ألف ليلة وليلة
حكاية عفريت وزوجة خائنة وزوج نصفه حجر
لهنّ – شيرين صبحي
لما أقبل الليل قالت دنيا زاد: يا أختي أتمي لنا حديثك، فقالت:
بلغني أيها الملك السعيد أن كان هناك رجل طاعن في السن وله زوجة وثلاثة أولاد وهو فقير الحال، وكان من عادته أن يرمي شبكته أربع مرات في اليوم، فخرج يوما من الأيام وقت الظهر إلى شاطيء البحر ورمى شبكته فأخرج حمارا ميتا فلما رأى ذلك حزن وخلص الشبكة من الحمار، ورماها المرة الثانية وعندما جذبها وجد زيرا كبيرا ممتليء بالرمل والطين فاستغفر الله ثم رماها المرة الثالثة وجذبها فوجد شقافة وقوارير فاغتاظ الصياد ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إنك تعلم أني لم أرم شبكتي غير أربع مرات وقد رميت ثلاثا، ثم سمى الله ورمى المرة الأخيرة فاشتبكت في الأرض وقال لا حول ولا قوة إلا بالله فغطس وأخرجها إلى البر فوجد فيا قمقما من نحاس أصفر مغلق برصاص عليه ختم سيدنا سليمان، فأخرج سكينا وفك القمقم ووضعه على الأرض فإذا بدخان كثيف يصعد من القمقم ثم تجمع على هيئة عفريت رأسه في السحاب ورجلاه في التراب.
ارتعد الصياد، فلما رأه العفريت قال: لا إله إلا الله سليمان نبي الله، فقال الصياد: أيها المارد أتقول سليمان نبي الله وقد مات من ألف وثمانمائة سنة ونحن في أخر الزمان ، فما قصتك وكيف دخلت إلى هذا القمقم، فلما سمع المارد كلام الصياد قال: لا إله إلا الله أبشر يا صياد، فقال الصياد: بماذا تبشرني، فقال: بقتلك هذه الساعة شر القتلات. قال الصياد وما ذنبي حتى يكون هذا جزائي منك؟ قال العفريت: اسمع حكايتي يا صياد.
إني جني من الجن المارقين وقد عصيت سليمان بن داود فأرسل إلي وزيره آصف بن برخيا وقادني إليه، فلما رآني سليمان استعاذ مني وعرض علي الإيمان والدخول تحت طاعته فأبيت، فحبسني في هذا القمقم وألقوني في البحر، فأقمت مائة عام وقلت في قلبي كلمن خلصني أغنيته إلى الأبد، فمرت المائة عام ولم يخلصني أحد. ودخلت مائة عام أخرى فقلت: من خلصني له كنوز الأرض فلم يخلصني أحد، فمرت أربعمائة عام أخرى فقلت: من خلصني أقضي له ثلاث حاجات، فلم يخلصني أحد فغضبت غضب شديد، وقلت من خلصني قتلته ومنيته كيف يموت وها أنت قد خلصتني.
فقال الصياد: يا الله. اعف عني يعفو الله عنك، ولا تهلكني يسلط الله عليك من يهلكك. فقال: لابد من قتلك، فقال الصياد: أصنع مليحا فتقابلني بالقبيح؟!
ولما تاكد الصياد من قتله قال للعفريت: بالاسم الأعظم المنقوش على اتم سليمان اسألك عن شيء وتصدقني، فاهتز العفريت لما سمع الاسم الأعظم وقال اسأل وأوجز.. فسأل الصياد: كيف كنت في هذا القمقم وهو لا يسع يدك ولا رجلك فكيف يسعك كلك؟ فقال العفريت: ألا تصدق أنني كنت فيه. قال الصياد: لا أصدق حتى أنظر بعيني.
انتفض العفريت ودخل القمقم ، فأسرع الصياد وأخذ السداد الرصاص وسد القمقم، وقال للعفريت: لأرمينك في البحر وأبني لي هنا بيتا وأمنع كل من يأتي للصيد وأخبره أن هنا عفريت من أخرجه له الموت.. فقال العفريت: افتح لي حتى أحسن إليك.. فقال الصياد : تكذب يا ملعون، لو أبقيتني كنت أبقيتك لكن ما أردت إلا قتلي، فأنا أقتلك محبوسا في هذا القمقم وألقيك في هذا البحر. صرخ المارد : أبقيني حيا ولا تؤاخذني بعملي فإذا كنت أنا مسيئا، كن أنت محسنا. وافق الصياد على إخراجه بعد أن أخذ عليه موثقا.
