كيف أستعيد ثقتي بنفسي؟
قبل أن أعطيك هذه الإجابة عليك في البداية أن تتجنب موقفين في التعامل مع نفسك عند الإحساس بالنقص:
الأول: لا تلتزم موقف الدفاع:
فأنت لا تحتاج أبدًا أن تتظاهر بالبطولة إن كنت ضعيف البنية، أو تتمادى في الافتخار بنفسك وبوسامتك إن كنت دميم الوجه، فموقفك الدفاعي هذا يولد زيادة الشعور بالقلق خشية أن يكشف الآخرين الحقيقة والتي للأسف تكون ظاهرة واضحة لا تخفى على أحد واسمع إلى قوله صلى الله عليه وسلم وهو ينهاك عن ذلك: [[المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور]].
الثاني: لا تهرب من الحقيقة:
واذكر معي كيف كانت ترتفع درجة حرارتنا صباح يوم الامتحان المدرسي، وكيف كان يصيبنا المرض ونحن أطفال حتى لا نذهب إلى المدرسة كنوع من الفرار، فإياك أيها الحبيب أن تفر من نفسك ومن ضعفك ومن نقصك فيظل ملازمًا لك طوال حياتك، ولكن عليك بالمواجهة حتى يمكن أن تتغلب بعون الله على أي نقص فيك، وانظر إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ كيف كان يفرح عندما يبدي له أحدٌ أي نقص في شخصيته فيقول ـ رضي الله عنه ـ: [رحم الله امرءًا أهدى إلينا عيوبنا]. وما ذاك إلا لأنه اعتاد على مواجهة أي عيب فيه، فلا يتركه إلا وقد قضى عليه، فهو دائم في ارتقاء وعلو، حتى غدا عمر بن الخطاب الخليفة الفذ الذي لم تسمع الدنيا بمثله.
يا من يرى عمرًا تكسوه بردته والزيت أدم له والكوخ مأواه
يهتز كسرى على كرسيه فرقًا من بأسه وملوك الروم تخشاه
والآن إليك هذه المولدات للطاقة التي تبعث فيك نور الأمل في إعادة الثقة المفقودة إلى نفسك.
1ـ لِمَ لا تحاول؟! .. لا تدعهم يثبطونك:
إن حديث الناس عنك من دواعي تثبيط همتك، فبدلاً من أن تستمع لمن يقول لك: [إنك لن تستطيع]، عليك أن تسمعها: لم لا أحاول؟
وبدلاً من أن تتعرف على صورتك في عيون الآخرين لتجلب لنفسك تشجيعهم فصورتك الواقعية عن نفسك خير عبارات التشجيع.
استخدم فرشاتك في تلوين لوحتك ولا تدع أحدًا يلونها لك. فغالب الناس لا يكون عنده إلا اللون الأسود القاتم؟ وإذا كنت تخاف كلام الناس عنك إذا فشلت فلم لا تحاول النجاح؟
2ـ العمل المباشر:
فليكن فقدان الثقة دافعًا لعمل مباشر يؤدي إلى استعادتها، وهذا واقع حي في حياة كثير من المشاهير.
ـ فهذا [سيرونستون تشرشل] رئيس وزراء الإنجليز الأشهر صاحب الخطب الرنانة والكلمات التي سجلها التاريخ، كان ألثغ [لا ينطق حرف السين] في شبابه.
ـ وهذا [واصل بن عطاء]، هذا المبتدع الذي أصبح رأس المعتزلة، كان مخرج الراء عنده فاحشًا شنيعًا، وكانت حاجته لنصرة مذهبه الباطل والدفاع عنه تحوجه للخطابة، فعمل على إسقاط الراء من كلامه، وكابد في ذلك كثيرًا، حتى استقام له أن يُلقي الخطب الطوال خالية من حرف الراء.
وكان بينه وبين 'بشار بن برد' صداقة، فلما جهر واصل بمذهبه دبت بينهما عداوة شديدة، وكان بشار يلبس القرط في أذنه على طريقة العجم، فكان واصل إذا خطب يقول عنه: [أما لهذا الأعمى المشنف المكنى بأبي معاذ من يقتله، أما والله لولا أن الغيلة سجية من سجايا الغالية لبعثت إليه من يبعج بطنه على مضجعه ويقتله في منزله وفي يوم حفله] وهكذا تحاشى الكلمات التي فيها حرف الراء واستبدالها بغيرها وقال: بدلاً من [القرط]: المشنف، وسمى بشار بكنيته: أبي معاذ، وتحاشى كلمة [يبقر] وقال: يبعج، وكلمة [فراشه]: بمضجعه، و[داره]: بمنزله، وسجلتها كتب الأدب والتاريخ.
ـ وهذا [تيودر روزفلت] ـ رئيس الولايات المتحدة الأسبق ـ اشتهر بأنه من أشهر الرماة وأشهر المغامرين في عالم الصيد في عصره، كل هذا بعين واحدة، فقد كان أعورًا.
