لكم من اللغة العربيّة ما شئتم، ولي منها ما يُوافق أفكاري وعواطفي..
لكم منها الألفاظ وترتيبها، ولي منها ما تُومئ إليه الألفاظ، ولا تلمسه، ويصبو إليه الترتيب،
ولا يبلغه.. لكم منها جُثث محنَّطة باردة جامدة، تحسبونها الكلّ بالكلّ،
ولي منها أجساد لا قيمة لها بذاتها، بل كل قيمتها بالروح التي تحلُّ فيها.. لكم منها محجَّة مقرَّرة مقصودة،
ولي منها واسطة متقلِّبة لا أستكفي بها إلا إذا أوصلت ما يختبئ في قلبي إلى القلوب،
وما يجول في ضميري إلى الضمائر.. لكم منها قواعدها الحاتمة، وقوانينها اليابسة المحدودة،
ولي منها نغمة أحوِّل رنّاتها ونبراتها وقراراتها إلى ما تثبته رنَّةٌ في الفكر، ونبرةٌ في الميل،
وقرارٌ في الحاسة.. لكم منها القواميس، والمعجمات، والمطوَّلات، ولي منها ما غربلته الأذن،
وحفظته الذاكرة من كلام مألوف مأنوس، تتداوله ألسنة الناس في أفراحهم وأحزانهم..
لكم منها العَروض، والتفاعيل، والقوافي، وما يُحشَر فيها من جائز، وغير جائز،
ولي منها جدول يتسارع مترنِّماً نحو الشاطئ،
فلا يدري ما إذا كان الوزن في الصخور التي تقف في سبيله،
أمِ القافية في أوراق الخريف التي تسير معه.
جبران خليل جبران
[b]