«المصري اليوم»تكشف مفاجآت جديدة حول «نهر» الصحراء الغربية (٣ -٣)
أجرى الحوار أشرف جمال ١٦/ ٥/ ٢٠١١
[تصوير- طارق الفرماوى «هنداوى» يتحدث لمحرر «المصرى اليوم»]
تصوير- طارق الفرماوى
«هنداوى» يتحدث لمحرر «المصرى اليوم»
قادته «الصدفة» لاكتشاف بئر جوفية، ظن فى البداية أنها يمكن أنها تساهم فى تعمير وتنمية بقعة صفراء فى قلب الصحراء الغربية، لكن بمجرد ذهابه إليها ورؤيته للكم المائى الهائل الخارج منها، وربطه لخواص هذه المياه بأخرى خارجة عن أكثر من بئر على مسافات ليست قريبة، وجد نفسه أمام كشف قد يساهم فى حل أزمة المياه ليس للبقعة الصحراوية المحيطة بالعين، وإنما لمحافظة أو أكثر.
المهندس محمود هنداوى، الذى شغل منصب مدير مديرية الزراعة فى مطروح خلال حقبة الثمانينيات، وضع فى مخيلته أنه بمجرد أن يلتقط صوراً وفيديو لتدفق مياه هذه العين بغزارة، وهى تخرج منذ ما يزيد على ٥٠ عاماً دون توقف، تخيل أن ما يحمله سيلقى اهتماما «بالغاً» من المسؤولين، خاصة فى مجال الزراعة والرى، إلا أن عدم الاهتمام الذى قابله، والذى أدخل «اليأس» فى نفسه، كان غير متوقع، خاصة عندما عرض الفكرة على الوزير كمال الجنزورى، الذى قال إنه «انشغل بأكل اللب»، وقتها.
المهندس هنداوى يروى لـ«المصرى اليوم» تجربته مع ما وصفه بـ«النهر الموازى» للنيل، الذى قادته الصدفة لاكتشافه، ويسرد محاولاته العديدة لجذب اهتمام المسؤولين إلى «عين كيفارة»، التى قال إن مياهها أعذب من مياه الصنبور، فإلى نص الحوار:
■ بداية.. أنت لست من أهل مطروح.. فكيف ومنذ متى جئت إليها..؟
- بعد تخرجى فى كلية الزراعة جامعة القاهرة، التحقت بالعمل فى وزارة الزراعة، وبمرور عام واحد أردت تحسين وضعى المالى فذهبت إلى السعودية أربع سنوات، ووقتها توترت العلاقة بين مصر والمملكة بعد إهانة عبدالناصر، الملك فيصل، حتى إن مديرى السعودى نصحنى بأن أُقدم استقالتى، وأعود إلى بلدى، وهو ما فعلته، خاصة بعد أن تحولت مصر إلى الاشتراكية.
وقتها ذهبت إلى وزارة الزراعة وقابلت أمين مخزن وحدة الجراد التى كنت أعمل بها قبل سفرى، وكتبت طلبا للانضمام إلى الاتحاد الاشتراكى، لكنهم رفضوا عضويتى لأسباب وصفوها بالخاصة، كما أبلغونى أننى أصبحت معزولاً سياسياً، بدعوى أنه تم اعتقالى أنا وأصدقائى بعد الثورة لأننا قلنا إن «شوية عيال» عاوزين يجهضوا محمد نجيب، ووقتها اتهمنا عبدالناصر بأننا شيوعيون وتم اعتقالنا.
وبعد خروجى قابلت مدير الزراعة واقترح علىّ أن أكون مديراً للزراعة فى محافظة مطروح، ووقتها كنا نسمع عن مرسى مطروح على الخرائط فقط، فقررت الذهاب إليها كى أرتاح بها لفترة قصيرة، وبالفعل استمررت هناك أكثر من ٣ أعوام، وعدت كى أتابع عملى الأساسى فى قطاع الجراد بالقاهرة، لكنى فوجئت بارتفاع رهيب فى أسعار الشقق، فقررت الذهاب دون عودة لمطروح.
