الشهيدة رحمة محسن
شباب كان وجوده يمنح الحياة جمالاً وبهجة، وأدى استشهاده إلى ثورة شعب وسقوط نظام. شباب منحنا أغلى ما يملك.. حياته ودماءه وأصبحت سيرته تملأ قلوبنا شجنا.. وغيابه مؤلمًا موجعًا.. وصوره تبكينا.. لكن ما يصبرنا ويعزينا.. أنه حى عند ربه يرزق.. وأن دماءه الزكية قد حررت وطنًا.
سرقوا منى فرحتى.. استكتروا ابنتى «رحمة» عليا.. خدوها منى وسابونى عايشة على الذكرى «هذه الجملة كانت أول ما نطقت بها أم الشهيدة رحمة بعدما انهمرت دموعها على وجنتيها وكأنها سيل من الأمطار..
وسردت قصتها قائلة: أول مولودة أضعها كانت رحمة فهى فرحتى الأولى لكنه قدر الله أنه يأخذها منى، فعلى الرغم أننى لدى إبراهيم ونورا إلا أن رحمة كانت «حاجة تانية» فهى أول من نادتنى بـ ماما وفرحة الضنى الأول لا توصف نعم لدى أبناء وأحبهم لكن رحمة.. كانت رحمة لنا جميعا بالفعل فهى هادئة وطيبة «وغلب الدنيا فيها» ومطيعة إلى أقصى حد تحملت معى كثيرا وعانينا أوضاعا عديده معاً أولها غياب الأب بسبب جرم ارتكبه وكفر عنه بحبسه 14 عاماً فى السجن وأراد بالفعل التوبة.. ولكن الظاهر إن التوبة لا تفيد صاحبها..
ام الشهيدة رحمة شهادات تفوق رحمة
طالما كان خريج سجن فتظل هذه الوصمة تلاحقه حتى إذا تاب ورجع إلى الله وأصبح يصلى الفرض بفرضه فزوجى حياته تدمرت.. وابنتى ضاعت منى.. أسرتى انهارت وبعد سنة من خروج زوجى من السجن فتح «سنترال» وأصبح يأكل لقمة عيش بالكفاح والشرف وكان يصلى جميع الصلوات وعلى الرغم من ذلك فى يوم بعدما رجع زوجى من صلاة الفجر ودخل الغرفة لينام فى حوالى الساعة السابعة والنصف وجدنا الحكومة تطرق الباب ودخلت «ملفقة» لزوجى قضية وأخذوا زوجى وكهربوا ابنى بآلة كانوا ممسكين بها فى أيديهم، عندها شعرت ولمست ابنتى رحمة معنى الظلم والقهر لأنها تعلم أن والدها برىء.. وطلبت منى لأنها فى السنة الأخيرة من معهد خدمة اجتماعية الموجود بمدينة نصر أن تكمل جامعة مفتوحة لتدخل كلية الحقوق حتى تدافع عن المظلومين.. لأنها شعرت بالظلم وذاقت طعمه وأنا وافقتها وقولتلها «عنيه الاتنين» اتجدعنى وخلصى المعهد وأنا هقدملك على حقوق جامعة مفتوحة فكانت رغبتها و طموحها قبل أن تستشهد برصاص الداخلية غدرا أن تدافع عن المظلومين وتأخذ حقوقهم ثم سادت لحظات من الصمت وهى تتأملنا وتبكى بحرقة وتقول:
ام الشهيدة رحمة مع اخوها سلسلة كانت فى رقبة رحمة قبل وفاتها وعليها صورة حبيبها
رحمة كانت فى عمركم وكانت طموحة وطيبة وكانت أقرب أحد إلى وتحكى لى كل شىء ولا تخفى عنى شيئاً حتى بحياتها الشخصية وكانت تقتنع برأيى وتنفذه وفى يوم جمعة الغضب استيقضت ابنتى رحمة وخرجت لأداء صلاة الجمعة فى الجامع وبعد رجوعها سمعنا صوت مظاهرات فى الشارع فذهبنا للبلكونة وجدتها مبتسمة وقامت بإطلاق العديد من الزغاريد ولا أعرف ما السبب و فجأة اختفت رحمة ولم نشعر بها بعدما غيرت ملابسها ونزلت الشارع وعلمت أنها ذهبت إلى المظاهرات وأحد أبناء المنطقة أخبرنى بهذا ونزل أيضا ابنى للمظاهرات ولم أكن أعلم أنهما فى نفس المظاهرة... وهنا تحدث إبراهيم فى حزن شديد قائلا: عندما وجدتها فى المظاهرة صدفة كنت خائفا جداً عليها وهى أيضا كانت خائفة علىَّ وكانت تقول لى «متبعدش خليك جنبى هنا» وفجأة ضربها القناص رصاصة فى «دماغها» جاءت عربية إسعاف قصر العينى وأخذتها وكنا نتشاجر مع الأمن المركزى حتى يجعلنا نمر بعربية الإسعاف ووصلنا قصر العينى أجرت عملية هناك وفى نفس الوقت جاء ضباط الشرطة جعلونى أمضى إقرارا أن أختى توفيت بالسكتة القلبية وليس بطلقة نارية ومضيت الإقرار لأنه لم يكن بيدى فعل أى شىء آخر.
