الثورة من الـ«فيس بوك» إلى السحر والربط
بقلم خالد منتصر ١٢/ ٣/ ٢٠١١
ولدت الثورة من رحم الإنترنت والـ«فيس بوك» وأجهضت بإسفكسيا السحر والشعوذة! ذهلت عندما استمعت إلى أحد الدعاة وهو يفسر الفتنة الطائفية بأن شرارتها انطلقت عندما اتجه أهل القرية لإحضار شاب من الكنيسة متهم فى علاقة حب ففوجئوا بأوراق مدونة عليها أسماء من القرية يتم سحرهم فثارت ثائرتهم واشتعل غضبهم فهدموا الكنيسة!! وقبلها خرج من يتحدث مع الإعلامية لميس الحديدى عن أنواع تلك الأسحار والأعمال السفلية فلخصها فى طلاق السيدات السريع وغير المبرر ممن صادفهم حظهم العاثر فسكنوا بجوار الكنيسة، وأيضاً ربط الرجال الذين يقطنون حولها! أى أنه باختصار ضرب العلاقات الزوجية داخل «أطفيح» و«صول» فى مقتل! والسبب سحر الكنيسة.
هل هذا كلام يقال فى القرن الحادى والعشرين ونحن قد تطهرنا بعطر ثورة ساهمت فيها لغة وتكنولوجيا وعلم العصر الحديث بالنصيب الوافر؟ هل مازال يعشش فى عقولنا السحر ويعطل خلايا الفكر والإبداع إلى هذه الدرجة؟ هل مازالت خفافيش الخرافة لها الصوت الأعلى فى قيادة الأمور فى هذا البلد؟ هل على شبابنا الذى أيقظ مصر عبر لغة الـ«فيس بوك» ونقرات الكمبيوتر وحوارات الشات أن يشنق نفسه فى ميدان التحرير كمداً وحزناً على ما فعله من أجل شعب مستعد للانتحار نتيجة سحر وأعمال ومندل وربط؟! حماس الثورة إذا لم يصاحبه منهج التفكير العلمى سيصير وقوداً وبركاناً يشيع الفوضى وينشر الدمار، فالرجل الذى أمسك بالمعول، والفلاح الذى انهال بالفأس على جدار الكنيسة يهدمها متخيلاً أنه يجاهد فى سبيل الله ويقصر طريقه إلى الجنة، هؤلاء وأمثالهم هم الأصابع التى ستخنق أحلام الثورة وآمالها العريضة.
إذا كان سحر الكنيسة بهذه القوة فلماذا لم يشل هذا السحر ويربط أيدى من قاموا بهدم الكنيسة بواسطة ورقة سحر مكتوب عليها شمهورش؟ فمن يستطيع أن يربط ويطلق يستطيع أيضاً أن يشل ويطرد الهادمين الحارقين! وإذا كانت الكنيسة بهذه القوة السحرية الوهمية التى تؤمنون بتأثيرها يا سادة فلماذا لا تؤمنون أيضاً بأن الله هو الذى منحها تلك القدرة السحرية الخارقة؟ قدرة كنيسة أو راهب أو شيخ أو ولى صالح أو دجال فهلوى، غير موجودة إلا فى أذهان أكلها الصدأ وكلسها التخلف، هل من المعقول أن نظل مؤمنين بهذا الهراء بل نناقشه تليفزيونياً مقتنعين بوجوده ونصدر الأزمة على أنها رد على جريمة سحر دون إنكار هذا السحر واستنكار حدوثه أصلاً؟! وهل من المعقول أن نعلق الحل وننصح الجيش بتأجيل البناء فى نفس المكان حتى نحل مشكلة السحر؟ إننا بذلك نجعل من الخرافة مرجعية، ومن الشعوذة قانوناً.
السحر هو العلم، السحر هو ما حدث يوم ٢٥ يناير من حوار الإنترنت ورسم الخطط على الـ«فيس بوك»، السحر هو حماية المسيحيين للمسلمين أثناء الصلاة وحماية المسلمين للمسيحيين أثناء القداس، السحر هو أن يقود المظاهرات حملة الدكتوراه والماجستير وطلبة الهندسة والطب والعلوم والاقتصاد والجامعات الأجنبية، السحر هو استخدام وسائل الاتصال الحديثة أثناء المظاهرة وترجمة شعاراتها للفضائيات الأجنبية بكل اللغات ودون الاستعانة بمترجم، السحر هو الإحساس الذى شملنا جميعاً بأن مصر الحديثة المتحضرة تولد من ميدان التحرير، ولكن سرعان ما تبخرت الأحلام على يد سحر كنيسة أطفيح، والجلا جلا، وزار الجنى شمهورش وقلب الهدهد اليتيم وأعمال الربط السفلية، فصرنا بدلاً من أن نفكر فى فضح فساد النظام، صرنا نفكر فى فتح مندل النظام.