اليوم أنا صغيرة وغداً أصبح كبيرة
بقلم د. أيمن الجندى ١٠/ ١/ ٢٠١١
سوسن مُنكبّة على كتاب الحساب، وكأنها لا تهتم بشىء فى العالم سوى بهذه الصفحة. لكن لو سألتها عن أى معلومات فى هذه الصفحة فلن تستطيع الإجابة.
قالت ماماً: «أنا نازلة يا سوسن، عاوزه حاجة؟».
هزت رأسها بالنفى دون أن ترفع رأسها، الحقيقة أنها تتجنب أن تلتقى عيناها بعين ماما التى تعرف كل شىء، خصوصاً الأشياء التى تفعلها من وراء ظهرها.
بمجرد أن سمعت صوت إغلاق الباب حتى كفت عن التظاهر. جرت إلى الشرفة لتشاهد أمها وهى تركب السيارة، تدير المحرك فى ثقة، ثم تنطلق مبتعدة.
سوسن تجرى إلى غرفة نوم ماما. تفتح خزانة الثياب بسرعة، تنتقى ثوب السهرة الأسود التى طالما حلمت بارتدائه. تخلع البلوزة المرسوم عليها دبدوب فى ازدراء!، ثم ترتدى فستان أحلامها.
الفستان متسع عليها قليلاً، لكنه يصلح. منذ أن بلغت سوسن الثانية عشرة وهى تشعر بشىء غامض فى كيانها. تشعر بهبوب الرياح القادمة، بتدفق الهرمونات القلقة فى أعماقها، تفور الدماء فى عروقها، كما تفور الخمر عند فتح الزجاجة.
نظرت إلى المرآة متفحصة، ثم زمت شفتيها فى عدم رضا. مازالت بعيدة عن أنوثة ماما. تريد أن تكبر بسرعة، وتستدير ساقاها مثل سيقان ماما، ويزدهر التفاح فى صدرها!
تعبث فى درج الكومودينو، ترسم بأحمر الشفاه خطين بسذاجة، ثم تزم شفتيها كما تفعل ماما. تبحث عن الحذاء ذى الكعب العالى. تنحنى على الأرض محاذرة أن يتجعد الفستان أو يتسخ، فتلاحظ ماما على الفور وتخرب بيتها. هزت شعرها المعقوص فى استهانة. ماما ستعرف عاجلا أو آجلا. الأمهات مكشوف عنهن الحجاب، ويعرفن كل شىء بمجرد النظر فى عيون بناتهن.
طوّحت حذاءها المسطح فى احتقار، سوسن الآن كبيرة. أنثى جميلة ناضجة تلبس كعبا ارتفاعه عشرة سنتيمترات. سوسن صارت الآن طويلة رائعة! نظرت إلى نفسها فى فرح، رائع أن تتسلق الأيام فى لحظة، وتطوى السنين فى لمحة بصر. تقطب ملامحها وتخفى ابتسامتها الواسعة، سوسن الآن امرأة ناضجة، إذا ابتسمت تبتسم بحساب، ابتسامة غامضة.
سوسن تُطوّح بيدها محاولة حفظ توازنها، لو كسرت الكعب ستكسر ماما رقبتها. سوسن تثبت القرط الطويل وتهز رأسها متعمدة ليهتز القرط فى دلال. تفك شعرها المعقوص، تنثره، وتسدل خصلة لتغطى عينها اليسرى فى إغراء، ثم ترنو إلى المرآة فى رضا.
...............
والآن يجب أن يراها أحد بسرعة. لابد أن يشهد الجميع بأنها ولجت عالم الأنوثة الساحر. تسير فى خطوات حذرة نحو الشرفة. يطالعها الجيران فى البناية المقابلة، ينظرون إليها فى دهشة وكأنهم لا يعرفونها، ثم يضحكون فى مرح، ويلوّحون بأيديهم فى مداعبة، سوسن تشتم رائحة السخرية فتشعر بالغيظ، وفجأة ينتابها عدوى الفرح، تضحك هى الأخرى، تقهقه بأعلى صوتها، تدور حول نفسها فى مرح، وكأنها تقول لهم، وللعالم أجمع:
«اليوم أنا صغيرة، وغداً أصبح كبيرة».
[b]