وبعدما خرجت رحمة من غرفة العمليات توفيت إثر هذه الطلقة النارية وكانت هذه هى نهاية رحمة التى خرجت فى المظاهرات تهتف ضد الظلم الذى لاقاه والدها وجاء الخبر إلى والدتى كالصاعقة التى نزلت إلى الشارع منهارة وكانت تتحايل على موظفى قصر العينى أن يدخلوها لترى الشهيدة رحمة.
ثم أكملت أم رحمة: كل ما أريده الآن أن يخرج زوجى من السجن لأنه مظلوم وأنا تقدمت بالورق والقضية إلى النائب العام الذى تقدم إلى بالعزاء ولكن أتمنى هذه المرة أن ينظر فى طلبى، وشكواى وألا توضع فى الأدراج كما كان يفعل بها سابقاً.؟
الشهيد سيف مصطفى 16 سنة:
آخر العنقود
الشهيد سيف مصطفى سيف وهو صغير
«حرمونى من حبيبى.. آخر العنقود.. الذى لم يفارقنى يوم.. حسبى الله ونعم الوكيل». كانت هذه الكلمات التى خرجت من أم الشهيد «سيف مصطفى» ذو الـ 16 عاماً.. كان صغيراً ولكن أحلامه كانت تصل إلى عنان السماء.. أراد أن يصبح مهندساً كبيراً لذا قرر أن يدخل «علمى رياضة».. أنهى يومه الأخير فى امتحان نصف العام يوم الخميس 27/1 وأصر يوم الجمعة على الخروج مع أصدقائه، رفضت والدته بشدة وحاولت منعه جاهدة لكنه أبى، وقال لها: «إنسونى يا ماما.. دى أجازة» وخرج.. خرج وهو لايعرف ما يخفيه له القدر».
تقول مدام عبير والدته قبل يومين من الحادث وجدته يسأل خاله.. هل الرصاص يؤلم؟! فرد عليه خاله ضاحكاً.. نعم يؤلم ولكن إذا أصاب القلب أو الرأس يودى بالحياة على الفور.. وبالفعل هذا ما حدث وأصيب حبيبى برصاصة فى رأسه ومات على الفور تبكى ثم تحاول التماسك فتقول «سيف لم يكن يعرف ما معنى الثورة وجلس مع والده قبلها ليشرح له، ولكننا لم نكن نتوقع أن المظاهرة السلمية يمكن أن تنقلب بهذا الشكل ويموت الكثير من الشباب جزاءً لهم على مطالبتهم بأقل الحقوق الإنسانية.. ولم أكن أتوقع أن ابنى يقتل لمجرد أنه كان يمر أمام «قسم أول مدينة نصر» وبرصاص أحد الضباط القناصة، وهناك شهود عيان على هذا.
ونحن الآن بصدد رفع قضية على الحكومة للأخذ بثأر ابنى فلزة كبدى.. أتساءل ويكاد يصيبنى الجنون لما حدث فهو مجرد طفل برىء.. ما ذنبه هو إذا كان هناك قسم يحرق أو يسرق، ثم يدخل جده فى الحديث قائلاً: كان سعيداً بإنهائه الامتحانات لأنه يبذل مجهوداً كبيراً فى المذاكرة وكان يستعد للخروج وقضاء الوقت مع أصدقائه لا أكثر.. وتقول خالته «قالوا عليه إنه من «حماس»!!
وهذا لأن والدته فلسطينية.. ولكن أباه مصرى.. كانوا يحاولون تشويه صورته.. وللعلم لم يكن سيف الوحيد الذى أصيب بطلق نارى فى رأسه عند مروره أمام القسم بل كان هناك العشرات.. وقالوا لنا فى المستشفى إن سيف هو أفضل حالة وصلت لهم. وتقول أمه.. استقبلنا مستشفى التأمين الصحى بعد أن رفضت أكثر من مستشفى استقباله مثل «دار الحكمة، وعباس العقاد» وقالوا إن المستشفى غير مجهزة لاستقباله.. ولا أعلم كيف تكون هناك مستشفى غير مهيأة لاستقبال الحالات الحرجة!!! وتبكى مرة أخرى ثم تقول.. ابنى شهيد وهو حى عند الله ولكن قلبى يؤلمنى.. فهو ابنى وأفتقده كثيراً.. الآن لدى ابنى الأكبر حماه الله ولكن «سيف» كان لعبتى ولم يفارقنى لحظة.. «إنا لله وإنا إليه راجعون».؟
الشهيد المهندس أحمد أهاب
عريس الشهداء
احمد اهاب ببدلة العرس عريس الشهداء
- عريس لم يمر على زواجه ثلاثة شهور مع فتاة أحلامه بنت الجيران.. التى كان يحلم أن يقضى باقى حياته معها.. لكنه لم يكن يعرف أن حياته سوف تنتهى بعد ثلاثة شهور من زواجه.. القدر لم يمهله الوقت الذى كان يتمناه.. طالته يد الغدر الآثمة يوم جمعة الغضب.. ترك منزله مودعاً زوجته ووالدته اللتين كانتا تطلبان منه البقاء وعدم الذهاب.. لكنه أصر قائلاً: «عايز أقف مع الناس ضد الظلم والفساد ونجيب حق الغلابة».. هنا بدأت مها زوجة الشهيد أحمد أهاب الذى لم يتعد - 27 سنة - مهندس ميكانيكا - كلامها قائلة: عندما علم زوجى بيوم الغضب أصر إصراراً شديداً بأن يكون مع الغلابة بيطالب بحقهم ضد الفساد الذى ظهر مؤخراً فى البلد.. فاتفق مع أصدقائه لكى ينزلوا وينادوا بمطالب الشعب المقهور من الذل والفساد.. وهنا وقفت ضده وحاولت أقنعه أنا ووالدته عدم النزول لكنه أصر وقال لى: «حان الوقت لكى نتكلم ونطالب بحقنا كفانا سكوت وظلم» وكان هذا الكلام ليلة الجمعة..
