السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يا سامعا لكل شكوى.
اللهم يا موضع
كل شكوى، ويا سمع كل نجوى، ويا شاهد كل بلوى، يا عالم كل خفية، و يا كاشف كل بلية،
يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمائر الصامتين ندعوك دعاء من أشدت فاقته، وضعفت
قوته، وقلت حيلته دعاء الغرباء المضطرين الذين لا يجدون لكشف ما هم فيه إلا
أنت.
يا أرحم الراحمين أكشف ما بنا وبالمسلمين من ضعف وفتور وذل
وهوان.
يا سامعا لكل شكوى أعن المساكين والمستضعفين وأرحم النساء الثكالى
والأطفال اليتامى وذي الشيبة الكبير، إنك على كل شيء قدير.
معاشر الأخوة
والأخوات:
إن في تقلب الدهر عجائب، وفي تغير الأحوال مواعظ، توالت العقبات،
وتكاثرت النكبات، وطغت الماديات على كثير من الخلق فتنكروا لربهم ووهنت صلتهم
به.
اعتمدوا على الأسباب المادية البحتة، فسادة موجات القلق والاضطراب،
والضعف والهوان، وعم الهلع والخوف من المستقبل، خافوا على المستقبل، تخلوا عن ربهم
فتخلى الله عنهم:
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى
اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).
جميعُ الخلق
مفتقرون إلى الله، مفتقرون إلى الله في كل شؤونِهم وأحوالِهم، وفي كلِ كبيرةٍ
وصغيره، وفي هذا العصرُ تعلقَ الناسُ بالناسِ، وشكا الناسُ إلى الناس، ولا بئسَ أن
يُستعانُ بالناس في ما يقدرون عليه، لكن أن يكونَ المُعتمَدُ عليهم، والسؤال إليهم،
والتعلقُ بهم فهذا هو الهلاكُ بعينه، فإن من تعلق بشيٍ وكلَ إليه.
نعتمدُ
على أنفسِنا وذكائِنا بكل غرورٍ وعجب وصلف، أما أن نسأل اللهَ العونَ والتوفيق،
ونلحَ عليه بالدعاء، ونحرِصِ على دوام الصلة باللهِ في كلِ الأشياء، وفي الشدةِ
والرخاء، فهذا أخرُ ما يفكرُ به بعض الناس.
إن الفرار إلى الله، واللجوء
إليه في كلِ حالٍ وفي كل كربٍ وهم، هو السبيلُ للتخلصَ من ضعفنا وفتورنا وذلنا و
هواننا.
إن في هذه الدنيا مصائبَ ورزايا، ومحناً وبلايا، آلامُ تضيقُ بها
النفوس، ومزعجاتُ تورث الخوفَ والجزع، كم في الدنيا من عينٍ باكيةٍ ؟
وكم
فيها من قلب حزين؟
وكم فيها من الضعفاءِ والمعدومين، قلوبُهم تشتعل،
ودموعُهم تسيل ؟
هذا يشكُ علةً وسقما.
وذاك حاجةً وفقرا.
وآخر
هماً وقلقا.
عزيزٌ قد ذل، وغنيٌ افتقر، وصحيحٌ مرض، رجل يتبرم من زوجه
وولده، وآخرُ يشكُ ويئنُ من ظلمِ سيده.
وثالثٌ كسدة وبارت تجارته، شاب أو
فتاة يبحث عن عروس، وطالب يشكو كثرة الامتحانات والدروس.
هذا مسحور وذاك
مدين ،وأخر ابتليَ بالإدمان والتدخين، ورابعُ أصابه الخوفُ ووسوسةُ
الشياطين.
تلك هي الدنيا، تضحكُ وتبكي، وتجمعُ وتشتت، شدةُ ورخاءُ وسراءٌ
وضراءُ.
وصدق الله العظيم:
(لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ
وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ
فَخُورٍ).
أيها الأخوة، السؤال الذي يجب أن يكون، هؤلاء إلى من يشكون، و
أيديَهم إلى من يمدون؟
يجيبك واقعُ الحال على بشرٍ مثلُهم يترددون، وللعبيدِ
يتملقون، يسألون ويلحون وفي المديح والثناء يتقلبون، وربما على السحرة والكهنة
يتهافتون.
نعم والله تألمنا شكاوي المستضعفين، وزفراتُ المساكين، وصرخاتُ
المنكوبين، وتدمعُ أعُينَنا - يعلم الله- لأهات المتوجعين، وأناتُ المظلومين،
وانكسارِ الملذوعين، لكن أليس إلى اللهِ وحدَه المشتكى ؟
أين الإيمان بالله
؟ أين التوكلُ على الله ؟ أين الثقةُ و اليقينُ بالله ؟
ألم نسمع عن أناس
كانوا يشكون إلى الله حتى انقطاع سير نعلهم، نعم حتى سير النعل كانوا يسألونه الله،
بل كانوا يسألون الله حتى الملح.
يا أصحابَ الحاجات.
