مسابقة الكتاب.. كشف الكثير من الحقائق حوله
«البومة».. خرافات وأساطير بين الشؤم والنظرة الحكيمة
حجم الخط |
صورة 1 من 1
تاريخ النشر: السبت 04 سبتمبر 2010
أحمد السعداوي
البومة طائر ارتبط في أذهان الكثيرين بالشؤم حيناً وبالحكمة أحياناً أخرى، وبقي محوراً أساسياً في العديد من الخرافات والأساطير على مر القرون، وهو ما يجعل من الكتابة عنه موضوعاً شيقاً ومثيراً، ولذا نذهب مع ديزموند موريس لنستكشف معه عبر كتابه “البومة” التاريخ الطبيعي والثقافي لهذه الجوارح الليلية.
يسعى ديزموند موريس في كتابه "البومة" إلى رصد تطورها، وتركيبتها الفسيولوجية بشكل دقيق، ورمزيتها عند الشعوب البدائية والمتحضرة والمتمدنة وتصورات الكتاب المقدس حولها، وبيان كيف وظفها الشعراء في قصائدهم، والروائيون في نثرهم، والرسامون في لوحاتهم والنحاتون في نقوشهم، كما يتعرض لأنواعها العديدة وحضورها الطاغي على وجه البسيطة، حيث توجد البوم على كل أرض مترامية في أرجاء المعمورة. ونتيجة لهذا الانتشار الواسع، فقد ظهرت هذه الطيور في الحكايات الشعبية، والأساطير والخرافات عند كثير من الشعوب.
تناقض واضح
يقول المؤلف إن البومة طائر ينطوي على تناقض واضح، فهو يعد من أكثر الطيور انكشافاً ووضوحاً، وأكثرها غموضاً أيضاً، فإذا طلبت من أي شخص أن يرسم صورة لبومة فسوف يبادر لذلك دون تردد، وأما إذا سألته متى كانت آخر مرة رأى فيها بومة، سيصمت لبرهة، ويفكر ملياً، ويجيبك أنه لا يتذكر ويرجع الباحث هذا التناقض إلى أنه من السهل إدراك أساليب عدم رؤيتنا لطائر البومة الحي إلا نادراً، إلى أن هذا الطائر الضاري الخجل يقوم بتحليقاته بصمت تام تحت جنح الظلام، ولولا خروجنا عن طورنا لصيد واحد منها تنظيم مطاردات ليلية بأجهزة ومعدات خاصة، لما سنحت لنا فرصة رؤية أحد هذه الطيور وجهاً لوجه.
ويوضح الباحث أن هناك ثمة تشابه بين البشر وهذا الطائر، وذلك من خلال رأسه العريض وعيناه الواسعتان، وهو ما يجعلنا أكثر إدراكاً له، ويشعرنا بالتعاطف معه وكأننا في حفرة قريبة من حبس الطيور، وإن كان هذا لا يمنعنا من الشعور بالخوف منه. وعندما نتفحص تاريخ علاقتنا بالبوم، نكتشف أنها كانت تحتمل - في الحقيقة - الحكمة والشر على حدٍ سواء فقط، تستمر صور البومة في التغير حكيماً أو شريراً، شريراً أو حكيماً، ظلت هاتان الإيقونتان تتبادلان وتتغيران لعدة آلاف من السنين.
أدوار عديدة
يعمد موريس إلى تقصي هذين الدورين وأدوار أخرى عبر صفحات كتابه الذي بين أيدينا، فيمكن لطائر البومة الشرير أن يتحول فجأة إلى بومة حامي، إذا سخرت عدوانيته الوهمية ووجهت ضد أعدائنا، فقد صور الطائر في الهند، أداة بيد الآلهة تنقض من أعلى السماء، أما في أوروبا فقد صورها بعضهم رمزاً للعناد، في حين صورها آخرون رمزاً لرباطة الجأش إلى استعراض قصة البوم منذ ما قبل التاريخ فيوضح أنه علم من بقايا الحفريات أن البوم وجدت سلالة منفصلة منذ ستين مليون عام على الأقل، وهذا ما يجعلها أحد أكثر مجموعات الطيور المعروفة قدماً ومنحها الوقت الكافي لصقل طريقتها المتخصصة في العيش بوصفها طيوراً مفترسة، ويبين أن معرفة الإنسان بالبوم ترجع إلى قرابة ثلاثين ألف سنة، في حين أن اكتشاف الدليل على ذلك تم مؤخراً في ديسمبر من عام 1994 حين عثر ثلاثة مكتشفو ن في كهف كبير في جنوب شرق فرنسا. صور لحيوانات وطيور عديدة منقوشة على جدران الكهف ومن بينها صورة بومة، مثلت أقدم تمثيل معروف موجودة للبومة في الوقت الراهن.
