بريد السبت يكتبه: أحمد البري
الحب الصامت!
أنا فتاة في الثالثة والثلاثين من عمري, لم أتزوج بعد, ومع ذلك أشعر أنني ودعت الحياة, أو قل ودعتني الحياة, وأخشي أن تمضي بي الأيام وحيدة بقلب كسير, وعين غريقة في مدامعها.
ودعني أروي قصتي منذ البداية عسي أن نجد لها حلا, فلقد نشأت في أسرة بسيطة ملتزمة دينيا ومحبة للعلم, وغرس والدي فينا كل ما هو طيب ونبيل, لا نعرف الحقد, ولا الغيرة, ولا الحسد, ولا الكراهية, قلبونا تنعم بحب الناس وعمل الخير لهم ما استطعنا إلي ذلك سبيلا.
وعندما كنت تلميذة في المرحلتين الإعدادية والثانوية حاول مدرس اللغة الإنجليزية استمالتي إليه, وركز نظره علي طوال الحصص, وسعي إلي التقرب مني خلال الفسحة, أما أنا فقد تجاهلته تماما ولم أعد أخرج إلي الفسحة, وفسرت ما يفعله معي بأنه يريد مني أن آخذ دروسا خصوصية لديه, وفي كل الأحوال أحسست وأنا في تلك السن أن مشاعره ليست صادقة, وأن كل همه أن ينسب تفوقي إليه.
ومضيت في مشوار التفوق ولم ألتفت إلي مثل هذه العلاقات, ومنذ طفولتي وأنا أدعو لنفسي بأن يرزقني الله زوجا صالحا تقيا ورعا, ويكون أيضا عالما جليلا, وسرت في انطوائي وبعدي عن الآخرين, وشغلت نفسي بالقراءة في سير الصحابة والصالحين, ووضعت دائما في مخيلتي صورة طيبة للآخرين, بل إنني كنت أعتبر كل الناس أشباه الملائكة.
وتخرجت في كلية الطب وخرجت إلي العمل فإذا بي أجد صورة مغايرة لما كنت أتصوره.. إنها صورة محبي الفساد والدسائس, وكان أحد الأساتذة يدرس لنا في السنة النهائية بالكلية, والحقيقة أنني أحسست عندما رأيته أنني أعرفه برغم عدم رؤيتي له من قبل, وسرت في قلبي تجاهه نبضات من الاحترام الشديد له, والإعجاب الكبير به.
وأصارحك القول إنني تعلقت به, وعندما مرضت عالجني, وكنت أتردد علي عيادته الخاصة كلما ألمت بي أي متاعب صحية, ونشأت دائرة من الاهتمام بيننا, وأخذت في النمو تدريجيا.
وبلغ اهتمامه بي أنه كان يتعمد إلقاء النكات لكي أضحك إذا أحس بأن لمسة حزن تكسو وجهي, وكان ينهي المحاضرة سريعا لو بدا علي الإرهاق والتعب, هكذا قالت كل تصرفاته معي لكني كنت أجد حرجا في الوقوف معه بعد انتهاء المحاضرة, واكتفيت بحبي الصامت له.
وكثيرا ما جلست إلي نفسي أسألها لكنها لا تجيب, هل يريد الزواج مني؟ لماذا ينظر إلي بكل هذا الاهتمام؟ ماذا يريد مني؟ ورأيت في منامي مرات عديدة أنه رجل صالح وله أبناء صالحون!
ومر العام الدراسي ولم أعرف عنه أي شيء, ثم تبين لي أنه متزوج, وكنت أظن أن زوجته متدينة لأنه يرتدي الدبلة في يده اليسري, وأنه يفعل ذلك من باب الوفاء لها!
وكادت الأيام تطوي هذه الصفحة, فلقد مرت سنوات لم أره فيها, ثم أخيرا شاهدته في أحد المؤتمرات الطبية, وعدت أسأل نفسي لماذا لا يتصل بي ويطلب يدي عبر الهاتف؟ لماذا لا يحدثني بشكل مباشر؟ وهل من يحب يبعد عن محبوبته كل هذه السنوات.
لقد تقدم لي كثيرون من المهندسين والأطباء والمعيدين لكني لم أشعر نحو أي منهم بالحب أو حتي الراحة النفسية, فهناك تباين كبير بين شخصياتهم وشخصية من أحببته, وأصبحت أعاني الأمرين من أسرتي كلما تقدم لي خاطب حيث أدخل في سجال معهم لا ينتهي إلي شيء!
