كتب شيماء القرنشاوى ٢٩/ ٥/ ٢٠١١
«صورة أرشيفية»
جمعة الغضب التى تم فيها قطع الاتصالات والإنترنت
ألزمت محكمة القضاء الإدارى، أمس، الرئيس السابق حسنى مبارك، والدكتور أحمد نظيف، رئيس الوزراء الأسبق، واللواء حبيب العادلى، وزير الداخلية الأسبق، بدفع تعويض قدره ٥٤٠ مليون جنيه عن الأضرار التى ألحقوها بالاقتصاد القومى بسبب قطع شبكات الاتصال بالهواتف المحمولة والإنترنت لمدة ٥ أيام أثناء ثورة ٢٥ يناير. صدر الحكم برئاسة المستشار حمدى ياسين، نائب رئيس مجلس الدولة.
رفضت المحكمة الدفوع الخاصة بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى، وعدم قبول الدفع برفع الدعوى من غير ذى صفة.
وحددت المحكمة المبلغ الملزم بدفعه كل من المطعون ضدهم الثلاثة، فألزمت «مبارك» بدفع ٢٠٠ مليون جنيه، و«العادلى» ٣٠٠ مليون، و«نظيف» ٤٠ مليون جنيه، مع احتفاظ المتضرر - ممثلا فى الخزانة العامة للدولة - بإعادة النظر فى مبلغ التعويض المقدر والزيادة فى مدة حددتها المحكمة بنهاية العام المالى الجارى ٢٠١١- ٢٠١٢.
كانت المحكمة قد بدأت نظر الدعوى فى مارس الماضى، وقال مقيم الدعوى أن الشركات الثلاث «فودافون وموبينيل واتصالات»، أخلّت بشروط التعاقد الخاصة بتقديم الخدمة، خلال وقت كان جموع المصريين فى أمس الحاجة لهذه الخدمة.
وأضاف أن الشركات شاركت النظام السابق فى تحقيق هدفه، وهو القضاء على الثورة. وأنها بذلك خالفت المادة ٤٥ من الدستور المصرى التى تنص على أن حياة المواطن الخاصة حرمة يحميها القانون، وكل ما يتعلق بالمراسلات البريدية والبرقيات والمحادثات التليفونية، وأن سريتها مكفولة، ولا يجوز مصادرتها أو مراقبتها إلا بحكم قضائى، ولمدة محددة، وفقاً لأحكام القانون.
أحالت المحكمة الدعوى لهيئة مفوضى الدولة التى أكدت فى تقريرها بالرأى القانونى أن كل من أضير من قرار قطع إرسال واستقبال خدمات الهواتف المحمولة، والإنترنت خلال أيام ثورة ٢٥ يناير يستحق التعويض.
وأوصت الهيئة بإلزام الرئيس السابق، ورئيس الوزراء الأسبق، ووزير الداخلية الأسبق، بدفع التعويض الذى تقدره المحكمة لخزينة الدولة عن الأضرار المادية التى لحقت بالاقتصاد نتيجة قرار قطع الاتصالات وشبكة الإنترنت عن المصريين خلال الفترة المذكورة.
وطلب المحامى مقيم الدعوى من المحكمة فى الجلسة التى أودع فيها تقرير المفوضين أن يتضمن حكمها قيمة التعويض الذى تراه، على أن يخصص لإقامة مؤسسة أهلية معنية بتطوير التعليم والبحث العلمى خلال السنوات المقبلة.
وأكدت المحكمة فى حيثيات «أسباب» حكمها أن قطع الاتصالات كان من شأنه حجب تدفق المعلومات الصحيحة عن صناع القرار، مشيرة إلى أن قرار قطع الاتصالات جاء متعمداً وليس عفويا.. وأن تقرير لجنة تقصى الحقائق وردت به شهادة رئيس الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات الذى أنحى باللائمة على وزير الداخلية فى اتخاذ قرار قطع خدمات الاتصالات فى محاولة منهم لوأد الثورة.
وأشارت المحكمة إلى أن المبادئ الدستورية أقرت جميعها بعدم جواز المساس بحقوق التواصل الاجتماعى، مشددة على أن سلامة الأمن الوطنى إنما تعنى سلامة أمن البلاد لا سلامة أمن النظام الحاكم الذى لا تكفل سلامته إلا بتعبيره الصادق عن آمال وطموحات الشعب وفقاً للعقد الاجتماعى.
