هنا إذاعة الثورة.. ميكروفون محمول ومكبر صوت وسماعة ضخمة ومسرح
كتب مها البهنساوى ١٢/ ٢/ ٢٠١١
ميكروفون صغير تلتقطه الأيادى فلا يهدأ صوته ولا يعرف طعما للراحة إلا فى وقت متأخر من الليل، يتحدث فيه كل أفراد الشعب، هو لسان حال غالبية الأحزاب والطوائف والحركات وحتى الأفراد العاديين فى التعبير عن آرائهم، يتداوله كل الطبقات، بداية من رجل السياسة بخطبه الرنانة، وصولا إلى رجل الشارع الذى يتحدث بالفطرة ويعبر عن رأيه بكلمات بسيطة، فهو بمثابة إذاعة مفتوحة ملك للشعب، ولكن فواصله لم تكن كلمة «هنا القاهرة» كما تغنت أم كلثوم منذ أكثر من ٥٠ عاماً فى أول أيام الإذاعة المصرية، ولكنها كانت «ثورة ثورة حتى النصر.. ثورة فى كل شوارع مصر»، وبعد إضافة إمكانات بسيطة للميكروفون تتمثل فى سماعات كبيرة ومسرح لا يحتمل أكثر من ٢٠ فردا تحول إلى إذاعة للمتظاهرين فى ميدان التحرير.
«هنا إذاعة الثورة» شعار رفعه عدد من شباب حركات وأحزاب مختلفة عندما فكروا فى إقامة إذاعة تتيح للموجودين بميدان التحرير أن يلقوا بكلماتهم على الملأ ليسمعهم أكبر عدد منهم، وانطلقت الفكرة منذ ليلة جمعة الغضب يوم ٢٨ يناير ٢٠١٠، وهو اليوم الذى أطلق عليه الشباب أنه يوم انتصار الثورة على الأمن المركزى، فبمجرد سقوط أفراد الأمن أمام قوة وتكتل المتظاهرين، الذين لم يفلح تفريقهم بالقنابل المسيلة للدموع، اختار الشباب رصيف ميدان التحرير الذى شهد تساقط دموعهم وشهدائهم، ليكون منبرا تنطلق منه هتافات الثورة.
البداية كما يرويها هيثم جبر- منسق بإذاعة الثورة وأحد أعضاء ائتلاف شباب ثورة مصر- جاءت عندما تجمع عدد كبير من المتظاهرين بالميدان وصل عددهم إلى ربع مليون، كان العشرات منهم يتجمعون معا لترديد الهتافات بشعارات مختلفة، فكانت أشبه بالجزر المنعزلة خاصة مع اتساع الميدان، ويضيف: «بمجرد تأليف الهتاف العبقرى «الشعب يريد إسقاط النظام» أردنا أن يعم المكان نفس النداء، ففكرنا برفع الميكروفون المحمول، وبمرور الوقت ازدادت الأعداد بشكل كبير ولم نعد نسمع بعضنا، ففكرنا فى شراء مكبرات صوت وسماعة كبيرة، وبالفعل جمعنا تبرعات من شباب معروفين لدينا من أصدقائنا فى بادئ الأمر مثل شباب حركة العدالة والحرية، و٦ أبريل والجمعية الوطنية للتغيير، ووقتها اشترينا سماعة كبيرة بمكبر صوت وميكروفون كبداية لتوحيد الشعار والهتاف من خلال إذاعة الثورة».