■ علمت أنك استقلت من عملك فجأة رغم أنك كنت اقتربت وقتها من بلوغ سن المعاش.. فما الأسباب؟
- استقلت بسبب المشروع الألمانى لتطوير قرية «القصر» زراعياً، والذى تم رصد ميزانية له بلغت ١٤ مليون دولار، وكان القائمون على المشروع إسرائيليين، وهذا الأمر أثار استيائى الشديد، والذى بلغ ذروته حينما أجبرنا محافظ مطروح وقتها على الاحتفال بعيد ميلاد أحد هؤلاء الإسرائيليين المشرفين على المشروع، لكنى تحملت، ورغم ذلك كان من الواضح أنهم كانوا يريدون إبعادى لأسباب تتعلق بالتلاعب بالميزانيات المرصودة للمشروع، فقاموا بتهميشى وانتداب وكيل زارعة جديد على درجة مدير عام للزراعة بالمخالفة للوائح، لأنهم انتدبوه لدرجة وظيفية أقل، وهنا تقدمت باستقالة مسببة لم يجرؤ أحد على التحقيق فيها، فـ«صهينوا» عليها، لكن ما أحزننى هو أن أصدقائى تآمروا علىّ وبالفعل لم يحدث أى تطوير إلى الآن اللهم سوى بعض الشتلات التى كانت موجودة فى الأساس فأين ذهبت ميزانية التطوير؟ وذلك ما أكد اعتقادى أن الغرض من تهميشى كان بسبب التلاعب فى الميزانيات المرصودة للمشروع.
■ دعنا ننتقل إلى قصتنا الأساسية، وهى بئر كيفارة.. فما قصتك معها، وكيف علمت بوجودها؟
- كان عملى الأساسى فى وزارة الزراعة هو مقاومة الجراد الصحراوى، كما كنت أعمل فى مديرية الزراعة بمحافظة مطروح بجانب وظيفتى الأصلية وكنت أعرف مثل الجميع أن العين السخنة فى البحر الأحمر، إلا أنه كان هناك كثيرون من أبناء مطروح يؤكدون وجود عين سخنة أخرى فيها بمكان ما فى الصحراء الغربية، وتعجبت للأمر كثيراً، خاصة أن الجميع يؤكد وجود تلك العين، إلا أننى لا أعرف عنها شيئاً، أثار الموضوع اهتمامى جدا وأردت رؤيتها إلا أننى تخيلت أنها فى أماكن وعرة ويصعب الوصول إليها ولذلك لم أذهب. ولكن بعد فترة طلب منى أحد الأشخاص الذين يعلمون بأمر العين، استغلال مياهها كمزارع سمكية وذلك بحكم أننى كنت مسؤولا أيضا عن الثروة السمكية فى الوزارة وبالفعل قمت بالذهاب للعين وشاهدتها بنفسى.
■ صف لنا ماشاهدته خلال هذه الرحلة؟
- وجدت العين تقع بين مطروح وسيوة حيث توجد بئر تسمى «بئر النص» بجوارها مدقات باتجاه الشرق، حيث توجد قرية تسمى أم الصغير يبلغ عدد سكانها ٣٠٠ أو ٤٠٠ شخص آخر منعزلين عن العالم نهائيا وهذا العدد لا يزيد ولا ينقص، حيث يولد طفل ويموت آخر، وبعدها بمسافة ليست بالقليلة توجد هذه العين المسماة «العين السخنة»، أو عين «كيفارة».
وعلمت أنه منذ حوالى أربعين عاماً اكتشفت شركة بترول تدعى كيفارة هذه العين بالصدفة أثناء تنقيبها فى الصحراء الغربية، ونظرا لغزارة المياه المتدفقة منها قامت بعمل «حنفيات» ومحابس ضخمة وكانت تستخدمها لإمدادها بالمياه.
■ ولماذا اعتقدت أن تلك العين تختلف عن أى عين جوفية أخرى فى الصحراء؟
- لأنه وعلى نفس خط «عين كيفارة» أو العين السخنة كما يطلق عليها توجد آبار آخرى أقربها للعين بئر تسمى «وادى غزلان» وأخرى تسمى عين «أم الصغير» والمياه هناك بنفس مواصفات المياه التى تخرج من عين كيفارة، مما يؤكد أنه نهر جوفى وليست مجرد عين جوفية عادية.
