ما من آدمي إلا وله ظاهر وباطن, الفارق بينهما أن الظاهر هو الجانب المعلن الذي لا يخفيه أو لا يسعي لإخفائه, وقد يميل إن لم ي
ما من آدمي إلا وله ظاهر وباطن, الفارق بينهما أن الظاهر هو الجانب المعلن الذي لا يخفيه أو لا يسعي لإخفائه, وقد يميل إن لم يحرص علي كشفه وإبرازه,
لأنه ـ إن شئت ـ الجانب الطيب الخصب الطاهر النظيف المستقيم الخير المشرق المعطاء الصادق السليم الوضاء, وليس هذا هو علي الدوام حال الباطن, أو حال المخبوء المستور الذي يحرص الآدمي علي حجبه وستره وإخفائه عن عيون النفس, وقد يتجاهله ليستره حتي عن عيون نفسه حتي لا يزعجها بما يكدر صفو الجانب الطيب الذي يريحه أن يطمئن إليه وأن يجعله ظاهرا للناس إن لم يحرص علي إبرازه وربما المباهاة به!
وكلما اقترب الباطن من الظاهر, دل ذلك علي السواء وعلي تصالح الإنسان مع نفسه, وثقته في نظافة وطهارة وصدق ما يضمره مثل ما يظهره.. فهو قد يخفي الخير أو الصدقة أو المعروف سترا لأمرها أن يكون مباهاة أو استعراضا أو كشفا لما ينبغي ستره من احتياج الآخرين الي ما يقدمه لهم.. وقد يواريه إمعانا في التواضع والزهد والإخبات, بيد أن الباطن المخبوء أو المحروص علي إخفائه, ليس لدي كل الآدميين أو في كل الأحوال ـ كشأن الظاهر في السواء والنظافة والاستقامة, فقد يحتوي الباطن علي نقائص ونقائض مشوبة بالشر والخبث والضعة والخيانة والأنانية والأثرة وسوء الطبع والالتواء والحقارة وشهوة الإيذاء وحب الشماتة والرغبة وربما الفرح لما يصيب الآخرين أو يضنيهم أو يعريهم أو يكدرهم.. وقد يصيب الباطن كثيرا أو قليلا من هذه الاسقام, وهي أسقام لا يقبل العاقل علي إظهارها إلا ان يفلت منه ظهور أو انكشاف بعضها للحمق أو قلة الحرص أو لضغط الظروف التي تجبر أحيانا علي كشف المستور.. وهذا المستور له في الغالب رصيد من الهفوات أو الزلات أو الآثام والخطايا التي يحرص المقارف لها علي الاستتار بها وتجنب افتضاحها!!
من الأدعية المأثورة, طلب الستر في الدنيا والآخرة, الستر في الآخرة امر غايته معروفة, هي طلب الرحمة والمغفرة وتجنب أو تخفيف العذاب, أما الستر في الدنيا فهو بطلب حجب واحتجاب مالا يحب الإنسان ان يظهر من أمر ما فرط منه وزل فيه ومن أمر ما طوي عليه باطنه من نقائص ونقائض ومخبوءات كريهة بذل جهده وحرص الحرص كله علي إخفائها ويخيفه أن ينكشف سترها ويفتضح أمرها فينال من نظرة الناس إليه ورأيهم فيه ما يصغر من شأنه ويجرح صفحته وصورته وكبرياءه ومكانته!
لقد أخبرنا القرآن الحكيم أن الإنسان مفطور علي الخير وعلي الشر, فقيل في الذكر الحكيم: ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها( الشمس7.8), وقال عز من قائل: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم. ثم رددناه أسفل سافلين( التين4.5),.. وهو غير ذلك علي أحوال, قد يغلب فيها الجحود والجزع والنكران, علي العرفان والتطامن والشكر والحمد علي ما شمله من نعم, أو علي الصبر علي ما أصابه من ضر!
