رغم ان الناس، علي مر العصور، قد اعتبروا النبوغ المبكر عند بعض الأطفال
الذين لم يتجاوزوا الرابعة أو الخامسة من العمر، موهبة من عند الله، سبحانه وتعالي
إلا ان علماء (الباراسيكولوجي) يؤكدون من خلال دراسات قاموا بها لحالات صادفوها
في الواقع، وكذلك من خلال تجارب معملية قاموا بها علي مرأي ومسمع من شخصيات
لا يمكن التشكيك في علمها، أو نزاهتها، أو مصداقيتها، ان الذاكرة الانسانية
مقسمة إلي أقسام تتساوي في عددها مع عدد مرات الحياة التي عاشتها النفس
صاحبة الذاكرة علي الأرض، ويعتبر كل قسم منها ذاكرة مستقلة لحفظ
ما يخص حياة واحدة فقط إلا انه يحدث في حالات نادرة جدا أن يتلاشي أحد الحواجز
الذي يفصل بين الذاكرة الحالية والذاكرة الخاصة بحياة سابقة
فيتذكر المرء حينئذ تفاصيل دقيقة لأحداث عاشها منذ مئات السنين
ويقول العلماء، ان قيام بعض الأطفال، في سن مبكرة، بأعمال فنية أو ذهنية يتطلب
اتقانها تدريبا وممارسة تستغرقان عشرين أو ثلاثين سنة علي الأقل، لا يمكن اعتباره مجرد
موهبة من عند الله، لأن الله سبحانه وتعالي حض البشر في كل كتبه السماوية علي السعي
إلي المعرفة، والاستزادة من العلم، وكان قادرا علي خلق الناس جميعا أصحاب
مواهب، وهو القادر الوهاب
وفي يوميات سابقة، تحدثت عن بعض الوقائع التي ذكرها الدكتور رءوف عبيد
وكيل كلية حقوق عين شمس الأسبق في كتابه الذي صدر عام 1976 عن دار
الفكر العربي في القاهرة تحت عنوان (في العودة إلي التجسد)، عن أشخاص ماتوا
ثم عادوا إلي الحياة الدنيا مرة أخري، ووعدت بأن أعود إلي نفس الموضوع لأتحدث
عن بعض التجارب المعملية التي قام بها علماء أجلاء أمضوا سنوات طويلة في دراسة
ما وراء النفس الانسانية، وما تنطوي عليه من قدرات وملكات
لكن قبل ذلك لابد من التطرق إلي واحدة من أغرب الحالات بدأت تفاصيلها عام 1961
في مدينة طرطوس السورية التي تقع علي الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وأثارت
جدلا طويلا بين علماء النفس ورجال الدين، نشرت الصحف السورية تفاصيله
ونقلتها عنها وكالات الأنباء العالمية
وبطل هذه الحالة فتي في الحادية عشرة اسمه وليد.. وكان تلميذا فاشلا في
دراسته الابتدائية، فألحقه أبوه بإحدي ورش اصلاح السيارات، ليتعلم صنعة تعينه
علي مواجهة الحياة فيما بعد
استمر وليد في العمل بالورشة، وعندما بلغ الخامسة عشرة ظهر عليه نبوغ
دون مبرر.. وذاع صيته في مدينة طرطوس، ثم امتد إلي المدن المجاورة لها باعتباره
من البارعين في اصلاح محركات الديزل.. وكان من بين من بهرهم نبوغه
عدد من المهندسين الذين عرضوا عليه عددا من محركات الديزل الحديثة
فقام برسم أجزائها الداخلية، وحدثهم عن التعديلات الجديدة التي تم ادخالها عليها
وفائدة تلك التعديلات في زيادة كفاءة المحرك.. أما المفاجأة المذهلة فقد حدثت
عندما بلغ وليد السابعة عشرة من عمره.. فإذا به يتحدث لغة ألمانية صحيحة
وقال انه المهندس هانز، الذي توفي عام 1942 في حادث تحطمت فيه سيارته
تماما بالقرب من مدينة فرانكفورت بألمانيا
ذاعت تفاصيل حالة (وليد) السوري، أو (هانز) الألماني.. وكان بين الذين استبدت
بهم الدهشة طبيب من سكان المدينة يدعي غسان المصري.. دفعه فضوله إلي السفر
إلي ألمانيا ليستوضح حقيقة الأمر، بعد ان حصل علي بعض التفاصيل من وليد
فإذا به في مواجهة الحقيقة الكاملة بعد مقابلته لابن وزوجة المهندس هانز، الذي
كان يعمل في أحد مصانع محركات الديزل.. وان وليد الميكانيكي السوري
