شهداء ثورة 25 يناير
«شباب فى عمر الزهور بعضهم لم يجد عملاً، وآخرون كانوا ينشدون التغيير من أجل مستقبل أفضل لأسرهم، ورب أسرة أرزقى خرج يبحث عن عمل ليعول أسرته ويوفر لها احتياجاتها»، لم يكن أى منهم يعلم أنه يسطر الكلمات الأخيرة فى حياته، وأن لقباً واحداً سيطلق عليهم جميعاً هو «شهداء الغضب»، إنهم الشهداء الذين سقطوا فى المظاهرات التى شهدتها مصر منذ 25 يناير الماضى ومازالت مستمرة حتى الآن.
على شارك فى المظاهرات بسبب تزوير انتخابات «الشعب» وآخر كلماته لوالدته: «اطمئنى سأعود منصوراً إن شاء الله»
«حسبنا الله ونعم الوكيل فى من وعد بسلامة المشاركين فى المظاهرات، واعتذر علانية عن الاعتداء على عدد منهم، خسرنا أعز الناس وأغلى الأحباب، واحتسبنا ابننا عند الله شهيداً مات دون وطنه».. بهذه الكلمات بدأت أسرة المحامى الشهيد على حسن زهران 32 سنة ابن المنيا، الذى دفع حياته فداء لوطنه بعد تلقيه رصاصة غادرة بالرأس يوم الخميس3 فبراير الجارى وسط ميدان التحرير.
وشيع نحو 30 ألف مواطن من مواطنى مركز ملوى بالمنيا جنازة الشهيد فى مظاهرة شعبية حاشدة حتى مثواه الأخير، وردد زملاؤه هتافات (يا شهيد نام وارتاح وإحنا نكمل الكفاح).. (واسمع أم الشهيد بتنادى الداخلية قتلوا ولادى).
قال عبدالمجيد زهران، ابن عم الفقيد، والدموع تنهمر من عينيه: «كان الشهيد شعلة من الوطنية والمثابرة والنشاط، شارك فى انتفاضة شباب مصر من أجل مستقبل أبنائه»، مؤكداً أنه رغم كونه مسالماً لأبعد حد فإنه اتخذ قرار المشاركة فى المظاهرات منذ بدايتها، وعندما حاولت والدته وزوجته إقناعه بالعدول عن ذلك رفض وقال: «أنا هنا علشانكم كلكم وعلشان مستقبل أولادى ما أشارك به هو عمل سلمى يستهدف الخير للبلاد».
وأكد الحاج عبدالمجيد زهران، ابن عم الشهيد، أنه كان يتواصل مع غيره من الشباب عن طريق موقع «فيس بوك»، وتلقى دعوة بالوقوف وقفة احتجاجية يوم 25 يناير، التى تحولت بعد ذلك إلى ثورة الطاهرة، واقتنع بالهدف النبيل واستغل تردده على القاهرة، حيث كان يعد لافتتاح مكتب للمحاماة بمحافظة 6 أكتوبر، مشيراً إلى أنه كان ينوى الرجوع عقب خطاب الرئيس يوم الثلاثاء الأول من فبراير، واتصل بعائلته، وقال فرحاً إلى هنا نحمد الله حققنا الكثير، وخطاب الرئيس أبكانى وأبلغنى شخصياً بأنه بكى لما سمع رغبة الرئيس فى إنهاء حياته فى مصر، وقال الفقيد ذهب إلى ميدان التحرير للاطمئنان على زملائه وحاولنا إثناءه عن الذهاب، لكنه رفض.
وقال أفراد من الأسرة إن آخر اتصال من الشهيد بالعائلة كان يوم الخميس 3 فبراير الجارى فى الرابعة والربع عصراً، ولكن صوته كان به ضعف لا ندرى هل هو يأس أو مرارة أم إصابة قبل الطلقة القاتلة لا ندرى، وقال لأمه: «اطمئنى يا أمى سأعود إن شاء الله، وتحدث إلى صديقه الأقرب لقلبه جمال عزت عبدالرحمن، محامٍ بإحدى شركات البترول، كما تحدث إلى محمد زهران ابن عمه، ثم زوجته وأمه وكأنه كان يودع أحباءه».
وعن تلقيهم الخبر قال عدد من أبناء عمه إن أم الشهيد كانت تتابع الفضائيات عصر الخميس، وعلمت أن هناك مصابين اثنين وشهداء فانقبض قلبها، وحاولت الاتصال به دون مجيب، ولكنها بعد نحو الساعة، وتحديداً فى الخامسة وعشر دقائق فوجئت برقم هاتف الشهيد على المحمول الذى كانت تمسكه فردت فرحة، لكنها فوجئت بصوت غريب يسألها لمن هذا الهاتف، فقالت ولدى «على»، فقال لها نحن أمن مستشفى قصر العينى تعالى لتسلم جثة صاحب الهاتف بعد انتهاء حظر التجول، لتسقط الأم فى حالة انهيار عصبى تام.
