بالله عليك كيف يمكن أن تكون الزوجة قطة علي سرير الحب الساخن مع زوج يقوم ليلا ليسرق قطع اللحم من حلة الخضار؟
ظلت هذه الكلمة تدق رأسي منذ سمعتها من امرأة شاهقة الحيوية، تكاد أنوثتها تعزف موسيقي الترحيب بمن يستطيع العزف علي أوتار أحاسيسها.
ولم أنزعج حين نطقت الكلمة، لأني أعرف تفاصيل الإجراءات التي دفعت بها إلي الحياة مع هذا الزوج الذي أظهر من دناءة التفاصيل ما يمكن أن يجعل أي امرأة تكره أنوثتها بسببه.
قصة زواجها ببساطة تقول لنا إن حق اختيار المرأة لشريك العمر عندما يغيب أو يتم تزويره يصبح الزواج حكاية تزدحم فيها البيوت بهواء الكراهية المكتوم والكئيب. وكلنا يعلم أن حق اختيار شريك العمر لم يعد يعتمد علي أغنية صباح الشهيرة «علي البساطة البساطة.. يا عيني علي البساطة»، فليس من المقبول أن يكون الإفطار قطعة من الجبن والعشاء قطعة من البطاطس.
ولكن قبل الإفطار والعشاء لابد من وجود الجدران الأربعة، وهي المسألة التي انتحر من أجلها مؤخرا شاب من علي كوبري قصر النيل، لأنه لم يستطع أن يحقق لحبيبة القلب تلك الجدران الأربعة، ولا حتي في الأحياء العشوائية، التي أقسمت واحدة ممن يقمن بعمليات الدراسة الاجتماعية بأنها سمعت من فتاة قصة اعتداء شقيقها عليها في منتصف الليل، ثم يقوم في الفجر كي يستحم ويصلي الفجر حاضرا، ويحرص علي مراقبة ملابس تلك الشقيقة كي لا تخرج غير محتشمة.
وطبعا هذا الشاب خريج كلية تجارة بدرجة مقبول، ويعمل في محطة بنزين، وشقيقته تقدم عشر ساعات من حياتها يوميا حيث تعمل في محل لبيع الخردوات مقابل خمسة عشر جنيها، تصرف منها ثلاثة جنيهات مواصلات وخمسة جنيهات لوجبتي الإفطار والعشاء ولابد أن تسلم الأب التمرجي بالمستشفي الحكومي بقية النقود وإلا فلسوف يمنعها من العمل. وهي كما تعترف للباحثة الاجتماعية أنها تخرج إلي العمل لعلها تلتقي بواحد ابن حلال يمكن أن يأخذها من حادث الاعتداء اليومي عليها. وتحلم طبعا أن توقع بصاحب المحل المتزوج من زوجتين، ويمكن أن يحقق لها حلمها في شقة ولو من غرفة وصالة، ولكن الوحيد الذي تقدم لها هو أمين شرطة في المرور، قال لها أنه يكسب كثيرا، خصوصا بعد قانون المرور الجديد.
ولكن لماذا ننظر إلي قاع المجتمع العشوائي ولا نلتفت إلي الحكاية التي توقفت عيناي عند صاحبتها، تلك الحلوة مروة التي يقوم الزوج الثري بسرقة قطع اللحم من الخضار.
