حسن الظن بالمؤمن
الحمدلله ولي الصالحين وناصر المظلومين ومجيب دعوة المضطرين ، أحمده سبحانه وأشكره على نعمة الهدى والدين وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن سيدنا وإمامنا محمد عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.أمابعد : فاتقوا الله عباد الله تسعدوا يوم الفزع الأكبر ولاتركنوا إلى الدنيا فإنها دار غرور يقول جل وعلا:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} عباد الله خلق وأمر حض عليه الإسلام وهو من بين أبرز أسباب التماسك الاجتماعي سواء على مستوى الأسرة أو على مستوى المجتمع .وإذا فقد هذا الخلق تقطعت حبال القربى وزُرع الشوك بين أفراد المجتمع وأُلصقت التهم والمفاسد بالمسلم البريء هذا الخلق هو حسن ظن المؤمن بأخيه المؤمن والتماس الأعذار له إن رأى منه خطأ أو تقصيراً،وقد نهانا ربنا جل جلاله عن الظن السيء بقوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ..}قال ابن كثير في تفسير هذه الآية:يقول تعالى ناهياً عباده المؤمنين عن كثير من الظن وهو التهمة والتخون للأقارب والأهل والناس في غير محله،فيجتنب كثير منه احتياطاً،والظن أيها الأحبة في الله مبني على التخمين بسبب كلمة أو عمل محتمل،فكانت نتيجة الظن في الغالب الوقوع مشاكل عديدة لامبرر لها،كما أن الظن يجعل تصرف صاحبه خاضعاً لما في نفسه من تهمة لأخيه المسلم،ويتحكم الظن في التسويلات النفسية والاتجاهات القلبية حتى تجد من يظن السوء يحمل لمن يظن به أطناناً من التهم بناها خياله المريض،وكدستها أوهامه ولذا نهى الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه عن الظن بقوله:(إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)متفق عليه،ويكون سوء الظن محرماً إذا توافرت فيه ثلاث شروط:أولها:أن يكون من يساء به الظن مسلماً،ثانيها:أن يستقر سوء الظن في النفس وتصير التهمة التي يتهم المسلم أخاه بها شيئاً يترتب عليه أن يعامل المسلم أخاه حسبما استقر في نفسه،ثالثها:أن يكون المتهم الذي يساء الظن به ظاهر الصلاح والعدالة بمعنى أنه غير مرتكب لكبيرة ولامصر على صغيرة فيما يبدو للناس،أما فيما بينه وبين الله تعالى فلا دخل للعباد فيه.أما إن كان من يساء الظن به كافراً فإن الأصل في الكافر أنه لايؤتمن ، ولاشيء على من يسيء الظن به بشرط أن لايتهمه بتهمة يسمع الناس بها وهو منها بريء ، فإن فعل ذلك وكان الكافر من أهل الذمة أو ممن بينه وبين المسلمين صلح أو معاهدة فإن ظلم الكافر في هذه الحالة حرام،لأن الأصل أن كل ظلم حرام ولو كان المظلوم كافراً أو حيواناً أو حشرة.وأما إن كان ظن السوء حديث نفس عابر غير مستقر،كشيء خطر في بال الإنسان ثم تلاشى ولم يستقر،فإنه لاشيء فيه ، لأن الله تعالى غفر لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها كما ثبت ذلك بأدلة عديدة،أما إن ظن السوء بإنسان مسلم ظاهر الأعمال القبيحة،أو مخالف لشرع الله في أعماله وأقواله،فإنه لاشيء عليه حينئذ،وقد ذكرت أخي لك هذه الشروط حتى لايلتبس عليك الظن المحرم بأنواع كثيرة من الظن لاتدخل في باب الحرام،حيث منها ماهو نوع من الحذر واليقظة المطلوبين من المؤمن،ومنها ماهو فراسة يظهر صدقها وحقيقتها في أغلب الأحيان ولأذكياء العرب باع واسع ومدى طويل في ذلك ، ولكني أحذرك من أن يبرر لك الشيطان سوء ظنك بأخيك بأحد هذه الأصناف فالشروط أضحت معروفة لديك والميزان بيديك،ثم إن الظن أيها الأحبة في لله خطوة أولى نحو منكرات عظيمة فهو ذريعة إلى التجسس ثم الغيبة،فإن من ظن بشيء يريد التأكد فيكون سبيله لذلك التجسس ثم إن أصبح على شبه يقين أخذ يحدث بما علم فإن كان ما يحدث به يكرهه المتحدث عنه كان غيبة،لأن ضابط الغيبة ذكرك أخاك بما يكره وقد بين لنا ذلك الباري جل وعلا حين قال:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} فذكر مابعد الظن التجسس والغيبة،ثم إن من الواجب على المؤمن إذا سمع من يسيء الظن بأخيه أن يجزره ويمنعه من ذلك وإلا كان شريك له في الإثم ومن شواهد هذا المنهج من السنة حديث توبة كعب بن مالك حيث قال(..وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِئْسَ مَا قُلْتَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فرد معاذ عن عرض أخيه وأحسن الظن به،بل أن الله جل جلاله يضع لنا منهجاً في التعامل مع مثل هذه الحالات التي يشاع فيها سوء الظن عن إنسان مسلم فضلاً عمن عرف بالتقوى والصلاح حيث يقول في حادثة الإفك التي لم يسلم فيها عرض خير البرية صلوات ربي وسلامه عليه من إساءة الظن به من قبل المنافقين:{لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}هذا عتاب من الله سبحانه وتعالى للمؤمنين في ظنهم حين قال أصحاب الإفك ما قالوا ، وقيل المعنى أنه كان ينبغي أن يقيس فضلاء المؤمنين والمؤمنات الأمر على أنفسهم وروي أن هذا النظر السديد وقع من أبي أيوب الأنصاري وامرأته وذلك أن دخل عليها فقالت له:يا أبا أيوب أسمعت ماقيل؟ فقال نعم وذلك الكذب أكنت أنت يا أم أيوب تفعلين ذلك؟قالت:لا والله قال:فعائشة والله أفضل منك قالت أم أيوب :نعم،فاتقوا الله عباد الله واحسنوا الظن بإخوانكم واتبعوا منهج الإسلام مع من يسيء الظن بإخوانه تسلموا وتسلم مجتمعاتكم،أعوذ بالله من الشيطان الرجيم{ولايحيق المكر السيء إلا بأهله}