بقلم : مجدي حجازيmagdyhegazy@hotmail.com
اليوم عرفة.. يوم المغفرة، فلندع الله »سبحانه وتعالي« بطلب الرحمة والمغفرة، ولندع لمصر بالخير والأمن والسلام، ولنتدبر ما قاله د. مصطفي محمود - رحمه الله - في مقاله "العذاب ليس له طبقة"، حيث كتب يقول: " كلنا نخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة، برغم ما يبدو في الظاهر من بعض الفوارق، وبرغم غني الأغنياء وفقر الفقراء، فمحصولهم النهائي من السعادة والشقاء الدنيوي متقارب. فالله يأخذ بقدر ما يعطي ويعوض بقدر ما يحرم وييسر بقدر ما يعسر. ولو دخل كل منا قلب الآخر لأشفق عليه، ولرأي عدل الموازين الباطنية برغم اختلال الموازين الظاهرية. ولما شعر بحسد ولا بحقد ولا بزهو ولا بغرور.
و لو علمناه حق العلم لطلبنا الدنيا بعزة الأنفس، ولسعينا في العيش بالضمير، و لتعاشرنا بالفضيلة، فلا غالب في الدنيا، ولا مغلوب في الحقيقة، والحظوظ كما قلنا متقاربة في باطن الأمر، ومحصولنا من الشقاء والسعادة متقارب برغم الفوارق الظاهرة بين الطبقات.. فالعذاب ليس له طبقة وإنما هو قاسم مشترك بين الكل، يتجرع منه كل واحد كأسا وافية، ثم في النهاية تتساوي الكئوس برغم الاختلافات.
وليس اختلاف نفوسنا، هو اختلاف سعادة وشقاء، وإنما اختلاف مواقف.. فهناك نفس تعلو علي شقائها وتتجاوزه، وتري فيه الحكمة والعبرة، وتلك نفوس مستنيرة تري العدل والجمال في كل شيء وتحب الخالق في كل أفعاله.. وهناك نفوس تمضغ شقاءها وتجتره وتحوله إلي حقد أسود وحسد أكال، وتلك هي النفوس المظلمة الكافرة بخالقها المتمردة علي أفعاله.. أما في كوامن الأسرار وعلي مسرح الحق والحقيقة، فلا يوجد ظالم ولا مظلوم ولا متخم ولا محروم، وإنما عدل مطلق واستحقاق نزيه يجري علي سنن ثابتة لا تتخلف، حيث يمد الله يد السلوي الخفية يحنو بها علي المحروم، وينير بها ضمائر العميان، ويلاطف أهل المسكنة، ويؤنس الأيتام والمتوحدين في الخلوات، ويعوض الصابرين حلاوة في قلوبهم، ثم يميل بيد القبض والخفض، فيطمس علي بصائر المترفين، ويوهن قلوب المتخمين، ويؤرق عيون الظالمين، و يرهل أبدان المسرفين.. وتلك هي الرياح الخفية المنذرة التي تهب من الجحيم والنسمات المبشرة التي تأتي من الجنة، والمقدمات التي تسبق اليوم الموعود.. يوم تنكشف الأستار، وتهتك الحجب، وتفترق المصائر إلي شقاء حق وإلي نعيم حق، يوم لا تنفع معذرة، ولا تجدي تذكرة.
وأهل الحكمة في راحة لأنهم أدركوا هذا بعقولهم، وأهل الله في راحة لأنهم أسلموا إلي الله في ثقة وقبلوا ما يجريه عليهم، ورأوا في أفعاله عدلا مطلقا دون أن يتعبوا عقولهم فأراحوا عقولهم أيضا، فجمعوا لأنفسهم بين الراحتين راحة القلب وراحة العقل، فأثمرت الراحتان راحة ثالثة هي راحة البدن، بينما شقي أصحاب العقول بمجادلاتهم.. أما أهل الغفلة وهم الأغلبية الغالبة، فمازالوا يقتل بعضهم بعضا من أجل اللقمة والمرأة والدرهم وفدان الأرض، ثم لا يجمعون شيئا إلا مزيدا من الهموم، وأحمالا من الخطايا، وظمأً لا يرتوي وجوعا لا يشبع.. فانظر من أي طائفة من هؤلاء أنت، واغلق عليك بابك وابك علي خطيئتك." رحم الله د. مصطفي محمود، وجزاه عنا خيرا، بتبصيرنا للخير، ولندع جميعا في يوم الرحمة والمغفرة للغافلين منا: لعلهم يعقلون.. وليتنا نتفكر.. وكل عام وأنتم بخير.[b]