عندما نعود إلي الشكل الخارجي لتلك المرأة الحلوة، قد لا ننتبه إلي كيفية إتمام زواجها، فهي تنتمي لعائلة كانت مستورة عندما كان الأب وكيل وزارة، ولكن ما أن أحيل الأب إلي التقاعد، لم يبق له سوي الجلوس في شمس نادي المعادي شتاء وانتظار نسمة هواء بين أشجار المعادي صيفا، وهو يهمس للبنت التي بقيت دون زواج علي الرغم من أنها تعمل بثلاثة آلاف جنيه في الشهر داخل إحدي الشركات التي تملأ رءوسنا بصداع الإعلانات في أي تليفزيون لبيع اللحوم المحفوظة. وطبعا كان شقيق صاحب الشركة هو الشخص الذي تقدم إليها راجيا أن تقبله زوجا. ولم تلتفت إلي أنه طويل وعريض وضخم وصاحب كرش هائل. ولم تنتبه هي إلا أن أنفاسه حين يقترب منها تبدو كريهة كأنه لا يفتح فمه، بل يفتح صفيحة زبالة. وحين عرض عليها الزواج لم تفكر في رائحة صفيحة الزبالة التي تفوح من فمه، فكرت في الشقة الفارهة التي يملكها هذا الرجل والإمكانات المادية الرهيبة والسيارة العالية القيمة، ووافقت بسرعة كما وافق الأب بسرعة. وطبعا تم الزفاف في أفخم فنادق المدينة. وبدأت رحلة الزواج بصعوبة بالغة، وكانت أثناء العناق تنظر إلي دولاب ملابسها الذي ازدحم بملابس كلها «سينييه» أي من بيوت الأزياء العالمية، فضلا عن الحقائب «لوي فيتون» و«بيربري»، وطبعا كان في الحمام مضمضة أسنان من لندن، وقد طالبته بأن يتمضمض أكثر من مرة قبل الدخول إلي السرير ولكن لا فائدة.
ولم تشعر أبدا بأي اكتمال يصل بها إلي الذروة إلا لحظة وضع المولود الأول. وكانت ترقب كل تصرفاته، فتعرف أنه يستخدمها للعرض فقط، بمعني أنه بلا عاطفة علي الإطلاق، فكل ما في حياته هو للمظاهر، ومن أجل أن يرضي عنه شقيقه المستورد الكبير. وحين أصر وأقسم أن تحمل مرة ثانية لأنه يريد شقيقا أو شقيقة للابن، طلبت ببساطة أن يضع باسم الابن الأول ثلاثة ملايين جنيه في البنك. وأن يكتب لها شخصيا عمارة أقامها في وسط البلد يتم تأجيرها كمكاتب. ولأن كل المال متاح إلا أن الثلاجة هي المكان الوحيد المحرم عليه من قبل الأطباء، فهو مريض بضغط الدم المرتفع، ومريض بالسكر. ولابد أن يعيش علي نظام غذائي محدد.
ولما كان ذلك هو المستحيل الوحيد في حياته، وهو الامتناع عن الهوس باللحم الملبس الغارق في تسبيكة الخضار، والتي يوصي الطباخ بأن يضع منها ما لا يقل عن كيلو ونصف الكيلو مع أي صنف من الخضار لما كان ذلك هو المستحيل في حياته ، فقد حاولت حفاظا عليه أن تنهاه . ولكنه مدمن طعام .
وطبعا صار من الطبيعي - وهي حامل للمرة الثانية - أن ترقبه كل ليل وهو معرض لنوبات الإغماء بسبب ضغط الدم المرتفع، كما أن رائحة أنفاسه بالأسيتون الناتج عن ارتفاع مستوي السكر بالدم، يتطابق مباشرة مع رائحة دورات المياه.
عاشت مروة خمس سنوات في هذا الجحيم المكبل بزواج كفل لها مستوي مادي عاليا، وفي نفس الوقت لم يترك لها هذا الزوج ولو فرصة السفر إلي تخيل رجل آخر حين يحتضنها وينهي عناقه لها في ثوانٍ معدودة، ودون قدرة علي إروائها.
وطبعا كان يلحظ هو سخطها الشديد وسرعة تلاحق أنفاسها بعد أي عناق بينه وبينها. وحين طالبته بعرض نفسه علي طبيب، قال لها: «أنا من طريق وأنت من طريق.. هل تطلبين مني أن أدخل علي طبيب وأقول له: أنا غير قادر علي عناق زوجتي؟».