وقالت المحكمة إن ملابسات قطع خدمات الاتصالات تتمثل فيما عاشته البلاد من فساد سياسى وإهدار للمال العام وانتهاك للحقوق والحريات العامة وتزوير وتزييف الحياة النيابية وغيبة العدالة الاجتماعية وبروز الفوارق الشاسعة بين الطبقات وتخلى النظام الحاكم عن مسؤولياته السياسية والاجتماعية وانتشار القمع واستغلال النفوذ، وغيرها من مظاهر الفساد التى أفضت إلى ثورة ٢٥ يناير.
وذكرت المحكمة أن التقرير التفصيلى بشأن قطع خدمات الاتصالات أثبت مسؤولية الرئيس السابق مبارك ورئيس الوزراء نظيف ووزير الداخلية العادلى، مشيرة إلى أن النية كانت مبيتة لقطع الاتصالات وحجب وسائل الاتصال، حيث كانت قد جرت تجارب شاركت فيها وزارات الداخلية والإعلام والاتصالات فى قطع الاتصالات فى أحداث سابقة على الثورة.
وأضافت المحكمة أن العادلى بصفته المسؤول عن تحديد تعرض الأمن القومى داخل البلاد للخطر، هو الذى أصدر القرار بقطع خدمات المحمول والإنترنت بعد ظهر يوم ٢٥ يناير.. مشيرة إلى أن مسؤولية مبارك ونظيف تأتى باعتبارهما مسؤولين عن سلامة الوطن والأمن القومى، وأن القرار بقطع خدمات المحمول والإنترنت صدر بعلمهما ومباركتهما. وأكدت المحكمة عدم صحة السبب الظاهر بادعاء حماية الأمن القومى للبلاد، باعتبار أن الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية لم تكن محل تهديد، وإنما كان شباب الثورة يبتغون الإصلاح، فضلا عن عدم وجود عدوان خارجى على البلاد..
الأمر الذى تصبح معه عملية قطع الاتصالات متدثرة بعباءة الأمن القومى عارية تماما عن الصحة، وأن السبب الحقيقى كان حماية نظام الرئيس السابق مبارك، من خلال تقطيع أوصال الأمة وشل المتظاهرين وتشتيت جموعهم. وأشارت المحكمة إلى أنه ثبت لديها أن قطع الاتصالات تسبب فى خسائر على مدى ٥ أيام بلغت ٩٠ مليون دولار أمريكى فى قطاع خدمات الإنترنت والاتصالات وحده، استناداً إلى تقديرات منظمة التعاون الاقتصادية والتنمية الصادر فى ٣ فبراير الماضى. مشيرة إلى أن هذا المبلغ لا يشمل الآثار الاقتصادية الثانوية التى تحسب عن فقدان الأعمال فى القطاعات الأخرى المتضررة.
وكان أحد المحامين قد أقام الدعوى وطالب فيها بإلغاء القرار الصادر بقطع شركات المحمول الثلاث «موبينيل - فودافون - اتصالات» لخدمات اتصالات الهاتف الجوال والإنترنت «بغية إثبات الخطأ والضرر الذى تسبب فيه القرار»، الأمر الذى كان من شأنه الإضرار بالاقتصاد القومى ومصالح المواطنين.
وأوضح المحامى محمد عبدالعال، مقيم الدعوى، أن قطع خدمات الاتصالات الجوالة تسبب فى إشاعة الفوضى بين المواطنين، وعدم قدرتهم على الاتصال بسلطات النجدة والإسعاف، وعدم اطمئنان المواطنين على ذويهم.. مشيراً إلى أن ذلك التصرف جاء بصورة مفاجئة ودون سابق إنذار، مما ترتب عليه إلحاق أبلغ الضرر بالاقتصاد القومى.
وأشار إلى أن قطع الاتصالات بإيعاز من سلطات الدولة الرسمية، كشف عن قيام تلك الشركات بمراقبة الاتصالات والتنصت عليها لصالح أجهزة أمنية، بالمخالفة للقانون والدستور الذى كفل سرية الاتصالات وعدم التعرض لحياة المواطنين الخاصة ومراسلاتهم ومحادثاتهم الهاتفية أو التعرض لتلك الخدمات بالقطع أو المصادرة إلا بإذن من جهات التحقيق القضائية وحدها.
وأشار مقيم الدعوى إلى أنه، وكل من أضير من قطع خدمات الاتصالات، يستحق تعويضات مالية، وطالب من تم اختصامهم فى القضية بأداء تلك التعويضات، وفى مقدمتهم الرئيس السابق حسنى مبارك، ورئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف، ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى