أربعون عاما لم ينطق لسانها إلا بالقرآن!! قلتها بنبرة تشي بالدهشة الممتزجة بانبهار وشيء من التشكك إن الشيخة عائشة بنت صفوان كانت تصرف كل أمور حياتها اليومية من خلال آيات الذكر الحكيم... أنت لا تصدقين.. اقرئي هذا..
قال د.بهاء حسب الله ـ أستاذ الأدب الإسلامي في العصور الوسيطة, فيما دفع إلي بكتاب عتيق طال الاصفرار صفحاته..
يروي لنا شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك الحنظلي صاحب كتب التصانيف والرحلات, وجامع علوم الحديث والفقه المعروف, وصاحب كتاب (الجهاد) صورة لقائه بالسيدة (عائشة التميمية) في إحدي شعاب مكة وهو لا يعرفها.
يقول عبد الله بن مبارك الحنظلي: خرجت حاجا إلي بيت الله الحرام, وزيارة قبر نبيه عليه الصلاة والسلام, فبينما أنا في الطريق إذ أنا بسواد, فتميزت ذاك, فإذا هي عجوز عليها درع من صوف مصري وخمار من صوف.
فقلت لها: السلام عليك ورحمة الله وبركاته.
فقالت: (سلام قولا من رب رحيم)
فقلت لها: يرحمك الله ما تصنعين في هذا المكان ؟
قالت: (من يضلل الله فلا هادي له).
فعلمت أنها ضالة عن الطريق.. فقلت لها: أين تريدين ؟
قالت: (سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي).
فعلمت أنها قضت حجها, وهي تريد بيت المقدس.
فقلت لها: منذ متي وأنت تريدين هذا الموضع ؟
قالت: (ثلاث ليال سويا).
فقلت: ما أري معك طعاما تأكلين منه ؟
قالت: (هو يطعمني ويسقين).
فقلت: فبأي شيء تتوضئين ؟
قالت: (فإن لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا).
فقلت لها: إن معي طعاما فهل لك في الأكل ؟
قالت: (ثم أتموا الصيام إلي الليل).
فأدركت أنها صائمة, فقلت لها: لسنا في شهر رمضان.
فقالت: (ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم).
فقلت: قد أبيح لنا الإفطار في السفر.
قالت: (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون).
ولما وجدتها لا تتكلم إلا بالقرآن الكريم, قلت لها: لم لا تتكلمين مثلما أكلمك ؟
قالت: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
قلت: من أي القبائل أنت ؟
قالت: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا).
قلت: قد أخطأت فاجعليني في حل.
قالت: (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم).
قلت: فهل لك أن أحملك علي ناقتي هذه فتدركي القافلة ؟
قالت: (وما تفعلوا من خير يعلمه الله).
يقول عبد الله بن المبارك فأنخت ناقتي.
قالت: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم).
فغضضت بصري عنها, وقلت لها: اركبي.
فلما أرادت أن تركب قفزت الناقة فمزقت ثيابها.
فقالت: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم).
فقلت لها: اصبري حتي أعقلها.
قالت: (ففهمناها سليمان).
فعقلت الناقة وقلت لها اركبي.
فلما ركبت قالت: (سبحان الذي سخر لنا هذاوما كنا له مقرنين, وإنا إلي ربنا لمنقلبون). فأخذت بزمام الناقة, وجعلت أسعي وأصيح.
فقالت: (واقصد في مشيك واغضض من صوتك).
فجعلت أمشي رويدا رويدا, وأترنم بالشعر.
فقالت: (فاقرءوا ما تيسر من القرآن)....
و إلي بقية الحوار في الأسبوع المقبل