غير المتعلم صادق في كل كلمة قالها.. وانه هو بالفعل المهندس هانز الألماني
كما تؤكد ذلك مجموعة الصور التي التقطت له في معظم مراحل حياته وتحتفظ بها
أسرته في البوم خاص
وعاد الطبيب غسان المصري إلي طرطوس، ومعه ابن وزوجة المهندس الألماني
يحملان ألبوم الصور.. وكانت صور (هانز) وهو فتي تشبه وليد تماما، باستثناء
جرح في جبين الفتي السوري أصيب به في مشاجرة مع بعض الصبية منذ عدة سنوات
أما اللقاء بين السيدة هانز وابنها وبين الشاب (وليد) فكان فريدا غريبا
اختلطت فيه الدهشة، مع الحيرة، وامتزجت فيه النظرات البلهاء مع صيحات (الله أكبر) التي
أطلقها عدد من السوريين الذين كانوا شهودا علي الواقعة.. وقد انتقل وليد بعد ذلك إلي
فرانكفورت وأقام فيها، لكن زياراته لأسرته الثانية في مدينة طرطوس لم تنقطع
وكان يعي تفاصيل حياتيه تماما
ماذا قال العلماء؟
نشرت إحدي المجلات الألمانية العلمية تفسيرا لما حدث للفتي السوري (وليد) قالت فيه
أن وليد عاش حياة سابقة علي حياته الحالية وكان اسمه (هانز) وأن الحاجز الرقيق
الذي يفصل بين ذاكرة (وليد) الحالية، وذاكرة (هانز) السابقة قد تلاشي لسبب ما
فاختلطت الذاكرتان وأصبحتا ذاكرة واحدة!! عاش (وليد) أو (هانز) بعد ذلك سعيدا
في حياته الجديدة مع زوجته وابنه.. وفي عام 1964 توفيت الزوجة بعد اصابتها
بسرطان في الدم، وأثناء دفنها في مقابر الأسرة كانت المفاجأة الأخيرة في الحكاية كلها.
لقد كانت جثة هانز السابقة لاتزال موجودة
الحيوات المتعاقبة
نعود بعد حكاية (وليد) أو (هانز) إلي التجارب المعملية التي تؤكد تكرار مرات الحياة
علي الأرض، والتي قام بإجرائها علماء أجلاء في باريس ولندن وموسكو وبرلين
ونيويورك وفي مصر كذلك
ومن أشهر العلماء الذين قاموا بإجراء مثل هذه التجارب بواسطة التنويم المغناطيسي
في فرنسا، (بيير نوفيل) الذي ولد في باريس عام 1910، وهو عضو
بأكاديمية (رابليه) منذ أكثر من ثلاثين عاما، وله بحوث ذات طابع علمي وعملي
مما جعل مؤلفاته غنية بالوثائق عن النتائج العملية التي حصل عليها بنفسه
ومن أحدث كتبه هو الكتاب الذي صدر عام 1970 تحت عنوان
(تلك الحيوات الأخري التي عشتها رغم ذلك)
وهو في هذا الكتاب لا يجزم بحدوث عودة للتجسد، ولكنه يقدم بعض النتائج
التي حصل عليها عن طريق اختباراته الخاصة في موضوع ارجاع الذاكرة إلي الوراء
ويقول انه أشرف بنفسه علي التجارب التي كان يجريها منوم مغناطيسي قدير يدعي
أندريه ديبيل كان ينوم فتاة تروح في سبات مغناطيسي بسرعة
وظل (نوفيل) يستجوب تلك الفتاة بالاشتراك مع (ديبيل) طوال أربعين جلسة جرت
في المدة من يوليو إلي نوفمبر، أي حوالي خمسة أشهر متتالية
ويشير الدكتور رءوف عبيد في كتابه (في العودة للتجسد) إلي بعض النتائج التي حصل
عليها (نوفيل) عن طريق تلك الفتاة فيقول
روت الفتاة وهي تحت تأثير التنويم المغناطيسي تفصيلات دقيقة كان من المحال
أن تتمكن من معرفة شيء عنها، وهي تفصيلات تتعلق بأحداث جرت في المدة
من سنة 1872 حتي سنة 1898 .. وقالت ان اسمها ميراندا
وأنها ولدت في 17 يوليو سنة 1872
وتوفيت في بلدة (سواسون) بالقرب من باريس، عندما كانت في السادسة والعشرين
من عمرها، وأنها عندما كانت في الخامسة من عمرها تركوها في ملجأ للأطفال
وأنها لا تتذكر شيئا عن أبويها، لكنها تعرف سيدة اسمها (جان ديميزنيل) تبنتها
من الملجأ واصطحبتها إلي منزلها بالقرب من (سواسون)، وانها كانت مصابة بالشلل