الروح البشرية
عن البوم في الزمن القديم، يذكر الباحث حضارات الشرق الأوسط وجنوب أفريقيا القديمة بعض البوم الخالد في الذاكرة، حيث صمم فنان قبل حوالي أربعة آلاف عام في بابل (جنوب العراق) لوحة مجسمة غريبة مصنوعة من الفخار، تقف في وسطها إلاهة عارية مخيفة تتخذ شكل إنسان، ولكنها تملك أجنحة وأقدام بومة. ولأجل وصف قوتها فقد صورت وهي تدوس على أسدين عجاف ويحيط بها طائرا بومة ضخمان يقفان بانتصاب وطيد ووجههما للأمام، مما يعطي الانطباع أنهما حراسها أو رفقاؤها.
أما في مصر فيوضح الكاتب أنه رغم عدم قيام البومة بدور بارز في الدين المصري كالذي رأيناه عند الصقر، أو طائر أبو منجل، أو النسر، فإننا نعلم أنه كان ينال الاحترام ليحظى بشرف التحنيط في المناسبات، غير أن المصريين ربطوا بين البوم والروح البشرية، حيث كانت روح المتوفى في معتقداتهم ترتحل ليلاً في جو على شكل طائر ذي رأس بشرية يشبه إلى حد كبير طائر البومة.
وعن البلاد الإغريقة يؤكد الباحث أنها البلاد التي شهد فيها البوم أوج تقديره بوصفه طائراً رمزياً، وفي هذه المدينة أضحت الحكمة وطائر البومة ردفين. كما أن عملة أثينا شهدت صورة البومة على أحد وجهيها والجانب الآخر صورة الآلهة، كما أن البومة ارتبطت بكثير من الأساطير المتعلقة بالآلهة، كما وجدت صورة البومة على كثير من الأواني الخزفية الإغريقية.
طير مقدس
في روما تحولت إلاهة أثينا في روما القديمة إلى الآلهة مينيرفا، فعندما قهرت جيوش الرومان جيوش الإغريق، اختاروا جميعاً حارسهم، ذلك أن إلاهة الرومان مينيرف تمتلك الصفات نفسها التي لدى إلاهة أثينا الإغريقية، لذا فقد استعاروا طيرها المقدس وجعلوه لأنفسهم. عند ربط طائر البومة بمينيرفا، لم يصب النجاح ذاته، ويعود ذلك إلى وجود اعتقاد طاغ في أواسط الشعب الروماني أن البومة مخلوق شرير أو رمز للموت.
خاصة وإن إحدى الخرافات هناك، كما يبين المؤلف، كانت تتحدث عن ساحرات لديهن القدرة على التحول إلى بوم لينقضوا بعد ذلك على الأطفال الرضع النيام ويمصون دماءهم وقد جعل هذا الاعتقاد البوم تنتمي إلى عالم مصاص الدماء. فقد كان سماع نعيب البومة يعني أن ساحرة تقترب أو أن أحداً ما على وشك الموت.
ويدلف الباحث إلى منحى آخر غريب وطريف في مسيرة البوم بين الأحياء الطبيعية، ويتعلق بخرافات استخداماته الشفائية، ومنه ما تضمنه أحد الكتب الطبية في القرن الخامس عشر من أن علاج الجنون كان يتضمن وضع رماد طائر بومة فوق عين المجذوب، وارتكز هذا العلاج التجريبي على مبدأ أن رؤية طائر البومة الحكيمة يمكن أن تنتقل بهذه الطريقة إلى رؤية الرجل المصاب بالجنون الذي أتلفت رؤيته بشكل مسعور.
وهناك اعتقاد مشابه بالهند في أكل بيضة البومة لتحسين الرؤية الليلية، وقد فضل هنود الشيروكي أن يغسلوا أعين أطفالهم بماء يحتوي على ريش طائر البومة من أجل منحهم المقدرة على السهر طوال الليل.
كما وردت عن أساطير لاستخدام البوم في الشفاء من داء السكر، وبعض حالات النقرس، وأيضاً غلي دهن البومة في تخليص الجسم من الآلام وغيرها من الأعاجيب المرتبطة بقدرات البومة الشافية.