ـ كذلك [أبو العلاء المعري] أصبح من أبرع الأدباء والشعراء مع أنه كان أعمى.
ـ و [ابن خلدون] الذي فقد أسرته فما أقعده هذا أن يكتب أعظم مؤلف في علم الاجتماع.
ـ و [تولستوي] الأديب الروسي صاحب رواية الحرب والسلام كان تلميذًا فاشلاً يئس مدرسوه من تعليمه شيئًا نافعًا، فأصبح عميد الأدب الروسي.
ـ ولقد آثرنا أن نضرب لك هذه الأمثلة بعينها مع أنها في المعظم لأهل الباطل وذلك لنستثير فيك الحمية، فإذا كان أمثال واصل وتولستوي وروزفلت وتشرشل من أصحاب هم الدنيا، قد تحدوا ظروفهم، واتجهوا للعمل الدائب المباشر من أجل تحقيق النجاح، فما بالك وأنت مسلم صاحب رسالة وتحمل هم الآخرة، أفلا تواصل الليل بالنهار في عمل دائب حثيث من أجل تحقيق النجاح لتستعيد ثقتك في نفسك لتخدم بها أمتك ودينك؟
أما تستطيع ذلك وأنت تسمع دعاء نبيك صلى الله عليه وسلم: [[اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل]].
بلى والله إنك تستطيع بعون الله، فأنت أولى بذلك من أهل الباطل الذين قائل قائلهم [آدلر] عالم النفس الشهير: إن البشر في إمكانهم أن يحولوا خيبتهم وفشلهم في الحياة وسائل نادرة لإدراك نجاح أعظم.
3ـ الإحلال:
ويعني أن تستبدل ضعفك ونقصك بقدرة أخرى داخلك.
وأراك الآن وتقول لي: ما أسهل الكلام!!
فتعال معي لترى ذلك الرجل القمة الذي يمثل نموذجًا فذا لخطوة الإحلال: كان راعي غنم نشأ في البادية، أسلم بعاطفته من خلال معجزة رآها على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مسح ضرع الشاة الهزيلة العجفاء فدرَّت لبنًا وفيرًا، كان هزيل الجسم خفيف الوزن قصير القامة، إذا مشى وهبت الريح وقع على الأرض، يكاد الجالس يوازيه طولاً وهو قائم، كان له ساقان ناحلتان دقيقتان، صعد بهما يومًا أعلى شجرة يجتني منها أراكًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك الصحابة من دقة ساقيه، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: [[تضحكون من ساقي ابن مسعود؟!! لهما أثقل في الميزان عند الله من جبل أحد]].
فكيف وصل ابن مسعود إلى هذه القمة؟
هل كان مجال المال هو مجاله؟
هل كان مجال الجاه والقوة والفروسية هو ميدانه؟
بماذا أحل هذا الفذ ضعفه الجسدي وفقره المالي؟
اسمع إليه في أول لقاء له مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: [[علمني من هذا القول يا رسول الله. فقال له صلى الله عليه وسلم: إنك غلام معلم]].
ويقول عن نفسه: [أخذت من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة]. وهذه شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم له: [[من أحب أن يسمع القرآن غضًا كما أنزل فليسمعه من ابن أم عبد]].
وقال صلى الله عليه وسلم: [[تمسكوا بعهد ابن أم معبد]].
ثم أصبح ـ رضي الله عنه ـ من أعظم فقهاء القرآن، يقول عن نفسه: [والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل، وما أحد أعلم بكتاب الله مني، ولو أعلم أحدًا تمتطى إليه الإبل أعلم مني بكتاب الله لآتيه، وما أنا بخيركم].
وشهد له عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فقال: [لقد ملئ فقهًا].
وقال عنه أبو موسى الأشعري: [لا تسألونا عن شيء ما دام هذا الحبر فيكم].
وأصبح رضي الله عنه من خلصاء النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال الصحابة عنه: [كان يؤذن له إذا حجبنا ويشهد إذا غبنا].
وفي الكوفة أنشأ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مدرسة فقهية من أعظم مارس الاستنباط في الدنيا، حتى إن فقهاء القانون في العالم اعترفوا لها بحسن استخدام النصوص، ويكفي أنه كان من تلامذتها الإمام أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ الذي أصبح رائدًا لهذه المدرسة بعد ذلك.
ـ أهذا هو الضعيف البنية، الدقيق الساقين، الفقير المال، القليل الجاه، راعي الغنم؟!!
نعم هذا هو عبد الله بن مسعود الرجل الفذ الذي أحل بدل ذلك كله عظمة، ولئن أطلنا معه رضي الله عنه قليلاً فلأنه كان أستاذًا يقتدى به في فن الإحلال.
مع خالص تحياتي