محمد فوزى البلقينى المشرف العام لمنتدى عالم بلا حدود
عدد المساهمات : 17662 نقاط : 34130 تاريخ التسجيل : 03/10/2009 العمر : 73
| موضوع: نادى القصه مدينه ترتجف مما تصفحت واعجبت بها الإثنين 2 أغسطس 2010 - 13:50 | |
| - الكود:
-
( عن المدينة التي ترتجف !) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- إنه قادم يا امرأة .... ناوليني البندقية ارتجفت كورقة في مهب الريح وبدا عليها الانهيار وهى تهتف : - لا فائدة .... سيقضى علينا هنا يتحول الغضب لطاقة مدمرة لا تبقى ولا تذر ، فقد دفعها جانبا وعيناه تقدحان شررا ، وأمسك البندقية المعلقة على الجدار، وتأكد من حشوها،وأمسك بحقيبة جلدية صغيرة امتلأت حتى منتصفها بالرصاص ، واقترب من النافذة العريضة .. النافذة التي تطل على الشارع الطويل، والذي كان يسير فيه القادم الهوينى.. ... أعمدة الإضاءة تلقى بظلالها على المنطقة ... النوافذ مغلقة إلا من ثقوب كافية لجعل السكان يراقبون ويرتجفون ، وكل منهم يخشى أن يكون هو الضحية المنتظرة. الأطفال يلتصقون ببعضهم ، كأنما يبغون الدفء والأمان في مدينة صار الأمان فيها لفظة خيالية لا وجود لها إلا في عقول الحالمين والحمقى! البندقية تلتصق أكثر بحافة النافذة ... هو يركز بصره جيدا .. شعور غريب يتنامى لديه بأنه الهدف القادم .. يضغط أكثر ... تزداد خطواته قربا فتزداد خفقات قلبه .. يتحول الغضب لرجفة بسيطة سرعان ما راحت تتسارع.. زوجته تجمدت في مكانها .. بينما أولاده تصطك أسنانهم . ما زالت الزوجة تهمهم بصوت هامس فقد علوه وإن كان جوفها يصطخب : - إنه قادم ... قادم ... لن ننجو .... تتحول كلماتها النادبة كترنيمة جنائزية للترحيب بضيف غير مرغوب فيه ... - لن ننجو ... لن ننجو ... هنا تحول الشعور ليقين لا شك فيه... كتم المراقبون أنفاسهم وتنهيدة الخلاص تكاد تفر من عقالها... فقد توقف هو أمام الباب... تحرك أيها الأحمق ... اضغط زر بندقيتك ... دافع عن بيتك ... زوجتك وأولادك ... أليسوا هم كل عالمك ؟! مالك ترتجف ... باطن كفك يندى بعرق لزج لا يصلح أي شيء للتعامل معه بأي حال
من الأحوال !
لن تتحرك .. أعرف هذا جيدا... أعتقد أنك الآن تصدق وجوده ! ........
النتيجة مؤسفة ومتوقعة: زوج غارق في دمائه ... زوجة يسيل الدم من جبهتها وهى غارقة في ذهول أنساها الألم وتبقى ألم أشد إيلاما ... الأطفال لم يصبهم شيء ... فقد غرقوا في بكاء عنيف ...! ورحل بعد أن أدى مهمته .... أيام قلائل ويكون قد قضى على الجميع ! ........ هنا تتناقل الألسنة القصة من لسان إلى لسان ... وبفعل الطبيعة البشرية النازعة للتحريف، تنقص الحقائق وتزيد كمية الخرافات .. إنه يأتي بعد قدوم الليل ، ناثرا رائحته الكريهة في الأرجاء .. رائحة تجبر القريبين على أن يسدوا أنوفهم ، وهم يتنحون جانبا .. أي جثة نتنة تمشى على قدمين باعثة هذه الرائحة ؟! ....... إنه هو ... أسوأ ما يتوقعه البشر في كوابيسهم ... يتحرك ناشرا الدم والخراب خلفه .. في كل مكان توجد علامة من علاماته .. سواء أكان رجلا ممزق شر ممزق ... أو فتاة مذعورة طار عقلها... أو أطفال يندبون حظهم لأنهم في زمن صار فيه الأمان حلما مستحيل التحقيق! ... مدينة هي .... يحمل تاريخها أحداثا كثيرة أخذت في طول الزمان وعرضه مساحة شاسعة.. أما العمق فهو مستكن مستسر إلا على بعض القلة ... ولأن خيراتها تؤجج غريزة البشر في الامتلاك والتحكم فقد كان المحتلون كثرة بحيث تقف الأعداد عن الإلمام بهم .... نفس الأهداف والمطامع .. وإن اختلفت الطرق والأساليب .... الشر هو كما هو ... وإن تلون بآلاف الأقنعة ... تاريخ مجيد هو ... تاريخ مليء بقص الدفاع والكفاح والمقاومة ... لكن منذ زمن بعيد - ثلاثين عاما على وجه التحديد - قيل أن السلام رفرف بحماماته البيض على المنطقة .. قيل أن الحروب ولت وانتهت ! قيلت أشياء كثيرة وتحدثت الالسنة كما لم تتحدث من قبل ... في الواقع لقد أسهبت ووضحت