عن هذه الأحوال التي تعتري الانسان, وتراوده بين العرفان والجحود, أو بين الشكر والإنكار, أو بين الصدق والانتهازية, تحدث القرآن الحكيم.. فالله جل شأنه يعلم من أمر كل إنسان ما يظهره ويبديه, وما يسره ويبطنه ويخفيه.. ويخبر القرآن الحكيم عما يتداول عليه من أحوال حتي مع خالقه عز وجل.. فمن الناس من ينكر حتي نعمة الله عليه, وفيهم تقول الآية38 من سورة النحل: يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون.. وهم في ذلك علي أحوال وصفها القرآن المجيد فقال: وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون. ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون( النحل45,35).. وفي سورة يونس: وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلي ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون( يونس21).. وفي التأرجح في استقبال ما يلاقيه الإنسان من خير أو شر, جاء بسورة المعارج: إن الإنسان خلق هلوعا. إذا مسه الشر جزوعا. وإذا مسه الخير منوعا. إلا المصلين. الذين هم علي صلاتهم دائمون. والذين في أموالهم حق معلوم. للسائل والمحروم. والذين يصدقون بيوم الدين( المعارج91 ـ62).. وجاء بالآيتين94.05 من سورة فصلت.. لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيؤوس قنوط. ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة.. ثم تقول الآية التالية: وإذا أنعمنا علي الإنسان أعرض ونأي بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض( فصلت15).. وجاء بسورة الإسراء: وإذا أنعمنا علي الإنسان أعرض ونأي بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤوسا( الإسراء38).. وجاء بسورة الروم: وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون( الآية33).. وتصور سورة يونس هذا الجحود والعناد والنكران, فتقول: وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا...( يونس12).. هذا المكر والجحود والعناد ليس حال الظاهر والباطن حين تلم النوازل أو البلايا.. فجاء في سورة الزمر: وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل...( الزمر8).. وتعاود الآية94 من نفس سورة الزمر ـ تعاود التذكير بهذا التأرجح بين العرفان والجحود فتقول: فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته علي علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون( الزمر94).
هذه الآفات التي تتراوح بين الهلع والجزع والجحود والنكران, موجودة ايضا في صلات وتعاملات الناس بعضهم ببعض, وهي في الغالب الأعم مستورة مخفاة في دهاليز الباطن, وقد تظهر عفوا أو حمقا أو اغترارا! واتساع الفارق بين الظاهر والباطن, آية خلل, ولكنه يقبل الرتق بل الإصلاح, وقد رأينا القرآن المجيد ـ في سورة المعارج. يستثني المصلين المداومين علي الصلوات الذين يجعلون في أموالهم حقوقا للسائلين والمحرومين ويصدقون بيوم الدين. ونري في القرآن أنه قد وصف بالبر والتقوي, الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس, الذين ينفقون في المعروف في البأساء والضراء, فجاء بالآية771 من سورة البقرة في وصف البر والأبرار: والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون, وجاء بالآية431 من سورة آل عمران في وصف المتقين الموعودين أنهم الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين.
والسوي هو الذي يثري ما فيه من الخير وحبه, ويقاوم ويجأ مايلم به من الشر وإيثاره.. والصراع بين الخير والشر كما هو دائر في الدنيا, فإنه ناشب في نفس الإنسان, يتأسي السوي بما عليه الملائكة من خير محض, وبما فطر عليه الرسل والأنبياء والصديقون, وبما ترتاح وتطمئن إليه النفس.. ففي الحديث أن الخير ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب, وأن الإثم هو ما حاك في الصدر وكره الانسان أن يطلع عليه الناس, وإن أفتاه الناس وأفتوه!
وطلب الستر في الدنيا علامة صحة, لأن الموغل في الشر المطبوع عليه المحب له الراغب فيه, لايعنيه ستره, وهو إن أخفاه فلتجنب العقوبة أو الجزاء!.. والصحيح السوي هو الذي يأمل الستر لا طلبا للاستمرار فيما طوي عليه باطنه من نقائص, وإنما أملا في إصلاح الفاسد المعطوب فيه, وتهذيب ما انفلت منه أو ساء من طباعه, والتصالح مع السواء ومع نفسه ليكون علي ما ترضاه النفس السوية ويقره الدين والقيم والأخلاق!