مجرم ومختلس
حول البوم الرمزية يفسر الباحث كيف أن الكتاب المقدس يعج بكره البوم، وهناك ستة عشر ذكراً للطائر في العهد القديم في التوراة، معظمها عدائي، وهو ما يتفق مع النظرية التي شاعت لآلاف السنين عن البوم بوصفها روحاً شريرة تحوم بصمت في سماء الليل بحثاً عن ضحايا بشرية، قصد أن تُوقع بهم الأذى. وقد عزّزت صيحاته الغريبة هذا الانطباع، وصبغته بسمة نذير القدر المشؤوم، والدمار، والهلاك. ولأنه لا يخرج إلا في الليل، ويبقى صامتاً على نحو غريب خلال طلعاته، فإنه يذكرنا بالمجرم المختلس، أو باللص، أو بالقاتل الذي يترصد تحت جنح الظلام. وكما رأينا، عنت طريقة البوم في الحياة للرومان القدماء أنه كان يُرى رسلاً مخيفاً للموت. لم ينفرد الرومان القدماء وحدهم بهذه العلاقة الكئيبة غير المبررة البتة مع البوم المسالم، والبريء، وقاتل الحشرات. فقد حملت ثقافات عديدة أخرى الشعور ذاته.
توظيف معرفي
عن البوم الشعارية، يبين مورس، أن هناك منظمات كثيرة في الوقت الراهن تستخدم البومة شعاراً على شارة أو علم أو لافتة أو ريشة الخوذة ليوفروا لأنفسهم شعاراً مرئياً يعرف بهم. ويميزهم عن نظرائهم، فيمكن أن يختار نادي رياضي البومة بوصفه طائراً جارحاً، مؤكدين على مخالبه الحادة عندما يغير ليقتل ويمكن أن يختاره مجتمع مثقف لمظهره طائراً حكيماً متقدماً في السن ليوظفه رمزاً للمعرفة، فطائر البومة يمتلك تاريخاً طويلاً في توظيفه شعاراً يرتد إلى القرن السادس عشر وما قبل.
ومن ذلك ما جاء في كتاب جيلوم لابيرير "موروسوفي، 1553"، الذي يعد أول كتاب شعارات ثنائي اللغة؛ إذ كتب نصه باللاتينية والفرنسية، يظهر في إحدى الرسوم زوج تتملكها صدمة لدى استيقاظها من النوم على نعيب بومة غريب يجثم على شجرة أمام بابهم تماماً. نقرأ في ترجمة النص: "كما يرغب الطائر الذي يغمغم تحت جنح الليل الحالك لقض مضاجع أولئك الذين يهنؤون بالنوم. كذلك يفعل اللسان الشرير الذي يرغب بسكب السم الشرير لتنوح العقول السليمة لفقد هدوئها"، إذاً من الواضح أن البومة يصوّر هنا مخلوقاً ليلياً مشؤوماً يقضي مضاجع الشعب الهاجع الصادق بصرخاته الغريبة المرعبة.
شعارات مختلفة
في كتاب آخر عن الشعارات صدر في العام 1635 فقد ضمن البومة في شعارات عديدة منها فيظهر أحدها وهو البومة بأجنحة مفرودة يقف على قمة كاديوسيوس؛ وهي عصا على شكل أفعى ملتفة حول نفسها أصبحت فيما بعد رمزاً للطب. ويقف ميركوري وبالاس على الجانبي، يحمل كل منهما قرن الخصب. يرمز البومة في هذا السياق إلى الليل، أما التعليق الذي رافق الصورة فكان: "قبل أن تجلب أعمالك إلى النور، تفحصهم في الليل". بمعنى أن تفكر جيداً بما تقول قبل أن تهرع إلى المطبعة.
ويصور شعار بومة ثالث البومة رمزاً للحكمة والتعليم. فيظهره واقفاً فوق كتاب مفتوح، ويجيء التعليق: "بالدراسة واليقظة، نمتلك جوهر المعرفة". أما القصيدة في أسفل الشعار فهي مناشدة مطوّلة للطلاب ليتفادوا الشهوة الجنسية، وشهوات الطعام غير الشرعية، والسكر، وإذا أخفق الطلبة في فعل ذلك، يختتم قائلاً "أنتم لستم ما توحي به بومة أثينا، لكنكم ما ترمز إليه بويمتنا الإنجليزية". ليس من الغرابة أن نجد بومة أثينا يقدم في مجموعة ويذر بوصفها رمزاً للحكمة، ولكن ليس من الواضح البتة لم اختيرت البومة الإنجليزية المسكينة لتمثل معاقر خمر شهواني، خارج عن القانون.