وبعدها بدقائق رن تليفونه المحمول وكان أحد أصدقائه يتحدث معه عن العمل وكيف ستكون الأوضاع يوم السبت.. لكننى فوجئت برده قائلاً: «هو الواحد ضامن عمره مش لما يعيش لبكره الأول».. وكان آخر كلام قلته له فى صباح يوم الجمعة» «جمعة الغضب»: «حاول ألا تتأخر على» ورد على قائلاً: «هما يدوب ساعة زمن وحاجى على طول، ادعى إن ربنا يستر.. وخلى بالك من نفسك».. وكأنه كان يعلم بأن شيئاً ما سيحدث له ونزل بعدها.. وبسبب انقطاع الخطوط التليفونية لم أستطع الوصول إليه.. حتى مر يوم الجمعة ولم أعرف عنه أى شىء ولم يعد أحمد إلى البيت.. ازداد قلقى وخوفى عليه.. وفى صباح السبت اتصلت به لكن تليفونه كان مغلقاً.. وعلى الفور بدأت بإجراء الاتصالات التليفونية بأصدقائه حتى أطمئن عليه لعل بات مع أحد أصدقائه الذين ذهبوا معه إلى الثورة.. لكنهم صدمونى بردهم حيث قالوا لى: «إحنا تركناه خارج الميدان وكان راجع إلى البيت.. هو لسه مجاش..» وهنا شعرت بأن حدث له مكروهاً.. وبدأت على الفور البحث عنه فى المستشفيات حتى وجدته جثه هامدة فى مستشفى «الحسينى التعليمى».. حيث استشهد برصاصة فى الرأس.. وكان بملابسه ومعه تليفونه المحمول وبطاقته الشخصية.. لكن الغريب هو من الذى نقله إلى المستشفى ولماذا لم يتصل بنا لكى يخبرنا؟!.. فقبل أن يحدث كل هذا كنا نخطط لقضاء أسبوعين فى الخارج.. كما كنا نخطط لرسم مستقبل أطفالنا الذين اتحرمت منهم.. فإن هؤلاء الفاسدين والمخربين حرمونى منه للأبد.. فرغم ألمى وحسرتى على حبيب عمرى الذى من الصعب أن أجد مثله فى الوجود.. ألا أننى فخورة به لأنه شهيد وسيكون من الأحياء عند الله.. ؟
مسابقة لاختيار أفضل تصميم نصب تذكارى لشهداء ثورة الغضب ..... نهى العليمى
قامت جمعية نهوض وتنمية المرأة اعترافاً بأهمية الدور الذى قام به شباب مصر من خلال المطالب المشروعة التى نادى بها للقضاء على الفساد وأن يحيا حياة كريمة، وتكريما للشهداء الذين لم يترددوا لحظة فى إهداء دمائهم وأرواحهم فداءً لهذا البلد بتنظيم مسابقة للشباب بعنوان «أبطال مصر الحقيقيون» لتقديم أفضل تصميم لنصب تذكارى بأسماء هؤلاء الشهداء ليتم وضعها فى ميدان التحرير حتى نخلد أسماءهم عبر التاريخ.
وتدعو الجمعية جميع الشباب الذين يملكون الموهبة للمشاركة فى هذه المسابقة وتقديم تصوراتهم وتصميماتهم حول هذا النصب التذكارى وإرساله على الجروب الذى أنشأته الجمعية على موقع الفيس بوك باسم «مسابقة للشباب لاختيار أفضل تصميم لنصب تذكارى لشهداء ثورة الغضب يوم 25».
وصرحت د.إيمان بيبرس- رئيسة مجلس إدارة جمعية نهوض وتنمية المرأة بأنه سيتم تقييم هذه الأعمال من خلال تصويت الشباب أنفسهم على موقع جروب المسابقة، كما أضافت إنه سيتم إنشاء هذا النصب التذكارى بالجهود الذاتية وبمشاركة جميع فئات الشعب المصرى فإذا تبرع كل فرد بجنيه واحد فقط سنستطيع أن نشيد لهؤلاء الشهداء شيئاً بسيطاً لنخلد ذكراهم فى بلدنا.؟