علي أن الأكثرية الغالبة لا تفطن إلي هذه المفارقات بين الظاهر والباطن, ولا يعني غير الأقلية وربما النادرة ـ بإصلاح ما يكدر الباطن ويشوبه أو يعيبه, والاقتراب به من الظاهر المعلن المكشوف في السلوك وفي التعامل.. وقد يجد البعض أن إخفاء الباطن والتمويه علي المضمر ـ يدخل في باب الحذق والشطارة والمهارة, ويحسب لصاحبه كضرب من ضروب المخاتلة التي تليق بالنبهاء وأصحاب الحيلة الذين تقاس قدراتهم بمقدار هذه المكنة علي التجمل والمخاتلة لحجب المعيب المخبوء في باطنهم عن عيون الناس!!حرص علي كشفه وإبرازه,
لأنه ـ إن شئت ـ الجانب الطيب الخصب الطاهر النظيف المستقيم الخير المشرق المعطاء الصادق السليم الوضاء, وليس هذا هو علي الدوام حال الباطن, أو حال المخبوء المستور الذي يحرص الآدمي علي حجبه وستره وإخفائه عن عيون النفس, وقد يتجاهله ليستره حتي عن عيون نفسه حتي لا يزعجها بما يكدر صفو الجانب الطيب الذي يريحه أن يطمئن إليه وأن يجعله ظاهرا للناس إن لم يحرص علي إبرازه وربما المباهاة به!
وكلما اقترب الباطن من الظاهر, دل ذلك علي السواء وعلي تصالح الإنسان مع نفسه, وثقته في نظافة وطهارة وصدق ما يضمره مثل ما يظهره.. فهو قد يخفي الخير أو الصدقة أو المعروف سترا لأمرها أن يكون مباهاة أو استعراضا أو كشفا لما ينبغي ستره من احتياج الآخرين الي ما يقدمه لهم.. وقد يواريه إمعانا في التواضع والزهد والإخبات, بيد أن الباطن المخبوء أو المحروص علي إخفائه, ليس لدي كل الآدميين أو في كل الأحوال ـ كشأن الظاهر في السواء والنظافة والاستقامة, فقد يحتوي الباطن علي نقائص ونقائض مشوبة بالشر والخبث والضعة والخيانة والأنانية والأثرة وسوء الطبع والالتواء والحقارة وشهوة الإيذاء وحب الشماتة والرغبة وربما الفرح لما يصيب الآخرين أو يضنيهم أو يعريهم أو يكدرهم.. وقد يصيب الباطن كثيرا أو قليلا من هذه الاسقام, وهي أسقام لا يقبل العاقل علي إظهارها إلا ان يفلت منه ظهور أو انكشاف بعضها للحمق أو قلة الحرص أو لضغط الظروف التي تجبر أحيانا علي كشف المستور.. وهذا المستور له في الغالب رصيد من الهفوات أو الزلات أو الآثام والخطايا التي يحرص المقارف لها علي الاستتار بها وتجنب افتضاحها!!
من الأدعية المأثورة, طلب الستر في الدنيا والآخرة, الستر في الآخرة امر غايته معروفة, هي طلب الرحمة والمغفرة وتجنب أو تخفيف العذاب, أما الستر في الدنيا فهو بطلب حجب واحتجاب مالا يحب الإنسان ان يظهر من أمر ما فرط منه وزل فيه ومن أمر ما طوي عليه باطنه من نقائص ونقائض ومخبوءات كريهة بذل جهده وحرص الحرص كله علي إخفائها ويخيفه أن ينكشف سترها ويفتضح أمرها فينال من نظرة الناس إليه ورأيهم فيه ما يصغر من شأنه ويجرح صفحته وصورته وكبرياءه ومكانته!
لقد أخبرنا القرآن الحكيم أن الإنسان مفطور علي الخير وعلي الشر, فقيل في الذكر الحكيم: ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها( الشمس7.8), وقال عز من قائل: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم. ثم رددناه أسفل سافلين( التين4.5),.. وهو غير ذلك علي أحوال, قد يغلب فيها الجحود والجزع والنكران, علي العرفان والتطامن والشكر والحمد علي ما شمله من نعم, أو علي الصبر علي ما أصابه من ضر!
