«كفر مصيلحة».. أقلية صامتة بحكم القرابة.. وأغلبية تحتفل بـ«قرار التنحى»
كتب على السطوحى ١٥/ ٢/ ٢٠١١
[ هنا شارع حسنى مبارك]
هنا شارع حسنى مبارك
هنا «كفر مصيلحة».. القرية التى ولد فيها الرئيس مبارك، التابعة لمركز شبين الكوم محافظة المنوفية، هنا عاشت الأسرة والأقارب ٣٠ عاما فى رغد أنهم من آل مبارك.. وهنا استقبلوا ثورة ٢٥ يناير وما تبعها من قرارات أسقطت نظامهم.
هنا.. فى الكفر خرج غالبية الأهالى الذين ضاقوا ذرعا بفترة حكم مبارك إلى الشوارع فرحا برحيله مساء الجمعة ١١ فبراير ٢٠١١، ومزقوا صورته المعلقة فى الشارع الرئيسى، فضلا عن لافتات التأييد التى سبق أن رفعها الأهالى بشعارات «نعم لمبارك.. لا للعملاء والدخلاء» و«شعب مصر فداك يامبارك».
عندما أعلن عمر سليمان، نائب الرئيس، تخلى مبارك عن منصبه، طار «أحمد القرش» فرحاً وتبادل الأحضان مع أصدقائه مبررا: «حاسس بعيد وفرح، وحاسس إننا أخدنا كاس الأمم الأفريقية، أخيرا هتطلع شمس الحرية والأمل، وتغيب ظلمة القمع والظلم والطوارئ والبطالة».
«القرش»، فى بداية الثلاثينيات من العمر، ينتمى لشريحة كبيرة من أهالى «كفر المصيلحة» التى ترى أن «مبارك» لم يقدم شيئا لأهل بلدته، بل إنها أصبحت أكثر فقرا وبطالة فى سنوات حكمه. «القرش» الذى يعتبر نفسه «ضحية لنظام مبارك» يحمل شهادة الثانوية الأزهرية: «حسيت مفيش فايدة، هكمل ليه؟، بشتغل من ٥ ابتدائى، وكنت بهرب من المدرسة عشان أشتغل، اشتغلت فى فرن وحلاق وحاليا سواق على ميكروباص»، لكن بعد رحيل مبارك تبدلت الأحاسيس تجاه الشهادة الجامعية «لأول مرة أحس أن الشهادة هيكون لها قيمة، هى دى اللحظة الوحيدة اللى حسيت إنى عايز أكمل دراستى تانى».
الحاج «عز الرجال مبارك»، فى السبعينيات عمرا، وهو من أقارب الرئيس مبارك، الذين التزموا الصمت ورفضوا التعليق على تنحى مبارك، واختصر حديثه قائلا «معنديش كلام أقوله، كلامى لا هيقدم ولا هيأخر، وريح نفسك محدش من أقارب الريس هيسجل معاك».
مسرعا خرج «محمود عبدالواحد»، فى منتصف الخمسينيات، يعمل مدير عام فى هيئة الطرق منذ ٢٥ عاما حتى وصل راتبه إلى ٧٥٠ جنيها، لم تبد علامات الفرح على وجهه بعدما علم بخبر رحيل مبارك «هيحصل إيه لو كان كمل الشهور دى، الريس كان كويس، لكن الشلة اللى حواليه ضيعته».
من شارع «حسنى مبارك»، سافر ابن الثلاثينيات «أحمد مطاوع» إلى القاهرة للانضمام لمتظاهرى التحرير ليردد «الشعب يريد إسقاط النظام».. «مطاوع» مدرس تربية رياضية ومدرب كرة يد، غير متزوج، ويذكر أسباب ثورته على نظام مبارك: «نريد تغيير، حرية، عدالة اجتماعية، كفاية ظلم واضطهاد وقمع، حاسين إننا مضطهدين جوه بلدنا، فين دخل السياحة والبترول وقناة السويس، مش معقول عندى ٣٣ سنة ومرتبى يدوب بيعيشنى لوحدى».
يتحدث «مطاوع» عن المشكلات التى تواجه الشباب فى كفر المصيلحة «الفقر والبطالة والسكن والتهميش الفكرى، محدش يقدر يعبر عن رأيه»، ويعتبر أن أفضل ما قدم مبارك لهذه البلدة «أنه مدخلش تانى، لأنه مش محبوب، محدش فى البلد كان مستنى منه حاجة، كنا محتاجين يعمل حاجة لمصر».
يتحدث «حسين» عن أهالى كفر مصيلحة قائلا «بفضل الله الريس ملهوش أى تأثير أو خدمات فى البلد، وتحولت من قرية إلى حى من أحياء شبين بمجهود ذاتى، مفيش أى هوية للشباب، بالنهار على القهاوى وبالليل قدام الدش، وبنادى فى الميكروفونات عشان الناس تشارك فى الانتخابات، وللأسف محدش بيروح»، وأضاف بحسرة «مصر لو تبطل سرقة لسنة واحدة هنسدد الديون اللى علينا».
الفيلات والقصور والعمارت التى ترتفع لأربعة وخمسة طوابق تحجب رؤية الزائرين عن جانب منسى لشريحة عريضة من أهالى «كفر المصيلحة»، يعيشون فى بيوت بدائية إلى جوار القبور والأراضى الزراعية، وبالكاد يوفرون تكاليف حياتهم اليومية.
فى بيت خشبى وسط الأراضى وعلى مقربة من القبور تعيش السيدة «قمر»، فى منتصف الستينيات، لأسرة من ثلاثة أولاد وزوج مريض، قارب على التسعينيات، يجلس طريح الفراش، وتقوم هى بتوفير نفقات بيتها من خلال الخدمة فى البيوت «معاش جوزى ١٢٥ جنيه، ومابيكفيش العلاج، وعشان نعرف نعيش بقيت بغسل على إيدى فى البيوت، واللى ربنا بيسهل به بنعيش منه».
اسمه «حاتم مصطفى»، المهنة «خطيب وإمام مسجد الأنصارى» الذى يبعد أمتاراً عن «كفر المصيلحة»، وكانت التعليمات منذ بدء المظاهرات الشعبية بضرورة التركيز على «الوحدة ونبذ الفرقة»، «حاتم»، فى نهاية العشرينيات من العمر، متزوج منذ ما يقرب من عام، وليس لديه مهنة سوى الخطابة فى هذا المسجد، التى يحصل منها على مرتب ٢٤١ جنيهاً، التزم طوال الفترة الماضية بـ«المحظورات» من وزارة الأوقاف وأمن الدولة، يقول: «لم يكن مسموحا الحديث عن العلاقة بين المسلمين والمسيحين، الجهاد، الظلم، العدل، وكانت توضع توضع دائرة حمراء على أى شاب أقل من ٤٠ عاما يصلى الفجر فى المسجد».