وأوجزت باختلاف المقامات والمناسبات.. السلام قادم ... قادم ... والشر يتحور وبتحوصل ويتخذ شكلا جديدا.... وعندما بدأ الكل يستيقظ كان الوقت قد وشى بزواله .. وعلى الجميع أن يتجرع مرارة العلقم من جديد ! ....... لا أحد يعرف متى بد أ هذا الوافد رحلته الدموية.. لكن أولى العقول اجمعوا على أنه ذروة الشر القديم وامتدادا مطور له ... قلة من صدقهم ... أما البقية فقد رسفت في أغلال اعتقاداتها .. السخرية تنضح من هنا وهناك لتتحول إلى شواظ من نار يصب ناره على الصفوة المفكرة... ثم انقلبت الآية.... ارتد الشواظ الملتهب إلى مرسليه ... بينما قبع المفكرون في صوامعهم يراقبون نهاية المدينة بقلوب راجفة وعيون باكية... ...... قبل مجى ء الليل بساعة.. راحت نذر السيد تتقدم في بطء واثق .. قوى .. كأنما يؤكد النهاية لا مناص منها.. في البداية أتت جحافل من الخفافيش العملاقة ، وغطت السماء محولة الأفق إلى صفحة داكنة السواد ، وراحت الصورة تعلن اكتمالها بعاصفة رعدية شقت عنان الأعلى ليتحول إلى سقف جهيم، كأنه قطعة من الجحيم .. أو أنه قطعة من الجحيم بالفعل ! ولا يزال عدد المكذبين في ازدياد! ..... ثم أتى دور الأسفل .. راح الظلام يزحف فاردا عباءته على المدينة ، وسرب مهول من الذئاب ذات العيون الحمراء يشق عواءها شوارع المدينة المرتجفة. الأشجار العملاقة تكاد تنحني تحت وطأة عاصفة عنيفة ... الأوراق تتساقط وتندفع بسرعة مجنونة مع سرعة زحف الظلام نفسه! .... السكان قابعون ... في منازلهم وثمة شعور يوخز ضمائرهم بأنهم مسئولين بشكل ما عما صارت إليه مدينتهم ...! ثم دوت صرخة في الأعلى ... صرخة طويلة .. مليئة بعذابات البشر وأنينهم وكأنها قادمة من سقر ...
الكل رفعوا رؤوسهم في حركة لا إرادية ... وهناك كان السيد يقود عربته مندفعا من اللامكان وبدا واضحا وهو يعبر الأفق الظلم ... على الرغم من سواده هو الآخر !! .... كنت أنا وقتها في المطبخ مشغول في إعداد كوب من الشاي .. الريح تزمجر بالخارج مما جعلني أضطر إلى إسدال الستار على النوافذ، بينما صوت غليان الماء يصل لمسامعي.. أعددت كوبي المعتاد والزى تشي حمرته الداكنة بثقله.. أتجه إلى الصالة التي ينيرها ضوء هادى، ووضعت قدمي على مقعد خشبي مريح.. وبينما كنت أرشف مشروبي الساخن في استمتاع ،كان هو يتحرك قاصدا منزلي! ..... يقع منزلي في ضاحية من ضواحي المدينة .. بجواره تستقر المقابر التي تزايد ت رقعتها في الفترة الأخيرة بسبب القتلى بسبب تلك اللعنة .. لكن هذا لا يمنع من وجود بعض البيوت القريبة منى .. والرعب يسيطر عليهم جميعا... كأنهم ظنوا بوجودهم بجوار الموتى سيبتعد الموت عنهم ! لقد فني عدد كبير منهم في قلب المدينة وبدا أن مهمته قد اتجهت الآن إلى الأطراف ... ولأن منزلي في بداية الضاحية فقد بدأ جبى ... لذا كان من الطبيعي أن أحتفظ بكمية كافية من المياه الساخنة من أجل إعداد مشروب لضيفي القادم! ...... طرق خفيف على الباب جعلني أنهض لأفتحه ! ...... تقول والطبيب يلاحظ عينيها الزائغتين من فرط الرعب : - لا شكل له .. لقد باغتني في حجرة المعيشة .. كان هناك بجوار التليفزيون ... يلتفت الطبيب إلى مساعده ويقول مفسرا الحالة : - حالة هلاوس بصرية متأخرة ! ........ يقول الصبي لصديقه وهو يلوح بيديه : - لقد رأيته .. رأسه عبارة عن جمجمة! ........ - ... بل هو أشبه بوجه هلامي تتقد فيه عينان بلون الدم! ....... وهكذا قدر لي أن أسترجع خبرات كل من سبقوني ... فتحت الباب في فضول وطالعنى هو ! في مثل قامتي تقريبا .. وكان- كأي جنتلمان محترم- يرتدى حلة كاملة أنيقة ، ووجهه الوسيم ذو الطابع الخشن يبدو واضحا تحت ضوء المصباح الخارجي، والذي ينير ساحة منزلي الخارجية ... ابتسم لي وهو يقول :