■ وكيف تصرفت حيال الأمر؟
- بعد مشاهدتى للعين «الموضوع بقى لعبتى» وقمت بمتابعته لمدة ٤ سنوات وتوجهت لوزير الزراعة وقتها وكان الدكتور يوسف والى، وتحدثت معه عن قصة البئر فأرسل لجنة من ٨ علماء يرأسهم حسن إسماعيل، وزير البحث العلمى الأسبق، وعلماء فى مجالات مختلفة لمعاينة العين.
■ وإلى ماذا انتهت هذه اللجنة؟
- أرسلت لى تقريراً قالت فيه إن المياه أكثر عذوبة من مياه الصنبور، وتخرج بغزارة ٢٠ ألف متر مكعب يومياً، إلا أن التقرير لم يكن على المستوى المطلوب، حيث جاءت به معلومات مغلوطة، فأشار إلى أن المنطقة كانت بحرية فى الأصل، لكن تفجر المياه يدل على أنها تحت سطح البحر، وهى مع رأس منخفض القطارة، فكيف يقول إن المنطقة كانت بحرية!
وما يؤكد كلامى هو وجود قواقع لكنها قواقع «برية» حية إلى الآن، وتقرير مثل هذا يعنى أنهم «مش عاوزين يشتغلوا» ولم يكن هناك اهتمام كاف بالموضوع.
■ وهل عاينت اللجنة الآبار الأخرى القريبة من هذه العين؟
- اللجنة ذهبت بالفعل لمعاينة بئر وادى غزلان، بحكم أنها الأقرب لعين كيفارة أو «العين السخنة» لكنها وجدتها مغلقة فلم تهتم بالتحقق من الأمر ولم يتحرك أحد.
■ وهل لجأت إلى هيئة مياة الشرب أو أعطيت مسؤوليها نسخة من هذا التقرير؟
- بعد معاينتى للبئر كنت أعطى كل مسؤول أتقابل معه ما أمكن من معلومات ومستندات، لكن كلهم كانوا بيدونى «ودن من طين وأخرى من عجين».
وبالفعل ذهبت لهيئة مياه الشرب فى القاهرة، وجاء اثنان من الخبراء فى الهيئة وبعدها لا حياة لمن تنادى.
■ وهل حاولت الوصول إلى أى مسؤول وإطلاعه شخصياً على الموضوع؟
- طبعاً حاولت بشتى الطرق، وأذكر أننى ذهبت أنا وزوج أختى، وصورنا شريطاً كاملاً عام ١٩٨٣، وعلمت أن هناك مجموعة من الوزراء معزومون لدى المحافظ - وقتها كان اللواء يوسف الشامى - على حفلة فلكلور فى فيلته الخاصة، فاستغللت الفرصة وأخذت الشريط والفيديو وتليفزيوناً وذهبت إليهم، وكانت هناك مجموعة كبيرة من المسؤولين وقتها، منهم عبدالهادى قنديل، وزير البترول الأسبق، وسليمان متولى، وزير النقل الأسبق، وكمال الجنزورى الذى كان يشغل وقتها منصب وزير التخطيط، وقلت لهم «أنا هعرض عليكم موضوع سيكون مسؤوليتكم جميعا نظرا لأهميته البالغة»، وبدأت أشرح الموضوع، وأعرض الشريط وفوجئت بأن الموضوع لم يكن مفاجأة لأحد، حيث قال لى وزير البترول «أحب أصحح معلوماتك، البئر دى بتنتج ألف متر مكعب فى اليوم وليس ٢٠ كما عرضت وقال لى كل المعلومات دى عندنا».!!
■ وهل كان للجنزورى أى تعقيب على هذا الشريط؟
- لم يكن هناك له أى تعليق، لأنه كان منشغل «بقزقزة اللب»، ولم يهتم بالموضوع، فشعرت بخيبة أمل كبيرة لعدم اهتمام أى منهم بالموضوع.