البوم والفنون
يعرج المؤلف على موضوع آخر ألا وهو العلاقة بين البوم والفنانين فيقول لابد أن لوحات البوم تعدت كثيرا لوحات أي طائر آخر، لأن شكله سهل الرسم، فكل واحد يشعر برغبة في رسمه، وتلوينه، أو قولبته، أو نحته. فهناك لوحات البوم العاطفية، واليوم الكرتونية، والبوم المرسومة بمهارة فنية بسيطة، والبوم الظرفية، والبوم الهزلية. إضافة إلى الرسومات، واللوحات، والأشكال، ظهرت صورة البومة مراراً على الأواني المنزلية، وقد وضعت كتب كاملة عن المقتنيات البومية).
غير أنه يذهب إلى واحد من الفنانين القدامى الذين أولوا البوم اهتماماً خاصاً في أعمالهم وهو هيرونيمس بوس الذي يعد أشد أساطين الفن الغربيين خيالاً كئيباً قاتماً، حيث وظف صورة البومة مراراً وتكراراً في أعماله وأضفى عليها نوعاً من الدلالة الرمزية تقريباً. يظهر أحد بواكير أعماله بومة محدقاً من كوة فوق الباب بقوة شديدة؛ أحد مشاهد "الخطايا السبع القاتلة" التي أتمها في سبعينات أو ثمانينيات القرن الخامس عشر. ينظر الطائر متيقظاً نحو الأسفل إلى مشهد جشع وسكر بشري مفرطين. ووفقاً للمؤرخ الفني الفرنسي، "فإن هذا البومة المحدق يعد رمزاً لأولئك الذي يفضلون ظلمة الخطيئة والهرطقة على نور الإيمان".
ووظف في عمل مبكر الأداة ذاتها؛ بومة يحدق للأسفل إلى مشهد الفسوق والفوضى البشرية. ويطلعنا في "سفينة الأغبياء" على راهب وراهبتين يستمتعون بجلسات سكر وألعاب ماجنة مع مجموعة من الفلاحين. وقد أخرج شراع قاربهم الصغير شطأه على غصون الشجرة التي يجثم عليها البومة الجليل، من الواضح أن البومة، صوّر هنا مرة أخرى بشكل واضح رمزاً ليلاً للشر المظلم.
حاسة مدهشة
لا يتمكن البومة أحياناً من رؤية فريسته على الرغم من رؤيته الدقيقة المدهشة بعيدة المدى. فيمكن أن تختبئ ضحيته المقصودة تحت بساط من الأوراق - على سبيل المثال - حينها يبقى المفتاح الوحيد لمكانها هو صوت الحفيف الخافت الذي تحدثه. هنا يجيء دور حاسة البومة السمعية العالية. فقد أظهرت تجارب أجريت على البوم في المختبرات، أن حاسة السمع لديها تفوق حاسة البشر بعشر مرات. وقد كشفت اختبارات أخرى أن بوم الحظائر تتمكن من رصد الفئران وقتلها حتى في الظلام المطبق، شريطة أن تحدث ضحاياها نوعاً من الحفيف أو أن تضيء.
عاجز ومحير
أكثر أنواع البومة إثارة للحيرة، هو بومة باهامات الكبير المنقرض الذي عُرف من أجزاء أحافير له. هذا النوع المنقرض الذي يشار إليه أيضاً ببومة حظائر جزيرة أندروس أو بومة حظائر باهامان كان قريباً لبومة الحظائر الشائع في زمننا الراهن. وقد كان عملاقاً بين البوم، يبلغ طوله متراً (39 إنش) وقد فقد القدرة على الطيران. كان يعيش في غابات الصنوبر القديمة في جزيرة أندروس، الجزيرة الأكبر في باهاماس، وكان يعشش في جحور. حاول البقاء على قيد الحياة مع وصول الأوروبيين في القرن السادس عشر حتى أقدموا على إزالة غاباته، فاختفى بسرعة.
التقييم العام
12345 تقييمك
12345
لا يوجد تعليق لهذا المقال
الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
image
أدخل النص هنا
الأكثر قراءة أخبار ذات صلة
الأكثر إرسالاً
«المالية»: مشروع قانون الإفلاس الجديد يساعد المتعثرين على سداد ديونهم ويدعم الاقتصاد
طريق جديد بمعايير عالمية بين أبوظبي ودبي بطول 62 كيلو متراً
«الصحة» تحذر من مستحضر يحتوي على مادة «الترامادول» المخدرة
«التحكيم الرياضي» في أبوظبي دليل على ثقة المجتمع الدولي
المحكمة تختص بالنظر في كل النزاعات ذات الصفة الرياضية
اقرأ المزيد : المقال كامل - «البومة».. خرافات وأساطير بين الشؤم والنظرة الحكيمة - جريدة الاتحاد http://www.alittihad.ae/details.php?id=56093&y=2010&article=full#ixzz1laQNIllP
[b]