عن هذه الأحوال التي تعتري الانسان, وتراوده بين العرفان والجحود, أو بين الشكر والإنكار, أو بين الصدق والانتهازية, تحدث القرآن الحكيم.. فالله جل شأنه يعلم من أمر كل إنسان ما يظهره ويبديه, وما يسره ويبطنه ويخفيه.. ويخبر القرآن الحكيم عما يتداول عليه من أحوال حتي مع خالقه عز وجل.. فمن الناس من ينكر حتي نعمة الله عليه, وفيهم تقول الآية38 من سورة النحل: يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون.. وهم في ذلك علي أحوال وصفها القرآن المجيد فقال: وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون. ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون( النحل45,35).. وفي سورة يونس: وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلي ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون( يونس21).. وفي التأرجح في استقبال ما يلاقيه الإنسان من خير أو شر, جاء بسورة المعارج: إن الإنسان خلق هلوعا. إذا مسه الشر جزوعا. وإذا مسه الخير منوعا. إلا المصلين. الذين هم علي صلاتهم دائمون. والذين في أموالهم حق معلوم. للسائل والمحروم. والذين يصدقون بيوم الدين( المعارج91 ـ62).. وجاء بالآيتين94.05 من سورة فصلت.. لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيؤوس قنوط. ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة.. ثم تقول الآية التالية: وإذا أنعمنا علي الإنسان أعرض ونأي بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض( فصلت15).. وجاء بسورة الإسراء: وإذا أنعمنا علي الإنسان أعرض ونأي بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤوسا( الإسراء38).. وجاء بسورة الروم: وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون( الآية33).. وتصور سورة يونس هذا الجحود والعناد والنكران, فتقول: وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا...( يونس12).. هذا المكر والجحود والعناد ليس حال الظاهر والباطن حين تلم النوازل أو البلايا.. فجاء في سورة الزمر: وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل...( الزمر8).. وتعاود الآية94 من نفس سورة الزمر ـ تعاود التذكير بهذا التأرجح بين العرفان والجحود فتقول: فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته علي علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون( الزمر94).
هذه الآفات التي تتراوح بين الهلع والجزع والجحود والنكران, موجودة ايضا في صلات وتعاملات الناس بعضهم ببعض, وهي في الغالب الأعم مستورة مخفاة في دهاليز الباطن, وقد تظهر عفوا أو حمقا أو اغترارا! واتساع الفارق بين الظاهر والباطن, آية خلل, ولكنه يقبل الرتق بل الإصلاح, وقد رأينا القرآن المجيد ـ في سورة المعارج. يستثني المصلين المداومين علي الصلوات الذين يجعلون في أموالهم حقوقا للسائلين والمحرومين ويصدقون بيوم الدين. ونري في القرآن أنه قد وصف بالبر والتقوي, الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس, الذين ينفقون في المعروف في البأساء والضراء, فجاء بالآية771 من سورة البقرة في وصف البر والأبرار: والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون, وجاء بالآية431 من سورة آل عمران في وصف المتقين الموعودين أنهم الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين.
والسوي هو الذي يثري ما فيه من الخير وحبه, ويقاوم ويجأ مايلم به من الشر وإيثاره.. والصراع بين الخير والشر كما هو دائر في الدنيا, فإنه ناشب في نفس الإنسان, يتأسي السوي بما عليه الملائكة من خير محض, وبما فطر عليه الرسل والأنبياء والصديقون, وبما ترتاح وتطمئن إليه النفس.. ففي الحديث أن الخير ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب, وأن الإثم هو ما حاك في الصدر وكره الانسان أن يطلع عليه الناس, وإن أفتاه الناس وأفتوه!
وطلب الستر في الدنيا علامة صحة, لأن الموغل في الشر المطبوع عليه المحب له الراغب فيه, لايعنيه ستره, وهو إن أخفاه فلتجنب العقوبة أو الجزاء!.. والصحيح السوي هو الذي يأمل الستر لا طلبا للاستمرار فيما طوي عليه باطنه من نقائص, وإنما أملا في إصلاح الفاسد المعطوب فيه, وتهذيب ما انفلت منه أو ساء من طباعه, والتصالح مع السواء ومع نفسه ليكون علي ما ترضاه النفس السوية ويقره الدين والقيم والأخلاق!
علي أن الأكثرية الغالبة لا تفطن إلي هذه المفارقات بين الظاهر والباطن, ولا يعني غير الأقلية وربما النادرة ـ بإصلاح ما يكدر الباطن ويشوبه أو يعيبه, والاقتراب به من الظاهر المعلن المكشوف في السلوك وفي التعامل.. وقد يجد البعض أن إخفاء الباطن والتمويه علي المضمر ـ يدخل في باب الحذق والشطارة والمهارة, ويحسب لصاحبه كضرب من ضروب المخاتلة التي تليق بالنبهاء وأصحاب الحيلة الذين تقاس قدراتهم بمقدار هذه المكنة علي التجمل والمخاتلة لحجب المعيب المخبوء في باطنهم عن عيون الناس!![b]