إخراج الحي من الميت (رؤية جديدة)
تأليف الدكتور نظمي خليل أبو العطا
قال تعالى : (إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ {95} فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ)[1]
الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ فالق الحب : شاقه عن النبات أوخالقه ..
وقال سبحانه وتعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ)[2]
يفسر البعض إخراج الحي من الميت بقولهم يخرج البادرة الحية من الحبة الميتة ويخرج الكتكوت من البيضة ويؤكدون أن الحبة ميتة وأن البيضة ميتة .
ويقول العلم ويؤكد أن البذرة أو الحبة (البيضة المخصبة ) ليست بميتة ، وهي تحتوي على الجنين الحي المتكون من الرويشة والجذير والغذاء المدخر والفلقات .
وأن حيوية الجنين شرط أساسي من شروط الإنبات للبذور والحبوب بعد توفر المياه وباقي الظروف الخارجية اللازمة للإنبات.
وإننا إذا قتلنا الجنين بالحرارة العالية أو الأشعة أو حتى الغازات السامة أو غيرها من العوامل الخارجية المميتة للجنين فإن الحبة أو البذرة يستحيل أن تنبت ويخرج منها البادرة التي تعطي النبات بعد ذلك حتى لو وفرنا جميع الشروط اللازمة للإنبات .
إذاً ما هو التفسير العلمي لإخراج الحي من الميت كما يفهمه علماء النبات ؟
نقول وبالله التوفيق :
أولاً : إن المواد الغذائية التي تتناولها الكائنات الحية ما هي إلا مواد كيميائية ميتة هذه المواد عندما يتغذى عليها الكائن الحي تهضم بجهازه الإنزيمي وتمتص بجهازه الماص وتدخل إلى الخلايا فتتحول بقدرة الخالق سبحانه وتعالى من مواد كيماوية ميتة لا حياة فيها إلىمواد حيوية حية ، من سيتوبلازم حي ، ونواة حية ، وأحماض نووية وعضيات خلوية كلها حي ، أليس هذا بإخراج للحي من الميت ؟!!
أوليس هذا إعجاز علمي في القرآن الكريم فالحامض النووي dna الذي يسيطر على جميع العمليات الوراثية في الخلية ما هو إلا مواد كيميائية : سكر ، فوسفات ، جوانين ، وسيتوسين ، وأدنين ، وثيامين ، وكلها مركبات كيماوية بحتة لها تركيب كيماوي بحت معلوم الترتيب والكمية ، والبناء الفراغي والسلوك التفاعلي ، ومع ذلك فشل الباحثون في العالم من بث الروح في هذه المكونات داخل المختبر.
وأنشأت بعض الدول مختبرات حديثة بأحدث الأجهزة العصرية لتخلق جزيء واحد من الحامض النووي dna وبث الروح فيه ، ولكن فشلت كل المحاولات .
ومن المدهش أن هذه المواد الميتة عندما تعبر غشاء الخلية المنفذ الاختياري الحي وتدخل إلى سيتوبلازم الخلية ، تتحول في أوقات قليلة إلى مادة حية ، تحمل كل الصفات الوراثية للكائن الحي ، أليس هذا بإخراج للحي من الميت من خلية لا يتجاوز حجمها حجم نقطة في كتاب من كتب الأطفال وبدون ضجيج، أو صخب أو علماء أو قياسات أومختبرات وتكنولوجيا ومعاناة ، ولكن لماذا ربطت هذه الآية الكريمة بين انفاق الحب وبين إخراج الحي من الميت ؟
نقول وبالله التوفيق :
عند وضع الحب والنوى في التربة الزراعية ووصول الماء إليها تمتص الماء بفعل عوامل التشرب والضغط الأسموزي وغيرها من العوامل البيئية الخارجية ، وعندما يصل الماء إلى الجنين الحي ينشط فجأة ويفرز أنزيمات تحلل المواد الغذائية المدخرة المعقدة صعبة الامتصاص إلى مواد بسيطة سهلة الامتصاص وتنفش الحبوب والنوى نتيجة للعمليات السابقة ، ويمتص الجنين الماء والغذاء المدخر بعد تحلله ، وتتحول المواد الغذائية الميتة في داخل أنسجة إلى خلايا حية بحول الله وأمره وبما أودع الله في هذا الجنين من خلق وهداية مصداقاً لقوله تعالى في سورة طه (قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ) ..
أي أعطاه صورته اللائقة بخاصيته ومنفعته ثم أرشده إلى ما يصلح له ، فيبدأ الجذير في النمو والانقسام والخروج منها متجهاً نحو الأرض حيث التثبيت والماء والأملاح ، وهي المواد التي خلق الجذير من أجل الحصول عليها ، أما الرويشة فتخرج متجهة إلى أعلى حيث الهواء والضوء وتكون المحصلة النهائية للعمليات السابقة هي انفلاق الحب والنوى وخروج الحي من الميت .
ثانياً :
الفيروسات من أصغر الكائنات الحية الدقيقة التي نعرفها حتى الآن وهي من أخطر الكائنات الحية الدقيقة على الإنسان والحيوان والنبات ، هذه الفيروسات تجمع في عجب عجاب بين صفتي الحياة والموت ، فهي خارج الخلايا جسيمات ميتة متبلورة تذوب كما تذوب بلورات الملح والسكر ولا حياة فيها ولا نمو ولا تكاثر .
ولكن عندما تلتصق هذه الجسيمات الميتة ببعض الخلايا الحية تدب فيها الحياة بصورة مذهلة ، حيث تبدأ في الانقسام بمعدلات سريعة للغاية ، وتستطيع في هذه الحالة أن تدمر العديد من الكائنات الحية الحيوانية والنباتية والبكتيرية وكذلك الإنسان .
والأعجب من ذلك أنها إذا خرجت خارج الخلية الحية تحولت ثانية إلى جسيمات ميتة وتتبلور ، وهنا قمة الإعجاز الإلهي في الخلق والدليل القاطع على أن الله سبحانه وتعالى : ( يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ) وأن الحياة لا تتولد إلا من الحياة التي جعلها الله سراً من أسراره ، ونعمة من نعمه يهبها من يشاء من عباده ويسلبها ممن يشاء منهم وأن البشرية لو اجتمعت على إحياء خلية واحدة ميتة لعجزت .
ثالثاً : مثال آخر على إخراج الحي من الميت يتمثل في المعادن الموجودة في الأرض الزراعية ، وهي عبارة عن مواد ميتة انفصلت عن الصخور الأرضية بفعل العوامل الكيمائية والطبيعية والأحيائية ، عندما يمتصها النبات وتدخل إلى خلاياه تتحول بعد إتحادها مع بعض المواد الغذائية الأخرى إلى سيتوبلازم حي وعضيات حية ، وفي كل لحظة يخرج الله سبحانه وتعالى أعداداً لا تحصى ولا تعد من هذه المركبات والمعادة الميتة مصداقاً لقول الله سبحانه وتعالى: ( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُون).
فكيف تنصرفون عن عبادة من يخلق إلى عبادة من لايخلق ؟ كما قال ربنا سبحانه وتعالى : ( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو أجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ، ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز)..
وصدق الله العظيم وبلغ رسولنا الكريم ونحن على ذلك من الشاهدين.
[1] سورة الأنعام
[2] سورة يونس
منقول من موسوعة الاعجاز العلمي في القرآن والسنة