■ وماذا حدث بعد ذلك؟
- فى إحدى المرات كنت أتصفح مجلة لبنانية ووجدت مقالة لكاتب مصرى تتحدث عن خزان جوفى رهيب فى الصحراء الغربية أو بمعنى أصح «نهر نيل» آخر تحت نهر النيل المقبل على السطح ويصب فى البحر المتوسط وجاء فى المقالة أن متوسط تدفق المياه فى هذا الخزان ٨٤ مليار متر مكعب سنوياً، وقال إن فاروق الباز على علم بالموضوع وهو ما جدد اهتمامى به مرة أخرى وذهبت لشخص اسمه عبدالمقصود صبحى وهو صديق مقرب ليوسف والى وكان يطلق عليه «الفتى المدلل» وقتها، وطلبت منه توصيل الشريط للوزير. وبعد فترة ولكى أعرف إذا كان وصل الشريط للوزير أم لا سألته هل فتحت الشريط قبل أن تعطيه للوزير فنفى ذلك فعلمت أنه لم يرسله إلى الوزير لأنه يستحيل أن يعطى الوزير شريط فيديو دون أن يفتحه ليعلم ما بداخله وكنت أعلم أيضا أنه فى حالة ما إذا أعطاه للوزير فلن يفعل شيئاً ولكن كانت مجرد محاولة.
■ وما علاقة فاروق الباز بموضوع البئر؟
- فاروق الباز كان اقترح مشروع ممر التعمير الموازى لنهر النيل وقال إنه سيعتمد على آبار وهو ما يعنى أنه على علم بوجود مياه فى هذه الأماكن عن طريق القمر الصناعى وأجهزة الاستشعار عن بعد حتى إنه فى بداية التسعينيات أتى مجموعة من الخبراء الأجانب وقاموا بعمل دراسات لتعمير الصحراء.
■ وما قصة ما يقال عن أن العين جزء من النهر العظيم فى ليبيا؟
- هناك معتقد بين من يعرف قصة العين يقول إنها جزء من «النهر العظيم» فى ليبيا، وكان دائما كان هناك تساؤل بداخلى وهو من أين أتى الرئيس القذافى بالنهر العظيم؟ وكنت أجد الإجابة تأتى فى ذهنى سريعا: «من هذا الخزان».
فالقذافى حصل على منطقة «جبجوب» مقابل أرض فى السلوم وليبيا تقع على بعد ١٣٠ كيلو متراً من سيوة والأرض هناك شديدة الخصوبة لدرجة أن البعض يذهب لها للحصول على الطمى الخصب للأراضى الزراعية والحصول على السماد الطبيعى «الدوبال»، والمعتقد أن النهر العظيم هو فرع خرج عشوائيا من هذا الخزان.
■ خلال جولتنا فى العين لم نلحظ وجود أى ملامح للحياة البشرية، فهل هذه المنطقة يسكنها أى من قبائل البدو؟
- المنطقة التى توجد بها العين هى منطقة تتبع إقليميا محافظة مطروح وهى مأهولة أيضا ببعض السكان ولكنهم معزولون عن العالم بسبب إهمال المسؤولين لتلك المنطقة، حتى الشيخ الذى يقوم بتعليم قاطنى المنطقة عندما سألته من أين هاجر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فرد علىّ قائلا «أظن أنه من المدينة إلى مكة» واكتشفت أنهم منعزلون عن العالم وعرضنا عليهم أن يتركوا المنطقة مقابل إعطائهم ارضاً فى سيوة، ولكنهم رفضوا وقالوا «حنسيب عضمنا لمين» ويقصدون المدافن التى تحوى أمواتهم.
■ من وجهة نظرك لماذا لم يتحرك أحد طوال الفترة الماضية من المسؤولين رغم علمهم بوجود العين وأهميتها كمصدر لمياه الشرب؟
- أنا حاولت أكثر من مرة أن أوصل صوتى لمسؤولين فى الدولة ووزارة الرى ووزارات أخرى وللأسف قابلونى بلا مبالاة وعدم اهتمام بما أقول..
يصمت لحظات قصيرة يجفف دموعه التى بدأت تسيل على وجهه قائلا: لكن لن يصيبنى اليأس، أنا وصلتلكم الموضوع وسلمتكم الراية يمكن حد من المسؤولين يتحرك بعدها، خصوصاً أن مصر مقبلة على أزمة مياه بسبب مشاكل دول حوض النيل.[b]