اسمح لى دكتور عبد الفتاح أن أضيف تعليقا
الأخوة الإسلامية
بقلم: عصام العطار
كنتُ جالساً في بيتي مُتْعَباً مكدوداً قد اشتدّ عليَّ المرض.
وكنت أُغالِبُ نفسي لعلّي أستطيع أن أقرأ شيئاً ممّا أمامي من الكتب.. والنفسُ تَشُدُّني شَدّاً إلى الفراش.
ورنّ جرس الهاتف.. رفعت السماعة فإذا صوت أخي الدكتور م-م
قال: - أتدري من أين أتحدّث إليك؟
قلتُ: - وأنّى لي أن أدري!
قال: - "أنا أتحدّث إليك من الحرم المكّي.. أنا جالس قُبالةَ الكعبة.. بيني وبينها عشرون متراً فقط.. وقد ذكرتُك في هذا الجوّ الروحيّ الرائع، والقلوبُ متوجّهةٌ إلى اللَّه عزَّ وجلَّ، ففاضت مشاعرُ الأُخوّة والمحبة في نفسي فاتصلت بك.."
لقد نَفَذَتْ إلى قلبي هذه المخابرة.. من الحرم.. من هذا الجوّ، وهذه الظروف.
ما أروع أن يكون للإنسان أخ محبّ يذكره على بُعْدِ المسافات.. في مكان مقدّس ينشغل فيه الإنسان عن كلّ ما سواه.. وأن يدعو له بظهر الغيب
وضعتُ سمّاعةَ الهاتف، وأنا أشعر بسعادة لهذه المخابرة، وبنشاط يَدِبُّ في النفس وفي الجسم.. وإذا بي أُقْبِلُ على القراءة والعمل: إنَّ عَلَيَّ ألاّ أقعد عن أداء الواجب مهما كانت الظروف، وأن أؤدّي حقَّ هذا الحبّ الجميل في اللَّه عزَّ وجلَّ
* * *
يعتريني في بعض الأحيان شَكّ في فائدة ما أكتب، ولربّما صرفني ذلك عن الكتابة فترة تَقْصُر أو تَطُول، فتظهر "الرائد" وليس لي فيها شيء
وقد عبّرتُ عن هذا الشعور مراراً.. ومن ذلك قولي في العدد الماضي:
"يخطر لي عندما أكتب في بعض الأحيان هذا السؤال:
هل أَخُطُّ كلماتي في قلوب وعقول أم أخطّها على رمال؛ وما أضيعَ الكلماتِ التي تُخَطُّ على الرمال، وحياةَ الكاتب الذي يخطّ على الرمال!"
وفي أزمة من أزمات الشكّ هذه، التي يَرْفِدُها ويُقوّيها المرض والتعب.. رنّ الهاتف عندي -وما أكثر ما يرنّ هذا الهاتف!- ولمّا رفعت السماعة بلغني صوتٌ حَيِيٌّ خافت مُتَرَدِّد: - أنا فلان الفلاني مِن "..."..أنتَ لا تعرفني.. هل تزعجك المخابرة الآن؟.. لا تؤاخذني على الإزعاج.. هل أتابع الكلام؟
- نعم نعم.. تفضّل.. أهلاً وسهلاً
- أنا طالب في كلية "..." في جامعة "..." في "..." "وذكر اسم الكلية والجامعة والبلاد التي يدرس فيها في قارّة أخرى غير قارّتنا".. أردتُ أن أطمئنّ عليك فأنت لم تكتب منذ فترة طويلة
- اطمئن فأنا والحمد لله بخير
- أنا لم أجتمع بك من قبل، ولكنّني أحبّك كثيراً.. أحبك في اللَّه عزَّ وجلَّ، وأقرأ لك كلّ ما أصل إليه.. لقد أَثَّرتْ كلماتك في حياتي تأثيراً عميقاً، ونقلتني من حال إلى حال.. أنا أحفظ كثيراً من هذا الكلمات عن ظهر قلب.. أرجوك أرجوك ألا تنقطع عن الكتابة.. أنا وأمثالي بأمس الحاجة إلى ما تكتب.."
انتهت المخابرة فقمتُ فوراً إلى المكتب وأمسكتُ القلم بهِمّة جديدة ونشاط جديد، وأنا أستشعر المسؤولية الكبيرة والواجب الكبير، وأستغفر اللَّه من القعود والتقصير.
* * *
عندما صدر العدد السابق من الرائد، ومشى -أو طار- إلى البلاد التي يمشي عادة أو يطير إليها.. كان ممّن اتصل بي مستفسراً أو معلّقاً أخي الجليل الأستاذ م-س-ز.
لقد قرأ ما نَشَرَتْهُ الرائد لي من كلمات بعنوان: "من حديث القلب والفكر" فتأثّر لما قرأ، وتفاعل مع ما أقرأ، وسارع إلى الاتصال بي..
