ليبيا: هل «يصنع» الإعلام الثورات؟
بقلم مروى مزيد ٢٨/ ٢/ ٢٠١١
ربما لا يصنعها صنعاً ولكنى أكاد أجزم الآن بأنه ضلع فى نجاحها. قطعا إرادة الشعوب هى ما تبدئ الثورات وتجعلها تستمر وتصمد، ولكن عيون العالم حين توجه لبؤرة ما كى تشاهد أناساً يصنعون تاريخهم فهذا قد يؤتى بثمار نجاحها وجعلها تجربة عالمية متداولة. لاحظنا هذا فى ثورتى تونس ومصر، فى تونس كان الشأن داخليا حتى صار دولياً بفعل الشعب التونسى وبإقرار وسائل الإعلام بكونه حدثاً جللاً.
وبتناقل أخبار ثورة تونس على وسائل الإعلام التقليدية وكذلك الجديدة بين أفراد ينقلون تجاربهم لأبناء جيلهم فى مصر، ألهمت الثورة التونسية الناجحة الثوار المصريين أيضا، ومع ممارسة النظام السابق محاولة عزل المصريين من خلال قطع الإنترنت، التليفون، ومنع وسائل الإعلام الدولية من نقل الحدث، أدى هذا إلى أمرين أولا قوة إرادة الشعب فى الاستمرار رغم «العزل» الإعلامى، وثانيا تعطش العالم لرؤية ما يحدثه المصريون بالفعل. من ثم، حين لم تستطع «الدولة» التحكم فى توجهات «المجتمع» كان حتميا أن تعود وسائل الاتصال بين الشعب ووسائل الإعلام الدولية لنقل ما يصنعه الشعب على أرضه، وباتت صورة ميدان التحرير التاريخية محفورة فى مخيلة كل من عاصرها، حتى إنها ستكون كأسئلة عهود سابقة: أين كنت حين طلع نيل أرمسترونح القمر؟ أين كنت حين سقط حائط برلين؟ أين كنت حين أسقط المصريون النظام من ميدان التحرير؟
الآن الليبيون يثورون ولأيام أولى لم يكن النقل الإعلامى مسموحاً، وكان هذا عاملاً أساسيا يحاول من خلاله معمر القذافى إخماد الثورة. وحاول القذافى التحكم فى «الصورة» من خلال بثه الشخصى لأشياء محددة كى تتناقلها الأنباء والمواقع، مثل الخطاب الذى يجمع الجد بالهزل بعوامل «مسرحية» من ملبس، ومكان بثه للخطاب والذى بدا مثل استوديو مسرح تجريبي، تخرج منه «شخصية مسرحية» غريبة الأطوار تقول لك لغزا أو تنبئك بنبوءة. هذا كان ما يحاول القذافى نقله من صورة وخطاب إعلامى كى يتصارع الهزل مع الحقائق القاسية عما يفعله جيش المرتزقة فى أبناء شعبه والمجازر التى وقعت واحدة تلو الأخرى فى المدن الليبية.
قد يكون القذافى نجح قليلا فى حجب الصورة، عزل الليبين، قتل الكثيرين منهم، اصطناع قصص حول مصريين جاءوا لتفتيت ليبيا، والتى بدت صورة مماثلة لما حاول النظام المصرى السابق إشاعته حول العملاء الإسرائيليين، الإيرانيين، الفلسطينيين، الأمريكيين الذين يحاولون القضاء على مصر فى التحرير، فى محاولة خاسرة لتفريغ الثورة من محتواها الأساسى ومن عنصرها الأوحد وهو الشعب المصرى فى مصر والشعب الليبى فى ليبيا، ولكن أقول قد نجح قليلا فى حجب الصورة، ونشر الشائعات، ولكن فى النهاية تأتى الصورة. فقد دخلت شبكة سى إن إن، وتباهت بأنها الأولى على أرض ليبيا، ومن موقع مرتفع أوضحت اللقطة آلاف المتظاهرين الليبيين وعكست سعادتهم أن العالم يراهم وأنهم لم يعزلوا تماما كما كان يُراد لهم أن يكونوا.
و السؤال الآن: بعد أن بات سيناريو التغيير الثورى الناجح فى العالم العربى هو ما نحن بصدد تكراره— والذى جاء لإعادة صيغة العلاقة المستقبلية بين المواطن العربى وحكوماته، من «حاكم» «ومحكوم» إلى «مواطن» و«إدارة» تدير أعمال مواطنيها وتضع مصالحهم فى المقدمة حرصا على أصواتهم الانتخابية- بعد تكرار هذا السيناريو فى تونس ومصر والآن ليبيا، كيف تتعامل الولايات المتحدة مع هذا التغيير فى سياساتها الخارجية؟ الإجابة: تتعامل بلغة المصالح الوطنية الأمريكية. ومصلحة الولايات المتحدة الآن هى التعاطى مع وضع عربى جديد، بات ما بعد المفاجأة أو الصدمة الأولى، أمراً واقعاً يقول إن الشعوب العربية هنا لتبقى، الغالبية من مواطنيها دون الثلاثين، وهؤلاء الشباب معهم سلاح التكنولوجيا الإعلامية. من خلال حساباتهم يستنتج الأمريكيون الآن أن «القطر قد غادر المحطة»، وعليهم الالتحاق به فى المحطة القادمة ربما، ولكنه لن يعود إلى الوراء. ليبيا هى المحطة التى يحاول الأمريكيون اللحاق بها لبدء صفحة جديدة مع الشعب الليبى الذى بصدد الفوز، وإن كانت معايير الفوز ذاتها تتباين، ولكن يبقى اعتقادى أن من يراهن على الشعوب هو الفائز، فالشعوب تبقى.
* زميل مركز دراسات الشرق الأوسط، جامعة واشنطن، سياتل، الولايات المتحدة الأمريكية
marwa@u.washington.edu
http://www.almasryalyoum.com/multimedia/video