وفي الأيام الأخيرة تقدم لي شاب ممن يرفعون شعار تنكح المرأة لمالها فرفضته وبكت أمي كثيرا لموقفي, وقد تحدثت مع صديقة لي عمن يتقدمون لي, فقالت إن زوجها يضربها ويسألها عن راتبها, وأنها تركت له منزل الزوجية وعادت إلي أسرتها, فلم يسأل عنها أو يحاول إصلاح ما فعله معها.
ووجدتني متشابهة معها في حبي وعاطفتي الصامتة علي مدي عشرة أعوام كاملة, وأخيرا رأيت في المنام أنني سأموت قريبا, وأنني ليست لدي رغبة في إنجاب الأطفال, ولم تعد لدي رغبة في هذه الحياة, ولا أعرف كيف أتخلص من هذه الأزمة العاطفية, وليت كل البنات يتعظن فلا يقعن في وهم الحب الصامت الذي وقعت فيه, وأخيرا هل تري لي أملا بعد أن قطع قطار العمر معظم محطاته؟
{{ تثير رسالتك قضية مهمة تتعلق بوهم الحب الصامت, أو الحب من طرف واحد.. أحيانا مع شباب, وأحيانا أخري مع رجال متزوجين, فلقد وقعت أسيرة هذا الوهم منذ أن كنت في المرحلة الإعدادية, حينما حاول أحد المدرسين أن يقيم علاقة عاطفية معك لكنك فسرتيها بأنه يريدك أن تأخذي دروسا خصوصية لديه, ثم في المرحلة الجامعية انجذبت لنظرات مماثلة من أستاذك الذي لاحقك بنظراته دون كلمة واحدة, وظللت تعيشين هذه الحالة الغريبة عشر سنوات كاملة رفضت خلالها كل من تقدموا إليك لأنك لم تجدي في أي منهم فارس أحلامك.
هل يعقل هذا؟ وأين أسرتك ووالدك ووالدتك الذين تصفيهم بأنهم من أصحاب العلم؟ وأي علم هذا الذي يجعل الأب يترك ابنته دون توجيه أو نصح, أو أن يعرف منك السبب الذي يدفعك لرفض كل من تقدموا لك وكلهم شباب في مقتبل العمر, والمستقبل أمامهم ومن الممكن ان يصنعوا فيه المستحيل ؟!
فالإنسان لا يولد كبيرا, وإنما يكبر مع الأيام وتزداد خبراته, ويصبح له عمله وكيانه, والفتاة التي تبني مع شاب مثلها عش الزوجية هي القادرة علي إدارة دفة سفينة الحياة إلي النهاية, وليس معقولا أن تكون ذريعتك لرفض كل من تقدموا لك هو خوفك من أن يكون سلوك من ترتبطين به مثل سلوك زوج صديقتك الذي يضربها دائما ويسألها عن راتبها, وهذا ما جعلك تتخذين قرارا برفض الشاب الأخير الذي تقدم لك طالبا يديك, فادعيت أنه جاءك من باب تنكح المرأة لمالها.
أيتها الطبيبة العاقلة.. أتصور أنك برجاحة عقلك وقدرتك علي إدارة دفة الأمور تستطيعين أن تختاري الشخص المناسب لك, وأنت مازلت في عز الشباب وليس كما تقولين في آخر محطات العمر, فإجعلي من السنوات الطويلة التي عشتيها مع الحب الصامت دافعا لك علي الحياة مع من هو جدير بك والذي يعلن للدنيا كلها أنه فخور بك وبأنك كل شيء في حياته, فهذا الأستاذ حتي لو تزوجتيه فسوف يكون زواجك منه في الخفاء.. هكذا تقول تصرفاته, وهو لم يجرؤ علي أن يفاتحك في هذا الموضوع لأنك سوف ترفضين بالطبع ما يرمي إليه, لذلك آثر السلامة واكتفي بالنظرات, لكن جرحه في قلبك غائر, وعليك أن تتحملي الآلام التي تسببت فيها لنفسك بعدم مواجهتك هذا الوضع الغريب منذ البداية.
هذه هي طريقة التعافي من مرض الحب الصامت الذي وقعت فيه باختيارك, ولتكن رسالتك درسا لكل الفتيات بأن يحذرن هذه النوعية من الرجال...
والله المستعان