ووصفت بالتفصيل المنزل الذي كانت تعيش فيه، وكيف انها كانت محل رعاية
طبيب ذكرت له اسمين هما ديبوا و كيليك
ويقول (نوفيل) انه انتقل إلي بلدة (سواسون) ليتأكد بنفسه من صحة ما أدلت
به الفتاة، لايمانه بصدقها، لكنه تعذر عليه اجراء التحقيق علي الوجه المطلوب
نظرا لقدم العهد بهذه الأحداث، ولأن ملجأ الأطفال الذي أشارت إليه الفتاة، رفض ذكر
أية بيانات حول كل ما يتعلق بها، لأن التعليمات المتبعة تفرض السرية المطلقة
بالنسبة لأسماء الأطفال الذين كانوا يقيمون فيه، وأيضا بالنسبة للأشخاص الذين
قاموا بتبنيهم، مهما تقادم العهد بهم
ويتحدث العالم الفرنسي (بيير نوفيل) في موضع آخر من كتابه عن سيدة
ريفية شابة اسمها (دنيز سي).. وقد سردت هذه السيدة تفصيلات عديدة مذهلة
عن حياة سابقة لها، كان اسمها خلالها (ماري ليز)، وكانت ابنة لماريشال
فرنسا (فرانسوا جوزيف ليفيفر)، وهو أحد قواد الامبراطور نابليون الأول
وقالت ان والدها توفي عام 1820 عندما كانت هي في السادسة عشرة من عمرها
وظلت (دنيز) الريفية موضع استجواب دقيق متواصل عن حياتها السابقة التي
عاشتها باسم (ماري ليز) علي مدي ستين جلسة متتابعة، أعطت خلالها أدق
التفصيلات عن الحياة في عصر نابليون.. وكان من المحال علي هذه الريفية الساذجة
أن تعرف شيئا عنها بالوسائل العادية للادراك.. ومن أخطر الحقائق التي أدلت
بها وهي تحت تأثير التنويم المغناطيسي، أنها كانت ثمرة لعلاقة غير شرعية بين والدها
الماريشال (فرانسوا جوزيف ليفيفر) مع (بولين بونابرت) شقيقة نابليون
التي قيل عنها في بعض كتب التاريخ انها كانت مستهترة
ولها مغامرات عديدة مع أكثر من عشيق
ويقول (نوفيل) انه اصطحب الوسيطة الريفية (دنيز) إلي نفس الأماكن التي عاشت
فيها (ماري ليز) وإلي نفس المقبرة التي دفنت فيها، والتي اندثرت معالمها
وأيضا أطلال الكنيسة التي كانت تجاورها، ولم يبق في المكان سوي قلعة (بورسو).. وأضاف
ان (دنيز) قد أغمي عليها تلقائيا بعد أن شعرت بكثير من الانقباض
عند وصولها إلي البقعة التي دفنت فيها
ويمضي (نوفيل) في الحديث فيقول انه أدخلها إلي القلعة ومعهما المنوم (ديبيل) الذي
أخضعها لغيبوبة مغناطيسية لتروي تفاصيل لحظاتها الأخيرة قبل الموت، فقالت
ها أنذا بين الأحياء.. مع جميع الأشخاص الذين علي الأرض.. انني أطفو.. اطفو
انني أري.. انني أتحدث ولا يفهمونني.. انني أري كل الناس.. لكن أحدا لا يراني.. أري كل
شيء.. وأفهم كل شيء وسألها (ديبيل): وماذا بعد؟
قالت: انني بين السماء والأرض، أذهب، وأجيء، وأميز الأشخاص، لكن ذلك يتم عن بعد
وعاد يسألها: من كانت (ماري ليز) ومن كان أبوها الحقيقي؟
قالت: (الماريشال ليفيفر) وأنا متأكدة من ذلك
ثم قالت: لقد انتظرت وقتا طويلا قبل أن أصبح دنيز سي
قال لها بعد سكوت استمر لحظات: أريد أن أعرف ماذا صنعت عند
وفاتك ومغادرة جسدك؟.. وكيف تصرفت؟
قالت: هذا أمر يصعب شرحه.. فنحن نغادر أجسادنا عند الموت، وقد شاهدت جسدي
وهو يوضع في القبر.. انه مجرد جسد فقط
ويستمر العالم (بيير نوفيل) في سرد تفاصيل كثيرة
روتها الريفية (دنيز) عن حيوات أخري
عاشتها في عصور مختلفة، كانت في احداها رجلا يعاني كثيرا ليتمكن من تربية كل أولاده
وفي أخري كانت رجلا أيضا اسمه (نيسيز).. وفي حيوات متعاقبة، كانت راهبة
في دير، وجنديا مقاتلا.. وأدلت بتفاصيل كثيرة لا يتسع المجال الآن إلي
سردها.. وأرجو أن أتمكن فيما بعد من سردها[b]