وقفات من حياة سعد ابن معاذ رضى الله تعالى عنه
سعد بن معاذ من بني الأشهل من الأوس من الأنصار ، حَبَاهُ الله بنعمة الإسلام فأَسلَمَ على يد مصعب بن عمير عندما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأنصار يدعوهم للإسلام وبإسلامه أَسلَمَ بنو عبد الأشهل جميعهم .
رُوِيَ أنه لمّا أَسلَمَ سعد بن معاذ وقف في قومه خطيباً يقول : " يا بَنِي عبد الأشهل : كيف تعلمون أمري فيكم ؟ قالوا : سيدنا فضلاً وأيمننا نقيبة ، قال : فإن كلامكم علي حرام ، رجالكم ونساءكم حتى تؤمنوا بالله ورسوله .
فما بقى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا أَسلَمُوا وكانت دار بني عبد الأشهل أول دار من الأنصار يَسلَم جميع رجالها ونساءها " .
شهد سعد بن معاذ رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد وثبت معه حين وَلَّىَ الناس ، كما شهد الخندق ، وكان يوم بدر حامل لواء الأوس .
عاش سعد بن معاذاً مكرماً معززاً لدى النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذو منزلة رفيعة لدى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يستشيره في بعض الأمور .
رُوِيَ أنه لَمَّا أشتد على الناس البلاء في يوم الخندق ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف وهما قائدا غطفان ، وأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه فكاتبهما النبي صلى الله عليه وسلم دون شهادة حتى يستشير سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما فقالا : " يا رسول الله أمراً تحبه فنصنعه أم شيئاً أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أم شيئاً تصنعه لنا ؟
فقال عليه الصلاة والسلام : " بل شيء أصنعه لكم ، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رَمَتكُم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم إلى أمر ما " ، فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه : يا رسول الله قد كُنَّا نحن وهؤلاء على الشرك بالله ، وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قرى أو بيعاً أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له ، وأَعزَّنَا بك وبه نعطهم أموالنا والله - ما لنا بهذا حاجة ، ووالله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم ، فأيَّدهُ النبي الكريم قائلاً : " أنت وذاك " فتناول سعد بن معاذ رضي الله عنه الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال ليجهدوا علينا.
وكان سعد رضي الله عنه يُحِثُ قومه على الجهاد وعلى مساندة النبي صلى الله عليه وسلم في حربه ضد عصابة الكفر والإلحاد وكما كان رضي الله عنه يمتثل لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ضرب أروع مثال ، فعندما استشار النبي صلى الله عليه وسلم القوم في الخروج إلى بدر قال سعد بن معاذ : " يا رسول الله أيانا تريد ؟ يقصد الأنصار فوالذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب ما سلكتها قط ولا لي بها علم ، ولئن سرت حتى تأتي برك الغماد من ذي بمين لنسيرن معك ، ولا نكون كالذين قالوا لموسى : ( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ )( المائدة : 24 ) ولكن أذهب أنت وربك إنا معكم مُتبعون ، ولعل أن تكون خرجت لأمر وأحدث الله إليك غيره ، فأنظر الذي أحدث الله إليك فامض ، فصل حِبَال من شئت واقطع حبال من شئت ، وعَادِ من شئت وخذ من أموالنا ما شئت ، وأعطنا ما شئت ، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت ، وما أمرت به من أمر فأَمرُنَا تبع لأمرك ، فوالله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان لنسيرن معك " .
ويظهر لنا من كلام سعد هذا مدى إيمانه بالله وثقته برسول الله صلى الله عليه وسلم فهو وقومه متبعون النبي صلى الله عليه وسلم في كل أمر من أمور الحياة دون سؤال أو تردد .
وعندما مات سعد بن معاذ رضي الله عنه ، استبشر بموته أهل السماء فقد رُوِيَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام فأتاه مَلَك حين استيقظ فقال : " من رجل من أمثل مات الليلة ، استبشر بموته أهل السماء ؟ : لا أعلم إلا أن سعداً أمسى دنفاً ، ما فعل سعد ؟ قالوا : يا رسول الله قد قُبِضَ ، وجاءه قومه فاحتملوه إلى ديارهم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ثم خرج معه الناس مسرعاً حتى أن شسوع نعالهم لتنقطع من أرجلهم ، فقال له رجل : يا رسول الله ، قد بتت الناس ، فقال عليه الصلاة والسلام : إني أخشىَ أن تسبقنا إليه الملائكة كما سبقتنا إلى حنظلة " .
فأي فضل بعد هذا وأي منزلة أعظم من هذه ، النبي صلى الله عليه وسلم سيد هذه الأُمة يسابق الملائكة على غُسل سعد بن معاذ رضي الله عنه ، ومات سعد بن معاذ رضي الله عنه وشاركت الملائكة في حملهِ إلى قبرهِ بالبقيع الذي ما إن بدأوا بحفرهِ حتى أَخَذَ يَفُوح مسكاً .