وكان بيننا حديث شهيّ غنيّ طويل.. فيه ما هو خاص وما هو عام.. ما هو ذاتيّ وما هو موضوعي.. ما هو تاريخيّ وما هو فكريّ.. ما يتّصل بالحاضر وما يَنْظُرُ إلى المستقبل.. وهو في ذلك كلّه يفتح آفاقاً للشعور والتفكير، ويحفز إلى مزيد من العمل والتقدّم على كل صعيد.
إنّ من عيوبنا نحن الإسلامييّن أننا لا نتفاعل تفاعلاً إيجابيّاً حيّاً مع ما نشهد أو نسمع أو نقرأ
قال لي مرّةً كاتب إسلاميّ كبير:
- أنا أكتب من أكثر من أربعين سنة وكأنني أصرخ في واد، أو أمشي في صحراء خالية من الناس.. نعم، لي قراء كثيرون يحبّونني؛ ولكنهم صامتون كأنّهم لا يقرؤون.. خُرْسٌ كأنهم لا يتكلّمون، فلا يكاد أحدنا يجد عندهم صدىً لِما يكتب.. كم تمنّيتُ أن أجد في قرائي المحبيّن من يقول أخطأتَ عندما أُخطئ.. أصبتَ عندما أُصيب.. أحسنتَ عندما أُحسن.. أسأتَ عندما أُسيء.. إنَّ هذا التفاعل والتجاوب والتواصل ضرورةٌ لتنشيطنا وتشجيعنا وتقويمنا، وسُلَّمٌ لارتقاءِ أدائنا، وإغْناءِ عطائنا، وعنصرٌ فعّال في بعث حيوّيتنا، وتحريك حياتنا، وأداء رسالتنا، وتحقيق آمالنا المشتركة.
* * *
وبعد؛ فماذا أردتُ بالقصص التي قدّمتها، وعندي من تجاربي الشخصية عشرات وعشرات مثلُها؟
لقد أردتُ أن أقول لكل أخ من إخواني، وقارئ من قرّائي:
-إذا أحببتَ أخاً لك في اللَّه، أو أعجبك فيه خَصْلَة من الخصال، أو أرضاك منه عمل من الأعمال.. فاكشفْ له عمّا في قلبك بأمانة وصدق وإخلاص، وأخبره بما تحمل له من المحبّة والتقدير، فذلك جدير بزيادة المودة، وتوثيق الصلة، والتشجيع على الواجب والخير، وفتح أبواب التعاون على البر والتقوى
يا إخوتي! نحن نعيش في عالم غَلَبَتْ فيه الكراهيةُ على الحبّ، والظلمُ على العدل، والباطلُ والتزويرُ على الحقيقة والحقّ، والفسادُ بمختلف أشكاله ودرجاته على الصلاح والإصلاح
المسلمُ المؤمن البريء تلاحقه الافتراءات والاتهامات والمضايقات في كثير من الأماكن والحالات والمناسبات..
المسلمُ المؤمن البريء يكاد يختنق أحياناً بأجواء الشكّ والانتقاص والعداء، وينكسر ظَهْرُهُ تحت وطْأة المشكلات والأعباء..
فهل من الكثير عليه أن يجد في قلوب إخوانه وأصدقائه واحَةَ حُبّ ٍ وعَزاء، وفي صدورهم مُتَّكَأَ اطْمِئنانٍ وحَنان، وفي مجتمعهم جوّاً من التوادّ والتعاطف والتراحم يتنفَّسُ فيه الصُّعَداء؟!
أحبّوا بعضَكم بعضاً، واكشِفوا عمّا يحملُه بعضُكم لبعض من الحبّ.. ولْيَهْتَمَّ بعضُكم ببعض -بصدق وإخلاص- كما تهتمّون بأُسركم وأبنائكم، وسوف تجدون بالتجربة أنكم ستَسعَدون بذلك كثيراً، وتستفيدون كثيراً، وتنالون بالحبّ والتآزر والتعاون.. ما لا يناله أحدكم بمفرده
لقد حَزَّ في نفسي -واللَّه- رسالة تلقّيتُها من أخ فاضل يعيش في مدينة غربيّة فيها عدد كبير من المسلمين
قال الأخ الفاضل في رسالته: - "لقد غَيَّبَني المرضُ عن إخواني شهوراً طويلة كنت بأمسِّ الحاجة فيها إلى أُخُوَّةِ الأخِ، وصداقةِ الصديقِ، ولَمَساتِ القلوبِ والشعور.. لا نَفَحاتِ الجيوب، فقد أغناني اللَّه بفضله عن نَفَحاتِ الجيوب.. فما اتصل بي أحد، وما زارني أحد.. وبيني وبين بعضهم خطوات!!"
يا إخوتي!.. إذا أردتم خير الدنيا والآخرة لأنفسكم، ولمجتمعكم، وللإسلام والمسلمين، وللإنسانية والإنسان في عالمكم وعصركم.. فعليكم بالحبّ ِ الخالص فيما بينكم تُضْمِرونَه وتُعْلنونه، والتكافلِ الصادق تَشْعرونه وتُجَسِّمونه، والتعاونِ الشامل الدائم البصير على البرّ والتقوى