مشي العفريت ومعه الصياد حتى خرجا من المدينة وطلعا على جبل ثم نزلا إلى برية في وسطها بركة، فطلب من الصياد أن يرمي شبكته ، ففعل الصياد وجذبها فوجد بها أربع سمكات ملونة أبيض وأحمر وأزرق وأصفر. قال له العفريت: أدخل بها إلى السلطان يعطيك ما يغنيك، ولكن لا تصطاد منها كل يوم إلا مرة واحدة.. ثم ودعه وانصرف.
ذهب الصياد إلى الملك وقدم له السمك فتعجب من شكله وألوانه ، فأعطى الصياد 400 فرح بها كثيرا ، ثم أمر الجارية بقليه.. أخذت الجارية السمك ونظفته ووضعته في الطاجن ثم تركته حتى استوى وجهه وقلبته على الوجه الثاني، وإذا بحائط المطبخ قد انشق وخرجت منه صبية جميلة في يدها قضيب من الخيزران غرزته في الطاجن وقالت: يا سمك هل أنت على العهد القديم مقيم؟ فرفع السمك رأسه وقال: نعم نعم . ثم قالوا جميعا
إن عدت عدنا وإن وافيت وافينا ... وإن هجرت فإنا قد تكافينا
فقلبت الصبية الطاجن وعادت إلى الحائط ، فأغشي على الجارية ثم أفاقت ورأت السمكات محروقات كالفحم، وإذا بالوزير يقول لها: هاتي السمك للسلطان.. بكت الجارية وأخبرت الوزير بما حدث فتعجب وأرسل إلى الصياد وطلب أربع سمكات مثل التي جاء بها.
ذهب الصياد إلى البركة وأحضر أربع سمكات أخريات ثم عاد بها إلى الوزير، فدخل بها الوزير إلى الجارية وطلب أن تقليها أمامه ، فنظفته ووضعته في الطاجن ، فإذا بالحائط ينشق وتخرج منه الصبية وفي يدها القضيب فغرزته في الطاجن وقالت: يا سمك هل أنت على العهد القديم مقيم، فرفعت السمكات رؤوسها وأنشدت البيت السابق.
لما تكلم السمك قلبت الصبية الطاجن وعادت إلى الحائط .. عند ذلك قال الوزير: هذا أمر لا يمكن إخفاؤه عن الملك. ثم أخبر الملك بما حدث، فقال لابد أن أرى بعيني ، فأرسل إلى الصياد وأمره أن يأتيه بأربع سمكات أخريات ثم أمهله ثلاثة أيام، فأتاه بالسمك في الحال، فأمر الملك أن يعطوه 400 دينار.
طلب الملك من الوزير أن يقلي السمك بنفسه، فأحضر الطاجن ووضع فيه السمك، فإذا بالحائط ينشق ويخرج منه عبد أسود وفي يده فرع شجرة أخضر وقال: يا سمك هل أنت على العهد القديم مقيم؟ فرفع السمك رأسه من الطاجن وقال: نعم نعم ، وأنشد البيت السابق ، ثم أقبل العبد على الطاجن وقلبه حتى صار فحما أسود ، ثم عاد من حيث أتى.
قال الملك هذا أمر لا يمكن السكوت عليه، وأمر باحضار الصياد، فلما حضر قال له: من أين هذا السمك؟ قال له: من بركة بين أربعة جبال وراء هذا الجبل في مدينتك، فأمر الملك بخروج العسكر مع الصياد فصار الصياد يلعن العفريت حتى وصلوا جميعا وتعجب الملك من المكان وبركة المياة وأسماكها الملونة.
قال الملك والله لا ادخل مدينتي ولا أجلس على عرشي حتى أعرف حقيقة هذه البركة وأسماكها ، وفي الليل بدل ملابسه وأخذ سيفه وظل يبحث حتى الصباح إلى أن اشتد عليه الحر فاستراح قليلا ومشي بقية يومه وليلته حتى وجد في الصباح التالي قصرا مبنيا بالحجارة السوداء مصفحا بالحديد وأحد أبوابه مفتوح، فدخل ولم يجد فيه أحدا فتعجب حتى سمع أنينا لأحد الأشخاص.
ذهب الملك إلى مكان الصوت حتى عثر على شاب مليح جالسا على سرير، ففرح الملك وسلم عليه ، فرد ليه السلام وقال: يا سيدي أعذرني من عدم القيام . فقال الملك : أيها الشاب أخبرني عن هذه البركة وسمكها الملون وعن هذا القصر وسبب وحدتك وبكائك؟
بكى الشاب بكاء شديدا وقال: كيف لا أبكي وهذه حالتي، ومد يده إلى أذياله فإذا نصفه الأسفل من الحجر!
