«مللت من الحياة في إنجلترا» قالها جوزيف الشاب الإنجليزي البالغ من العمر الثانية والعشرين، وبعد أن أخذ قرار الرحيل سافر بعد قليل إلى الولايات المتحدة حيث قضى هناك عدة سنوات حصل خلالها على الجنسية الأمريكية بالإضافة إلى جنسيته الإنجليزية.
شعر جوزيف مرة أخرى بنفس الملل القديم فكرر ما قاله سابقاً «مللت من الحياة في أمريكا لا بد أن أرحل» فرحل إلى كوبا وقضى فيها عدة أشهر ولما اشتعلت نيران الحرب الكوبية اضطر جوزيف أن يغادرها وسافر إلى أسبانيا.
اتهمت قيادة الجيش الأسبانية جوزيف بالجاسوسية فقبضوا عليه وشكلوا له محاكمة عسكرية عاجلة وحكم عليه الضباط الأسبان، ولما كانت المحاكمة باللغة الأسبانية لم يفهم جوزيف أي شيء منها حتى سأل أحد الضباط بالإنجليزية فأجابه بكل حدة «لقد حكمنا عليك بالإعدام وستموت غداً رمياً بالرصاص».
أظلمت الدنيا في وجه جوزيف فهو لم يستعد لمواجهة الموت المخيف وقال لنفسه بصوت أسيف: «آه لم أكن أظن أن الخريف سيأتي عليّ بهذا الشكل العنيف». وبينما هو في زنزانته واضعاً رأسه بين ركبتيه، إذ بفكرة تنير ظلام بأسه، لماذا لا يُرسل إلى سفارتي أمريكا وإنجلترا في أسبانيا يطلب منهما الحماية؟ وفي الحال نفذ الفكرة وأرسل خطابين وضح فيهما موقفه وفي نفس الليلة كان قنصلا كل من إنجلترا وأمريكا يُطالبان القائد الأسباني بوقف تنفيذ الحكم على جوزيف. ولكن القائد رفض بكل تحدٍ قائلاً: «لقد حاكمناه بقوانينا فوجدناه مُذنباً وسيموت في الصباح ولن أتفاوض في هذه القضية».
وفي الصباح كان قلب جوزيف مليئاً بالجراح والآلام فهو طوال الليل لم يكن قد نام، وألبسوه ملابس الإعدام، ثم أركبوه عربة إلى المكان المحدد لتنفيذ الحكم. وعندما أنزلوه منها وضعوا على رأسه طاقية سوداء غطت حتى عينيه ثم ربطوا يديه في عمود نُصب لهذا الغرض وبجوار العمود حفروا قبره وكتبوا عليه: «نهاية الجاسوس» ووضعوا بجوار القبر كفن جوزيف الذي أحضروه معهم.
جهز الضابط مسدسه وبدأ القائد في العد التنازلي لإطلاق الرصاص بينما كان جوزيف في اضطراب وخوار وهو منهار يصرخ صرخات المرار. وفي لحظات جاءت عربة ووقفت بجوار العمود ونزل منها رجلان تقدما نحو جوزيف حيث لفه الأول بعلم الولايات المتحدة وكان الرجل هو قنصل أمريكا بينما لف الثاني وكان قنصل إنجلترا بالعلم الإنجليزي في صمت وذهول من الجميع، ثم تقدم الرجلان بكل ثقة إلى القائد الأسباني وقالا له «يمكنك أن تطلق الرصاص عليه الآن إن استطعت».
تردد القائد في صمت وحيرة شديدتين فهو إن أطلق رصاصة واحدة على جوزيف المحتمي في العلمين يكون بهذا أطلق النار على اثنين من أكبر دول العالم ممثلتين في هذين العلمين .. وبدلاً من ذلك أطلق سراح جوزيف حيث فكوا قيوده ورفعوا عنه طاقية الإعدام ثم سار إلى عربة القنصلين في فرح غامر وهو ما زال يحتمي في هذين العلمين اللذين كانا سبب نجاته.[b]