وعن النشاط الحزبى قال الحاج عبدالمجيد زهران إن: الفقيد لم يشارك فى أحزاب رغم نشاطه الوطنى، ومشاركته فى انتخابات الشعب كمندوب عن نقيب المحامين، الذى كان مرشحاً فى الانتخابات وتصدى بنفسه لمحاولات التزوير.. ورفض دعوة الكثيرين للانضمام للوطنى، بسبب كرهه لسياساته، وأصيب بالإحباط عقب ظهور نتيجة الانتخابات، التى شابها التزوير، واتفقت الأسرة على أن من أهم أسباب مشاركة الشهيد بالمظاهرات هو إحساسه بالظلم من سياسات محافظ المنيا فقد حاول استصلاح قطعة أرض صحراوية بالقرب من الطريق الصحراوى الغربى بمركز ملوى، وقام بحفر بئر والسير فى كل الإجراءات القانونية، والإعداد لإنشاء مزرعة دواجن، لكن المحافظ أزالها بعد إصداره قراراً بدفع كل مستصلح 10 آلاف جنيه عن كل فدان لتسمح له المحافظة بالاستصلاح رغم أن المعنى بالأمر هو هيئة التعمير بالإضافة لإتاوات الأعراب كان الشهيد مضطراً لشراء الأرض 3 مرات فتركها.
وقال عبدالمجيد زهران ابن عم الفقيد: «تعرفت على جثة الفقيد بنفسى والضربة ليست عادية، فهى تستهدف القتل، لأن الإصابة من أعلى لأسفل، كما أن الطلق غير عادى، وليس طلقة بلطجى من سلاح محلى الصنع أو غيره مثل المعروف عن البلطجية حمله، بل يبدو أنه مقذوف متطور، لأن الجمجمة فقد منها أجزاء وكأنها انفجرت».
وتساءل: «أين المسؤولون فلم نتلق أى اتصال سواء من المحافظة أو مديرية الأمن أو الحكم المحلى أو رئاسة الوزراء أو جهاز الشرطة وكأنهم يشعرون بأنهم أصحاب الجريمة وغابوا جميعاً، حتى النيابة العامة لم تتواجد أثناء تسلمه ولم تطلب أقوالنا ولم تستدعنا، ولم يأخذ أقوالنا أحد من الشرطة أو القضاء، فهل هذا متعمد لإهدار حقوق الشهداء».
وكشف أن الفقيد كان العائل الوحيد لنحو عشرة أفراد حيث إن والده متوفى وهم ثمانية أشقاء هو أكبرهم جميعاً 2 من الذكور و5 إناث كان يتكفل هو بأخين (محمد وإسماعيل) فى بداية دراستهما الجامعية، بالإضافة إلى 3 بنات أصغرهن فى الصف الأول الثانوى، كما أن لديه طفلين محمد «عامين ونصف العام» وحسن (عام واحد) وزوجته حامل بجنينها الثالث، بالإضافة إلى والدته إنها وعدداً من المحامين بصدد إقامة دعوى قضائية ضد المتسبب مدنياً وجنائياً فى وفاة الشهيد.
وحملت الأسرة الحكومة مسؤولية مقتل الشهيد، لأن الفريق أحمد شفيق قبل استشهاد ابنها بيومين أكد سلامة الشباب ووعد بذلك واعتذر عن أحداث الأربعاء، ولو لم يصدر منه ذلك كنا سافرنا جميع الأسرة وأحضرنا «على» بالقوة.
سليمان شارك فى المظاهرة.. ووالدته أصيبت بالشلل بعد استشهاده
خيم الحزن على أهالى شارع الباسل بعد تشييع جنازة سليمان صابر على محمدين «40 سنة»، الذى لقى مصرعه فى مظاهرات مدينة السويس، واتهمت أسرته الشرطة بإطلاق الرصاص عليه عمداً، وتركه فى الشارع ينزف لفترة طويلة دون إسعافات حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.
قال «عيد سمير» ابن عم الضحية لـ«المصرى اليوم» كان سليمان لديه مقهى فى شارع الباسل بحى الأربعين ومتزوجاً ولديه 3 أولاد هم: جمال 8 سنوات ومحمد 4 سنوات وسندس 3 سنوات وزوجته حامل، مشيراً إلى أن الضحية فى يوم الحادث ذهب لزيارة عمه فى المستشفى وأثناء عودته عقب صلاة المغرب ذهب لشراء مستلزمات للمقهى، وخلال سيره فى شارع الجيش شاهد مظاهرة حاشدة، فشارك فيها وأثناء ذلك أصيب بطلق نارى.
وأضاف: «كنت انتظره فى المقهى لحين عودته، وأثناء مشاهدتى التليفزيون علمت بخبر وفاته، فذهبت على الفور إلى المشرحة لأجده جثة هامدة وطلقات الرصاص فى جسده». وتابع: «أصيبت والدة سليمان بالشلل بعد سماع خبر وفاته خاصة أنه كان يتولى مسؤولية إخوته بعد وفاة والدهم منذ أكثر من 25 عاماً».
وأكد أن دماء سليمان فى رقبة الشرطة لأنها تعمدت إطلاق النار عليه قائلاً: «نفوض أمرنا إلى الله لأننا لن نأخذ حقاً أو باطلاً من الحكومة».