وحدث ذات مرة بعد حوارها معه عن ضرورة الذهاب إلي طبيب أن بدأ في عناقها، ثم حاول خنقها بيديه، فصرخت ليصحو الخدم في المنزل. ولم يشأ الرجل أن تستمر الفضيحة أكثر من ذلك، فطلب المأذون ليكتب ورقة الطلاق. وتنازل لها عن الشقة طوال ما هي حاضنة للأولاد، الابن الذي في الرابعة والبنت التي ولدت حديثا. واشترط عليها أن تترك الشقة وتتنازل عن حضانة الطفلين إن تزوجت واحدا غيره.
ووافقت.
ثلاث سنوات وهي علي هذا الحال، سابحة في إمكانيات الزوج السابق الذي كان يقوم بالليل ليفتح الثلاجة ويسرق قطع اللحم من حلة الخضار، وهي التي مازالت تخرج إلي العمل في شركة أخري كمندوبة علاقات عامة. وتعاني من الأرق في ليالٍ كثيرة، ولا يلهيها عن الأرق سوي الدخول علي شبكة الإنترنت والفيس بوك لتختار صداقات مع شباب في مثل عمرها.
واقتنعت بالصداقة مع واحد منهم، خريج جامعة أمريكية، يبحث عن استكمال دراسة بالخارج.
ومن فرط دخولهما إلي منطقة الخصوصية التي كشف فيها كل منهما للآخر عن أشواقه في حياة مكتملة، من فرط تناول مثل تلك الأمور، كان لابد من اللقاء في شقة هذا الخريج الذي يستعد للسفر إلي الولايات المتحدة لاستكمال دراسته هناك.
كان يعلم أنها غير قابلة للزواج بشكل علني لأنها تخاف علي الشقة وعلي مصروف البيت الذي يدفعه الزوج السابق.
وكانت تعلم أنه غير قابل للزواج لأن والده ليس ثريا بالحد الذي يكفل له حياة في مستوي المعيشة الذي تحياه.
ولاحظت أنه يعرض عليها الزواج العرفي كيلا يكون لقاء أي منهما في شبهة الحرام. وكأن الحرام هو مجرد التلاقي الجسدي، علي الرغم من أنها تعترف بأن حياتها منذ قبلت الزواج والإنجاب من الرجل السابق هي كلها حرام في حرام.
ووافقت علي فكرة الزواج العرفي دون كتابة أي ورقة تسجل هذا الزواج. ولاحظت أن دورتها الشهرية انتظمت بعد أن عاشت لسنوات مع آلام لا تطاق حين كانت مع الزوج الأول الذي لم تصل معه إلي أي اكتمال، عكس حياتها مع الزوج العرفي الذي عرفت فيه آفاق متعة التلاقي بين رجل وامرأة يجيدان السباحة في بحر العناق الجميل.
ثم حدث المكروه الصعب، وهو تجربة الحمل خارج الرحم، فعلي الرغم من أنها استخدمت وسيلة منع الحمل التي تنجح بنسبة تفوق التسعة والتسعين بالمائة وهي اللولب، إلا أن الحمل قد يحدث، وآه من حدوثه خارج الرحم.
وطبعا كان من الصعب ألا تخبر أمها بالتفاصيل، وكان من العسير علي الأب أن يعلم بكل ما فعلته ابنته.
وقبلت الأم بجسارة أن تذهب مع الابنة إلي المستشفي لإسقاط الجنين المشوه، ولم يتحمل الأب تلك الأزمة فخر ميتا تحت شجرة في نادي المعادي.
واختفي الشاب العاشق بعيدا عن العيون، ولم يعد أمام المرأة الحلوة سوي العلاج النفسي. ومازالت مروة تذهب إلي العلاج النفسي، لأنها ببساطة تعاني من نوبات تضرب فيها أبناءها بوحشية، ثم تبكي كثيرا بعد نوبات تعذيب الصغار، وهي حين تري الولد علي وجه التحديد تتذكر كيف أنجبته من زواج أبله، ومن زوج طمع في جمال امرأة لم يستطع أن يوفر لها اكتمالا عاطفيا، وتري الابن صورة طبق الأصل من والده.