- هل تسمح لي بالدخول؟! أزحت جسدي جانبا وأنا أقول في ترحيب : - على الرحب والسعة دخل المنزل وهو يجوس بعينيه في أرجاء المكان ... كان يتجول هنا وهناك كأنه صاحب الدار بينما أنا أتأمله في فضول .. إذن فهذا هو الرعب الذي يخلف وراءه ركاما من الدم والضحايا ؟! إنه يخالف الصورة التي يتكلم الناس عنها .. كانت عيناى لا تفارقانه ، عندما التفت إلىّ هو بغتة وقال بصوت عميق ممطوط النبرات : - هل من شيء يجذبك في شخصي؟! أشرت له بالجلوس على أريكة مريحة وأنا أجيب : - لقد خالفت الصورة التي كونها الناس عنك. كان يتهيأ للجلوس وهو ينزع قفازيه الأسودين عندما توقف فجأة والتف إلىّ مرة أخرى .. كان سؤاله بطيئا مضغوط على حروفه بشدة : - هل تعلم من أنا ؟! - بالتأكيد . ابتسم وأخذ مجلسه وتأملني بنظرة فاحصة : - عجبا .. لكن لا يبدو عليك الخوف ... تعلم من أنا وتسمح لي بالدخول .. وتدعوني للجلوس .. ثم تصارحني بحقيقتي بلا مواربة؟!! هززت كتفي وقلت : - وهل سيصنع هذا فارقا ؟! صمت للحظة ثم قال : - كلا في الواقع .. يؤسفنى قول ذلك .. لكنى لن أخرج من هنا إلا والدار خاوية على عروشها. تجاهلت كلماته الموجزة والتي هي - في الواقع - صك موتى المؤكد وقلت : - توجد كمية لا بأس بها من المياه المغلية .. أعتقد أنك لن تمانع في بعض من الشاي الساخن .. أنت قادم من مكان بعيد .. ولابد أن عظامك ترتجف من البرودة. ضحك هو .. فاهتزت الستائر .. وأرعدت صفحة السماء ... ثم قال وفمه الباسم الثغر يكشف عن صفين من الأسنان البيضاء النضيدة : - هل تعلم أنك البشرى الو حيد الذي أثار إعجابي .. كلهم كانوا يتقبلون مجيئي بكثير من الصراخ والذعر .. - لأنهم لم يعرفوا حقيقتك . صمت للحظات .. بينما نهضت أنا واتجهت إلى المطبخ .. في دقائق كان قدح الشاي جاهزا وهكذا جلست أنا وضيفي في جلسة هي الأولى والأخيرة من نوعها!
.... - شكرا على قدح الشاي .. يبدو أنك تجيد عمله . أحنيت رأسي وأنا أقول : - هدفي هو إسعادك فرك يديه وهو يقول : - أعتقد أن الوقت قد حان . حان لأي شيء بالضبط ؟ - قتلك ! - ولما التعجل ؟! ما زال الليل في أوله .. والدفء لذيذ... وليس في الإمكان . أبدع مما كان رمقني في صمت دام لدقائق .. ثم قال : - ورائك شيء مريب أيها البشرى. استرخيت في جلستي وأنا أقول :- - إذن ... إعط لنفسك فرصة لكى تفهم. ... وما زالت الريح تزمجر بالخارج. ........... صارت الجلسة أكثر حميمية ودفئا ... وتعالت ضحكاتنا .. واكتشفت كم هو كائن ودود يتسم بالمرح وتفهم الدعابات! دخلت عدة مرات للمطبخ في خلال ساعتين .. من عمل للشاي أو الكثير من الفطائر.. لقد كان - في الواقع - كريما كما ينبغي للكرم أن يكون .. وكنت أعرف جيدا ماذا يقول في سره : بشرى شجاع يستحق بعض المرح قبل رحيله بأبشع موتة يمكن تصورها . ابتسمت على الرغم منى .. ولاحظها هو .. وهو يضع معطفه جانبا - بعد سريان تيار دافىء في المكان .. وبدأت الريح تقلل من صخبها بالخارج كأنما هي موصولة بضيفي العزيز - وقال متسائلا : - علام تضحك ؟! - لقد ذكرتني بهم ؟! - بمن ؟! - هل لديك استعداد لتستمع إلىّ؟!-
استرخى وابتسم عاقدا ذراعيه مريحا إياهما على فخذيه وقرب وجهه الوسيم منى : كياني كله مصغ إليك . .......... [b] | |
|