admin Admin
عدد المساهمات : 2245 نقاط : 4031 تاريخ التسجيل : 14/05/2009 الموقع : تنمية مهارات العمل الاعلامى
| موضوع: طيور بحدقات محترقة.. قصة لطارق إمام السبت 14 نوفمبر 2009 - 0:33 | |
| عندما بلغت الثالثة عشرة، قررت أن تهب نفسها للدير. توجهت إلى أمها، لم تغيِّر المرأة الطاعنة من جلستها، أو تتحرك تجعيدة واحدة فى وجهها. فقط قالت لها: "إنك لم تخفقى بعد فى قصة حب.. فلماذا تفعلين ذلك؟".
لم تكن تعرف. فقط كان يجذبها مجهولٌ بعيد تعرف أنه يكمن بين الحوائط هناك: الأصوات الصحراوية التى يرددها الصدى كأنها ملايين الأحلام البعيدة، الطيور التى تتخبط أعلى القباب محدقةً فى عين الشمس. طيور عمياء كما يؤكد أهالى البلدة.. حدقاتها محترقة.. ريشها كله أسود، لا تكف عن التحديق فى القرص الملتهب، وتموت فى أماكنها ثم تسقط متحولةً إلى رمادٍ حالك.. وتأتى أجيالٌ جديدة منها، تعيد الكرَّة. كل ذلك كان يجذبها. تَرى الرجال والنساء بالأردية الداكنة، بشراتهم مُلوَّحة: هل ترقد شمسٌ أُخرى بالداخل؟ يسيرون متمهلين، ناظرين للأرض. فى المساء كانت ترى الأضواء الخافتة، تتحرك النجوم بطيئةً ومتوحدة.. وتقترب السماء حتى أنها تُغلق نافذتها بوجل.
هكذا جزَّت ضفيرتيها المتطاولتين. حفرت فى مكان قريب وأسكنتهما ثم أهالت فوقهما الرمال. توجهت إلى الداخل بشعر قصير حتى إنهم ظنوها غُلاماً. كانت تعرف أنها لن تغادر هذا المكان إلا جثة.. وكانت تعرف أن ماضيها لم يعد تبق منه سوى ضفيرتين ستذويان تحت الرمال. كل حين، لدى خروجها، كانت تنبش الأرض، تُخرج الضفيرتين، تجدهما لم يتعرضا لأذى، فتندهش. تُملس بكفيها على الخصلات البيضاء التى بدأت تحال شَعرها متأملةً ضفيرتيها اللتين يزداد فى كل مرة سوادهما الفاحم.
ظلت تفعل هذا، حتى بعد أن صار شعرها بأكمله غطاءً أبيض يعلو وجهها. وصارت يوماً بعد آخر تستشعر تجاعيد وجهها بأناملها، كأنها تتحسس قناعاً يخص شخصاً آخر.. أما جسدها، فلم تنظر إليه أبداً منذ أغلقت الباب الثقيل خلفها وصارت أسيرة الحوائط.
أعوامٌ طويلةٌ مرَّت، قامت مدنٌ واختفت أُخرى، وصارت هى قديسة. ذات مرة أزاحت الرمال فلم تجد الضفيرتين. نبشت بكفيها بجنون، فلم تجد سوى كائنات دقيقة وبقايا طيور سوداء محترقة وعظام تحولت فى لمحة إلى مسحوق شاهق البياض.. فوسَّعَت الحفرة وتركت جسدها يستريح تحت التراب. | |
|