أيام قليلة ووصل عدد المتظاهرين إلى مليون، وتحت مبدأ «الحاجة أم الاختراع» تطورت الإذاعة خلال أيام فلم تعد سماعة واحدة قادرة على نقل الهتافات إلى جزء ولو بسيط من هذا العدد الكبير، فتوسعت دائرة التبرعات فقام شباب «ائتلاف شباب ثورة مصر» بجمع تبرعات من المتظاهرين وليس فقط أصدقائهم من الحركات والأحزاب المختلفة، وهى الخطوة التى قال عنها «جبر»: «تبرع عدد كبير لشراء سماعات كبيرة، فالرجل البسيط تبرع بخمسة جنيهات أو أقل، ولكنه لم يحرم نفسه من المشاركة فى ذلك، وهناك أيضا من تبرع بمئات الجنيهات طالما فى استطاعته، واشترينا أكثر من ٥ سماعات كبيرة ومكبر صوت وخشباً لعمل مسرح يرانا من خلاله الموجودون بالميدان ليتفاعلوا معنا بالصوت والصورة، كما شارك أحد أصدقائنا بمنضدة للمسرح وآخر بسجادة كبيرة لتغطى الخشب حتى اكتمل مسرح الإذاعة بجهود المتظاهرين».
بمجرد الاقتراب من مسرح الإذاعة تصعب معرفة من المسؤول عنه، ليس فقط لتوافد عدد كبير أمامه، ولكن أيضا للسماح لكل من يريد أن يلقى كلمة أو هتافا أن يصعد عليه ويعبر عن رأيه أو يلقى بيانه، ورغم ذلك وضعت له شروط حتى يظل مسموعا من الجميع ويحافظ على المصداقية، ذكرها «جبر» وقال: «شعار رفعناه كمنسقين للإذاعة وهو لا للشعارات الدينية ولا للطائفية ولا للدعوات لأى تيار على حساب الآخر، لأن ذلك بعيد كل البعد عن الهدف من الإذاعة وهو توحيد الهتافات وتعريف الموجودين بآخر الأخبار الواردة من تصريحات أو معلومات من وكالات الأنباء أو غيرها، وكذلك التنويه عن المفقودين فى بعض الأوقات، ولذلك وضعنا تلك الشروط لتكون ضابطا لكل من يريد أن يعتلى مسرح الإذاعة».
وأضاف جبر: على الرغم من أن الإذاعة تقدم بشكل ارتجالى دون «إسكريبت» مُسبق، فإننا فكرنا فى تقديمها بشكل لا يمل الجمهور منه، ففى اليوم الأول كان الميكروفون مخصصا للهتافات فقط، وفى اليوم الثانى بدأنا فى وضع خطة عامة وهى أن تكون البداية فى الصباح دائما هتافات لجمع الناس، وبعدها فقرات للغناء والشعر الوطنى، ثم الكلمات السياسية وآخر الأخبار، وأخيرا الفرق الغنائية والهتافات مرة أخرى.
على الجهة المقابلة لإذاعة «ائتلاف شباب ثورة مصر» عُلقت سماعات ومكبرات صوت أخرى بجوار أعمدة الإنارة، توجه صوتها مباشرة إلى الميدان، تبدو من الوهلة الأولى وكأنها تنافس مسرح الإذاعة، ولكنها لا تختلف عنه إلا فى قلة الإمكانات، شرح عمر السيد المحامى والمنسق العام لها، فكرة وجود إذاعة أخرى فقال: «احنا شباب حركة ٢٥ يناير كنا فى البداية ٥٠ فردا أردنا أن يصل صوتنا إلى المتظاهرين لنتفاعل معهم ونحمسهم فى الهتافات فقمنا بتأجير السماعات والميكروفون من أحد المحال الموجودة بالمنطقة، وبتلك الإمكانات البسيطة تم تكوين إذاعة ٢٥ يناير وتحدث من خلالها شخصيات عديدة مثل الدكتور محمد سليم العوا ومحمد البلتاجى وجمال زهران وجورج إسحاق وحمدين صباحى والمستشار محمود الخضيرى، وكانت أولى كلماتنا «ارحل»، ولم نكن منافسين لأحد ففى النهاية هدفنا واحد وهو إشعال الحماسة بالجماهير والاجتماع على قلب رجل واحد بكلمات واحدة، والآن وصل عددنا لمئات الأفراد أو آلاف يمسك كل منا الميكروفون لبضع دقائق، يلقى من خلاله الهتافات المختلفة، أو نعلن فيها آخر الأخبار».
http://www.almasryalyoum.com/multimedia/video