ولعل أسوأ ما حدث للابن فور بلوغه السابعة من العمر هو حالة السرحان وتقرير المدرسة الأوروبية التي يدرس فيها وهو التقرير الذي يؤكد أن الابن ذكي ولكنه غير قابل للتعلم من فرط سرحانه. واستجابت لنصيحة مديرة المدرسة بأن تعرض الابن علي طبيب نفسي.
وهكذا صارت الأم والابن من زبائن عيادة الطبيب النفسي، ولا يوجد لدي الطب النفسي معجزة تسد وتردم الفجوة بين الحياة التي صنعتها المظاهر وماركات الملابس والسيارات، وبين الحياة الفعلية بما تطلبه من قدرة اثنين علي تحمل أعباء حياة زوجية فيها قبول ورضا ومحاولة كل من الزوجين الاكتمال مع الآخر، لا الغرق في الأنانية.
وطبعا كان علي الطبيب النفسي أن يلحق مريضته الأنيقة بجلسات العلاج الجماعي للمطلقين والمطلقات، والعلاج الجماعي هو نوع من تطبيق المثل الشعبي المصري الدارج «من شاف بلاوي الناس.. تهون عليه بلوته».
في نادي المطلقات سمعت ورأت مروة العديد من حالات قامت بالتخفيف من قسوة إحساسها بظروفها، فمثلا هاهي فاطيما بنت رجل أعمال شهير، تدير حركة التصدير والاستيراد في شركة والدها، وهي من تزوجت بابن ذوات مثلها حسب نصيحة الأب، لأن بنات الأثرياء يجب أن يتزوجن من شباب في مثل ظروفهم، ولكن الشاب الثري الذي تزوجته كان يعانقها مرة واحدة في الشهر، وينتهي من تجربة العناق في ثوانٍ معدودة، وضبطته أكثر من مرة مع الخادمة الفلبينية. ولم يعد أمامها سوي الطلاق مع وجود ابن لها. وهي تصف هذا الابن بأنه مسخ، لأن والدها أحضر له مربية أيرلندية، وهي مربية صارمة النتيجة أن الأبن لا يتقن العربية رلا يتحدث إلا بالانجليزية ، يسخر منه زملاؤه في المدرسة .
ولم يلتفت والدها إلي أن ابنته أقامت علاقة مع شاب فلسطيني يدير عددا من الملاهي الليلية، وهو من قالت عنه للطبيب النفسي «إنه يعرف مفاتيح البهجة في جسدي»، وحين علم والدها بتلك الحكاية حاول أن يزوجها بالشاب الفلسطيني، ولكن الشاب الفلسطيني أصر علي ألا يطلق زوجته التي أنجبت له خمسة أبناء. ولم يكن هناك مفر من أن تحاول «فاطيما» أن تقطع علاقتها بالشاب الفلسطيني دون جدوي، فهي كما تعترف للطبيب النفسي بأنها تدمنه.
وتضحك فاطيما حين تروي للطبيب النفسي كيف حاولت أن تستفيد من تجربة إحدي الخادمات اللاتي يعملن في منزلها، حين قالت لها «الراجل من دول زي الشبشب ممكن تخلعيه من رجلك لما تجربي رجل ثاني». وحاولت فاطيما تجربة رجل ثانٍ وثالث ورابع، ولكنها كانت تعود دائما إلي الفلسطيني الذي يعرف مفاتيح البهجة.
