يمسك طارق عبده دياب في كتابه "شهرزاد في المسرح المصري المعاصر" بالوجوه المختلفة التي رسمها أدباء كبار وخلقوا منها شهرزادهم الخاصة بهم كما يكتب د. رفيق الصبان في التقديم، يحاول المؤلف إدخال المنطق في تفسير الخيال من أجل الوصول إلي أصل الأسطورة، والوقوف علي التعابير الأدبية والشعرية لأدباء كبار أوقعتهم شهرزاد في حبائلها.
من توفيق الحكيم الذي كانت شهرزاد الباب السحري الذي أدخله للمسرح، إلي شهرزاد عزيز أباظة الذي تنكر لها وأطلق علي افتنانه بها اسم شهريار، ولكن شهرزاد أباظة غلبته كما غلبت شهريار قبله، واحتلت متن المسرحية وخيالها كله. ثم علي أحمد باكثير الذي حاول أن يمسك بسر شهرزاد إلي أن قاده السر إلي متاهة لا تنتهي. وأخيرا نعمان عاشور الذي أفرد لشهرزاد حيزا سحريا في مسرحيته "لعبة الزمن".
عن حكاية شهرزاد في الأدب العربي، كان أول شعاع أرسلته شخصية شهرزاد في عالم الفن هو قصيدة العقاد في الجزء الأول من ديوانه الصادر عام 1916 وعنوانها "شهرزاد.. سحر الحديث"، وكان هذا أول دخول لقصص ألف ليلة وليلة إلي عالم الأدب العربي الفني في باب الشعر، ثم كانت مسرحية "شهرزاد" 1934 لتوفيق الحكيم. والحكيم حين يتناول شهرزاد يهاجمها طاويا في صدره شخصيتي العدو والحبيب في آن!
يقول الحكيم عن مسرحيته: "أبرز صورة للمبارزة بين الإنسان والمكان، فقد استنفذ شهريار في صاحبته كل ما أراد، ويحاول أن يرحل عن واقعه ومكانه، ويصطدم بخيانة شهرزاد فينتهي به الأمر إلي الشذوذ"، وهكذا صور الحكيم شهرزاد بالقمة البراقة التي تتهالك عليها مطامع الإنسان. أما مسرحية "شهريار" للشاعر عزيز أباظة فغايتها أخلاقية أن شهريار يخلع نفسه من الملك، وعليه تداوي شهرزاد الملك في تلك المسرحية الشعرية من حب القتل والرغبة في سفك الدماء، وتداويه كذلك من الطغيان والجور.
علي أحمد باكثير في مسرحية "سر شهرزاد" حاول الإجابة علي تساؤلات منها لماذا قتل شهريار زوجته الأولي؟ لماذا خانته؟ ألم تجد في رجال القصر أجمل من عبده الأسود؟ ولماذا أعلن تلك الفضيحة علي الملأ؟ وما الذي دفعه بعد ذلك إلي أن يدخل كل ليلة بعذراء؟ وهل ملك بكل هذا البطش تؤثر فيه حكايات كألف ليلة وليلة؟ وكانت الإجابة الوحيدة علي كل هذه الأسئلة التي طرحها باكثير هي الضعف الجنسي، ومن هنا يفسر أحداث مسرحيته.
في مسرحية "لعبة الزمن" لنعمان عاشور يذهب شهريار في غيبوبة ويفيق وقد قضي ثلاث سنوات يجوب القرن العشرين ويقول: "سأعيد مقاليد الحكم للشعب"، ومن خلال لعبة الزمن التي تمارسها شهرزاد في المسرحية يربط عاشور بين الشخصيات الأسطورية والأنماط الاجتماعية المعاصرة، مثل موظف الاستقبال بفندق شيراتون وبواب عمارة الشقة المفروشة، وينقل عاشور علي هذا المنوال ما شاء من إسقاطات.
الحكيم جعل شهريار يبحث عن الحقيقة وراح يرحل إلي أطراف العالم ليري كل شيء بعينيه، إنه أراد التحرر من عقال المكان، لكنه هجر الأرض ولم يبلغ السماء فظل معلقا بين الأرض والسماء، يعيش القلق. وبالمثل مثلت شهرزاد في مسرحية عزيز أباظة العقل الذي حاول أن يعيد شهريار إلي الأرض وإخراجه من شهواته وإبعاده عن نزواته. أما باكثير فاعتمد علي التحليل النفسي في سرد أسطورة شهرزاد، فأظهر شهريار عاجزا جنسيا وكان علي شهرزاد علاجه من أزمته. وأخيرا رأينا شهرزاد في مسرحية عاشور ابنة القرن العشرين في عصر غريب مليء بالمتناقضات.