أيها
المرضى.
أيها المدينون.
أيها المكروب والمظلوم.
أيها المُعسرُ
والمهموم.
أيها الفقيرُ والمحروم.
يا من يبحث عن السعادة
الزوجية.
يا من يشكو العقم ويبحث عن الذرية.
يا من يريد التوفيق
بالدراسة والوظيفة.
يا من يهتم لأمر المسلمين.
يا كلُ محتاج، يا من
ضاقت عليه الأرضُ بما رحبت.
لماذا لا نشكوُ إلى اللهِ أمرنا وهو القائل:
(ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ).
لماذا لا نرفعُ أكفَ الضراعة إلى الله وهو
القائل: ( فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
).
لماذا ضُعفُ الصلةِ بالله، وقلةُ الاعتمادِ على الله، وهو القائل: ( قُلْ
مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ ). لولا دعاؤكم.
أيها
المؤمنون، أيها المسلمون يا أصحابَ الحاجات، ألم نقرأ في القرآنِ قول الحق عز
وجل:
( فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ) لماذا ؟ (
لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ).
فأين نحن من الشكوى لله، أين نحن من الإلحاح
والتضرعِ الله؟
سبحان الله، ألسنا بحاجةٍ إلى ربنا؟
أنعتمدُ على
قوتنا وحولِنا، والله ثم واللهِ لا حول لنا ولا قوةَ إلا بالله.
واللهِ لا
شفاء إلا بيد الله، ولا كاشفَ للبلوى إلا الله، لا توفيق ولا فلاح ولا سعادةَ ولا
نجاح إلا من الله.
العجيبُ والغريب أيها الأخوةُ أن كلَ مسلمٍ يعلمُ ذلك،
ويعترفُ بهذا بل ويقسمُ على هذا، فلماذا إذاً تتعلقُ القلوبُ بالضعفاءُ العاجزين
؟
ولماذا نشكو إلى الناسِ ونلجأَ للمخلوقين ؟
سل الله ربك ما
عنده............. ولا تسأل الناس ما عندهم
ولا تبتغي من سواه الغنى.....
وكن عبده لا تكن عبدهم
فمن يا إذا بُليت سلاك أحبابك، وهجرك
أصحابك.
يا من نزلت بها نازلة، أو حلت به كارثة.
يا من بليت بمصيبةٍ
أو بلاءٍ، ارفع يديك إلى السماء وأكثر الدمعَ والبكاء، وألحَ على اللهِ بالدعاء
وقل:
يا سامعاً لكلِ شكوى.
إذا استعنت فأستعن بالله، وإذا سألت فأسأل
الله، وقل يا سامعاً لكل شكوى.
توكل على الله وحده، وأعلن بصدقٍ أنك عبده
واسجد لله بخشوع، وردد بصوتٍ مسموع:
يا سامعاً لكلِ شكوى.
إنا قصدناك
والآمال واقعةٌ.........عليكَ والكلُ ملهوفُ ومبتهلُ
تنبيه مهم: كثير من الناس
إذا وقع بشدة عمد إلى الحرام، كمن يذهب للسحرة والكهان، أو يتعامل بالربا والحرام،
فإذا نصح أو ذكّر قال: أنه مضطر، أو كما يقول البعض ليس كمن رجله في النار كمن رجله
في الماء.
ولعلي أيها الحبيب أذكرك بآية ربما أنك نسّيتها في خضم المصيبة
والشدة التي وقعت فيها،
إن الله عز وجل يقول: (أَمَّنْ يُجِيبُ
الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)،
والمضطر الذي أحوجه مرض أو
فقر أو نازلة من نوازل الدنيا إلى اللجأ والتضرع إلى الله كما يقول
الزمخشري.
وأنت أيها الأخ، أو أيتها الأخت، تذكر أنك مضطر والمضطر وعده الله
بالإجابة حتى وإن كان فاسقا، فإذا كان الله قد أجاب دعوة المشركين عند الاضطرار فإن
إجابته للمسلمين مع تقصيرهم من باب أولى.
.فلماذا التسخط والجزع والشكوى
والأنين فلعل في ما حصل خيرا لك فتفاءل وأبشر، واعتمد على الله وارفع يديك إلى
السماء وقل: يا سامعا لكل شكوى.
واحسن الظن بالله
إلى كل مصاب ومنكوب،
وإلى كل من وقع في شدة وضيق أقول:
اطمأنوا فقد سبقكم أناس في هذا الطريق،
وما هي إلا أيام سرعان ما تنقضي، وفي بطون الكتب المصنفة في الفرج بعد الشدة
للتنوخي وأبن أبي الدنيا والسيوطي وغيرهم مئات القصص لمن مرضوا أو افتقروا أو عذبوا
أو شردوا أو حبسوا أو عزلوا، ثم جاءهم الفرج ساقه لهم السميع
المجيب
اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.
يا سامعا لكل شكوى لفضيلة الشيخ إبراهيم الدويش