وسمعت مروة أيضا قصص العديد من العاملات بالخليج اللاتي تزوجت الواحدة منهن بعد أن اقترب قطار الأنوثة علي الرحيل، فالعديد منهن تزوجن من أول طارق لطلب الزواج. وما أن تتزوج الواحدة منهن حتي تكتشف أن صرف المرأة علي الرجل يجردها من إحساسها بأنها في حماية رجل، بل هناك رجل يطلب حمايتها. وتلك المشاعر تصيب العديد منهن بالبرود العاطفي، فتشعر المرأة أنها تستأجر أداة للعناق، ولا تملك علاقة عاطفية مكتملة. ؟؟ أعرف العديد من تلك القصص، وأعلم أن من أكبر أسباب تلك التجارب المريرة أن المرأة في الشرق يختلف إحساسها بجسدها عن المرأة في الغرب، فالمرأة في الغرب تعلم يقينا أن جسدها هو ملكية خاصة بها، وأنها قد تبحث لنفسها عن متعة مؤقتة، مثلما رأيت أنا بأم عيني طبيبة شابة في الولايات المتحدة تقول بمنتهي البساطة «نعم لي أكثر من صديق، ولا أدخل في تجربة زواج، لأنني لا أريد تقييد نفسي بمسئوليات رعاية إنسان آخر»، وعندما سألتها عن مشاعر الإحساس بالذنب، أجابتني ضاحكة: أنت من الشرق العربي وأنا قمت بعلاج العديد من السيدات من بنات الدول الثرية في منطقتكم وهن يعانين من مشكلة التربية التي تغرس في أي واحدة منهن يقينا بأن جسدها هو هبة لها من السماء وعليها أن تتبع القواعد السماوية في أي علاقة. ولكن السماء في زماننا بعيدة جدا عن الأرض، فالسماء لا تقبل وجود ثراء مبالغ فيه في دول لا تعلم أبناءها وبناتها سوي الهوس بالحب ولا تتيح للمرأة أو الرجل حق اختيار شريك العمر، أو حق رعايته رعاية لائقة.
وتؤكد لي الطبيبة النفسية الأمريكية بأن الشرق غارق حاليا في تقليد الغرب دون قدرة علي اكتشاف عقول مبدعة يمكن أن تطور من المجتمعات، فالعقول المبدعة تسافر إلي الغرب لتستريح فيها، وأنت لن تجد عالما في الكيمياء من المنطقة العربية اللهم إلا بعض ممن يأتون من أبناء الحضارات القديمة مثل مصر وإيران ولبنان. ولكن المجتمعات القبلية، فيمكنك أن تلتقي ببعض من الشخصيات الرائعة جدا في فنون العبث ولعب القمار ليلا مع المشاركة في أي مظاهرة تتحدث عن منع اضطهاد المسلمين في بعض البلدان الغربية. وطبعا مثل تلك الشخصيات تمارس خطيئة شراء التخلص من مشاعر الذنب بهوس التدين نهارا وهوس اللذائذ ليلا.
وطبعا تتعلق العيون أحيانا بمشاهد الحب علي كباري القاهرة المحروسة، ولا يسأل أحد عن حق تدريب الشاب والبنت أثناء الدراسة الجامعية علي مهنة ما تتيح لها أن يعمل، بدلا من أن يظل الحب معلقا بطلب النداء والتلامس علي شط النيل، حيث يلوح في قاع النهر مشهد الجثة للشاب الذي شنق نفسه لأنه لم يعرف كيف يوفر للحبيبة تكاليف زواج مقبول.
وطبعا لم يقل أحد أن التربية الجنسية وحدها لن تعلم الشاب كيف لا يكون أنانيا حين يتزوج فيتمهل عندما يعانق الزوجة، خصوصا أن البنت في الشرق مطلوب منها أن تكون في نقاء العذراء مريم عندما تخرج للمجتمع، وتكون في ضراوة أشواق تحية كاريوكا للعناق في فيلم شباب امرأة فور أن ينغلق عليها مع زوجها باب غرفة النوم.
