إنّ من أعظم الأمانات أمانة النفس؛ فهي أعظم من أمانة الأموال والأولاد، إذ أقسم الله بها في كتابه، ولا يقسم الله إلا بعظيم، قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}، وقد جعل الله لهذه النفس طريقين: طريق تقوى وبه تفوز وتفلح، وطريق فجورٍ وبه تخسر وتخيب؛ لذلك فإن الثورة على النفس هي طريق استقامتها وكمالها وفلاحها وسعادتها، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} الحشر:18. وقال ابن كثير في تفسيره لـ«وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ»؛ أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم ميعادكم وعرضكم على ربكم.
كما قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} الشمس: 7- 10. ومعناه قد أفلح من زكّى نفسه فأصلحها وحملها على طاعة الله عز وجل، وقد خاب من دسّاها؛ أهلكها وأضلها وحملها على المعصية. وفي الحديث عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني»، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: »حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزيّنوا للعرض الأكبر، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)».
مفهوم الثورة على النفس
وحول مفهوم الثورة على النفس، تقول العيسى: إنّ لها العديد من المعاني الجليلة، منها على سبيل المثال: «أنها تعني التمييز بين ما للعبد وما عليه، فيستصحب ما له ويؤدي ما عليه؛ لأنه مسافر سفرًا لا يعود، أو هي تقييم النفس لمعرفة مواطن الشر فيها، ومن ثم الثورة عليها، والعمل على هدمها وتغييرها».
فوائد الثورة على النفس
تحقق للثائر على نفسه عدة أمور طيبة منها:
أولاً: الاطلاع على عيوب النفس ونقائصها ومثالبها، ومن لم يطلع على عيب نفسه لا يمكنه معالجته وإزالته.
ثانيًا: التوبة والندم وتدارك ما فات في زمن الإمكان.
ثالثًا: معرفة حق الله تعالى، فإنّ أصل الثورة على النفس هو محاسبتها على تفريطها في حق الله تعالى.
رابعًا: انكسار وتذلل العبد بين يدي ربه تبارك وتعالى.
خامسًا: معرفة كرم الله سبحانه ومدى عفوه ورحمته بعباده في أنه لم يعجل لهم عقوبتهم مع ما هم عليه من المعاصي والمخالفات.
سادسًا: الزهد، ومقت النفس، والتخلص من التكبر والعجب.
سابعًا: تجد أنّ من يثور على نفسه يجتهد في الطاعة ويترك المعصية؛ حتى تسهل عليه المحاسبة فيما بعد.
ثامنًا: رد الحقوق إلى أهلها، ومحاولة تصحيح ما فات.[b]