لمناقشة كتابه الذي يعد المرجع الأول الآن لدراسة العنف وأشكاله ومفرداته وأسبابه، تلك الندوة التي افتتحها أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة د. احمد زايد قائلاً ان أفكار الكتاب ما زالت صالحة لوقتنا الراهن، رغم أن العنف لم يكن موجوداً كما هو الآن، أما د. نجوى حسين فقد ذهبت إلى أن فكر سيد عويس كان يسعى نحو منهج إصلاحي للمجتمع، وعنوان الكتاب يعبر عن شخصيته التسامحية، وقد رصد من خلاله أشكال العنف وكيفية مواجهتها، ذاهباً إلى أن جهة واحدة لا تستطيع المواجهة، موضحة أن العنف الذي رصده وتحدث عنه ما زال متفشياً على صعيد الأسرة وغيرها، فما زالت الجرائد تطالعنا بجرائم العنف بين الأزواج والزوجات، وقد يصل الأمر إلى قتل الأبناء، وهو عنف ناتج في مقامه الأول عن خلافات مادية.
أما د. علي ليلة فقد ذهب إلى أن الكتاب به نوع من النبوءات، فحينما نقرأ ما ذهب إليه ونتأمل عالمنا المعاصر نجد ان العنف موجود بشكل مكثف على المستوى الإقليمي والعالمي، ونجده في كل الاتجاهات، وهو دائما مصاحب لظاهرة إعادة التشكيل، ونحن نعيش الآن عالماً غير محدد الملامح، فهل هو عالم متعدد الأخطاء أم عالم تسوده الفوضى، وأوضح ليلة أن سيد عويس كانت لديه نزعة سلامية تعود إلى إيمانه بالثقافة الشعبية ورؤيته أن الدين واحد مهما اختلفت أشكاله، فضلاً عن روح التفاؤل التي كانت تملؤه، وذهب إلى أن أشكال العنف لدى عويس قد تكون فردية أو جماعية، وأن ثمة أسبابا تتفاعل وتتراكم مما ينتج عنها فعل العنف، ومن ثم كان يتتبع الظاهرة أو الشخص باحثاً في الأسباب التي دفعته لهذا الفعل، وقال ليلة: عندما أتأمل الواقع مستنيرا بأقوال د. سيد عويس أجد أننا نعيش في حالة من العدوانية الشديدة، وأن هذه الحالة ستستمر طالما لم تستقر الأبنية الاجتماعية بشكل واضح بعد.
كان قد حضر المناقشة د. مسعد عويس، نجل سيد عويس، الذي أعلن أنه اتفق مع هيئة الكتاب على أن لوالده قريباً، واكتفى بالحديث عن والده بجملتين من جمله المعبرة عن معتقداته الفكرية وهما «لن ترتفع هامة مصر إلا إذا ارتفعت هامة المرأة المصرية»، «غزا المستعمر مصر في عقر دارها، لكن مصر غزت المستعمر في عقر فكره».
[b]