وأما عن الرجال الذين يحترفون روايات قصص كاذبة عن علاقات ما قبل الزواج، فعليم معرفة حقيقة يؤكدها علماء الصحة الزوجية، وهي أن كل تجربة عناق بين أي رجل وامرأة تزدحم بالعديد من المؤثرات، لا تدخل فيها سابق الخبرة، لأن من خصائص العلاقة الحميمية هي أنها علاقة تبدأ دائما في كل مرة وكأنها أول مرة. هذا ما أكدته لي الطبيبة الصديقة كلوديا بلاك إخصائية الطب النفسي الأمريكية، ونشرت هذا الرأي مدعما بالحقائق المكتملة في كتبها «قطعة الشطرنج الناقصة»، وهو كتاب تقول فيها أن كل لقاء مكتمل بين رجل وامرأة لا يمكن أن يكون مثل تسميع جدول الضرب، لأن مثل هذا الأمر ينزع عن اللقاء إحساس الدهشة، وحين يفقد الزوجان القدرة علي الدهشة حين يتعانقان، فعليهما بحث الأمر مع الاستشاري النفسي».
وحين كررت د. كلوديا هذا الرأي أمامي، قلت لها ضاحكا «تبحثين عن حق الرجل والمرأة في الدهشة، عندنا في الشرق قد يفتح الرجل فمه بالدهشة إن وجد جزارا يبيع كيلو اللحم أرخص بثلاثة جنيهات عن جزار آخر. وتفتح المرأة فمها بالدهشة إن نجح الابن في حل امتحانات الإعدادية دون أن يكون قد تدرب علي حل أسئلة مشابهة. وتبحثين عن حق الرجل والمرأة في الدهشة العاطفية علي الرغم من أن صاحب السيارة في أصغر أحياء القاهرة وأرقاها يظل يدور بسيارته لمدة ساعة كي يجد لنفسه مكانا يركن فيه السيارة. وتطلبين حق الدهشة لبشر تزدحم خيالاتهم بأن الأسرة الشابة مطلوب منها أن ترعي نفسها صحيا علي الرغم من أن الحكومة تعلن ليل نهار عن مشروع تأمين صحي مكتمل، ومطلوب من الأسرة الشابة أن تعلم الأبناء في مدارس يتحول المدرس فيها لا إلي كائن يبسط العلوم كي يساعد الطلبة علي الفهم، بل يصبح المدرس صانع ألغاز مهمته إجبار الطالب علي طلب الدرس الخصوصي.
وهل بعد كل ذلك نسأل عن حق الاكتمال بالعناق المكتمل المرتوي الذي يقوم به رجل غير فاقد الثقة بالنفس، وتتفاعل أثناءه زوجة محملة بعبء التفكير في أقساط الجمعيات الشهرية». تضحك د. كلوديا: إياك أن تطلب مني تحرير فلسطين قبل أن يصل الرجل والمرأة إلي إتقان ممارسة الحب ؟
أقول لها: ليس المطلوب هو تحرير فلسطين، فحتي في الحرب هناك لحظة يتجاوز فيها الجسد الأنثوي كروب الحروب ليهب نفسه إلي رجل قادر علي العناق، وفي الحرب أيضا هناك لحظة يشتعل فيها رجل مع امرأة يمكن أن يكتمل معها بسعادة مؤقتة لا نظير لها.
تقول: إن أردت سعادة في الحب، فعلينا أن نعيد النظر في طريقة تأليف المجتمعات للشبان والبنات دون إبطاء مع توفير الحد الأدني المقبول لحياة أي اثنين.
وضحكت وهي تؤكد: تخطئ بعض المجتمعات عندما لا تعلم الأولاد والبنات حق الاختيار للمستقبل، لذلك تزداد الكثافة السكانية في تلك البلاد عن البلدان الأخري التي توفر للأولاد والبنات حق الاختيار للمستقبل.
ولم تغادرني أثناء كتابة تلك السطور صورة الشاب المعلق في حبل علي حديد كوبري قصر النيل، فهو العاشق الذي لم يستطع توفير مسكن لزواج مقبول.
وما أكثر من ألتقي بهم وهم مشنوقي الأرواح علي الرغم من أنهم لم يصعدوا بعد علي كوبري قصر النيل.