ثم قال: اعلم أيها الملك أن لهذا السمك أمرا عجيبا، كان والدي ملك هذه المدينة ثم توفي وأصبحت بعده السلطان وتزوجت بابنة عمي وكانت تحبني بحيث لو تأخرت عنها لا تأكل ولا تشرب حتى تراني، وظللنا خمس سنوات إلى أن ذهبت يوما من الأيام إلى الحمام فأمرت الطباخ أن يجهز لنا الطعام، ونمت في مخدعي حتى تعود وأمرت جاريتين أن يروحا على وجهي.
سمعت الجارية التي عند رأسي تقول: إن سيدنا مسكين شبابه ويا خسارته مع سيدتنا الخبيثة الخاطئة.. ردت عليها الأخرى: لعن الله الزانيات، مثل سيدنا وأخلاقه لا يصلح لهذه الزانية التي كل ليلة تبيت في غير فراشه بعد أن تعمل له عملا في قدح الشراب الذي يشربه كل ليلة فينام ولا يشعر بما يجري حوله.
لما سمعت كلام الجواري أسودت الدنيا في وجهي وانتظرت حتى أقبل الليل وجاءت بنت عمي وأكلنا ثم أعطتني الشراب فتظاهرت بأني أشربه ودلقته، وتظاهرت بالنوم، فسمعتها تقول: نم ليتك لم تقم والله كرهتك وكرهت صورتك وملت نفسي من عشرتك.. ثم قامت ولبست أفخر الثياب وخرجت، فقمت وتبعتها حتى رأيتها تدخل على عبد أسود وقبلت الأرض بين قدميه وتناديه يا سيدي وحبيب قلبي.
غامت الدنيا في عيني وأخذت السيف وهممت أن أقتل اثنين فضربت العبد على رقبته وظننت أني قتته ، فعادت بنت عمي إلى فراشي وفي الصباح وجدتها وقد قطعت شعرها ولبست ثياب الأحزان وقالت يا ابن عمي لا تلمني فيما أفعله .. وبعد السنة قالت لي أريد أن أبني في قصرك مدفنا أنفرد فيه بالأحزان، فقلت لها أفعلي ما بدا لك، فبنت لها بيتا للحزن ونقلت إليه العبد وكان ضعيفا جدا لكنه يشرب الشراب، فكانت تبكي عنده وتسقيه الشراب.
دخلت عليها يوما على غفلة فوجدتها تبكي وتلطم فقلت لها هذا فعل الخائنات وأخرجت سيفي وأردت أن أضربها ، فأسرعت وقالت كلاما لا أفهمه ثم قالت جعل الله بسحري نصفك حجر ونصفك بشر. ثم سحرت المدينة وكان بها مسلمين ونصارى ويهود ومجوس، فسحرتهم سمكا الأبيض مسلمون والحمر مجوس والأزرق نصارى والأصفر يهود، ثم كل يوم تعذبني وتضربني بالسوط مائة جلدة.
سأله الملك: وأين هذه المرأة؟ قال في المدفن الذي بالقصر، فانتظر الملك إلى المساء وقتل العبد الأسود ورماه في بئر ثم لبس ثياب العبد ومعه سيف، وعندما أتت العاهرة دخلت إلى مكان العبد وبكت وقالت: يا سيدي كلمني حدثني، فخفض صوته وعوج لسانه وقال: آه لا حول ولا قو إلا بالله ، فصرخت من الفرح، فقال بضعف: أنت لا تستحقين أن أكلمك.
قالت: وما السبب؟. رد عليها : إنك طول النهار تعاقبين زوجك وهو يصرخ حتى حرمتني النوم ، ولم يزل زوجك يدعو عليك حتى أقلقني صوته ولولا ذلك لكنت تعافيت! خلصيه وأريحينا. فقالت سمعا وطاعة ثم خلصت زوجها وعادت إلى عبدها فقال لها: إن أهل المدينة إذا انتصف الليل رفع السمك رأسه ودعو علي وعليك وهذا سبب منع العافية عن جسدي، فخلصيهم وتعالي خذي بيدي.
فرحت الساحرة وخلصت المدينة من سحرها وعادت إلى العبد فقال لها تقربي مني ثم طعنها في صدرها، وخرج الملك إلى الشاب وهنأه بالسلامة وفرحا فرحا شديدا ثم عاد الملك إلى مدينته بسلام..
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح. [b]