تبت يدا أبى لهب (2)

تبت يدا أبى لهب( 2)



يا سيد العرب




وأما أنتَ سيدي يا صاحبَ المقامْ

يا من وُلدْتَ مُعْلَما بِظُلَّةِ الغمامْ

ومن شربتَ لبنا من أطْهَرِ الأغنامْ

وكنتَ من سُلالةٍ هي التي

قد شرَّعَتْ ملابسَ الإحْرامْ


لك البلادُ والبشرْ

لك السماءُ والقمرْ

لك الترابُ والحَجَرْ

وما في باطنِ الثرى

قد انبرى أو انْدَثَرْ

ومِنََّةٌ منك لنا هذا الهواءُ والمَطَرْ

وإنْ نَقُلْ بجهلنا

أنَّ الهواءَ حولَنَا

ملوثٌ بفِعْلِ ما

تَأتيهِ من شتَّى الصُّوَرْ

وإنْ نَقُلْ بجهلنا

أن المياهَ أصبحتْ

مريرةً كريهةً

تأتى بِضُرٍّ وضَرَرْ

فاصفحْ وتُبْ عنْ جهلِنا

طوبى لمنْ كانَ غَفَرْ


نحن المطايا في ضياع جلالتك

سلالةٌ خُلقَتْ لأجْلِ سُلالَتِكْ

كي تركبونا لنهايات السفر


والحق أننا خُلقنا من بطونِ خادميك

وليس من حقوقنا أن نستشيط فيك

وليس من حقوقنا إلا الحياة في الحُفَرْ

وإن تكن أعطيتنا سُكْنَى الحَضَرْ

وحق أن نطوفَ بالبيتِ الشريفِ ونعتمرْ

وحق أن( نبعر) في تلك المراحيض الأخُرْ

وحق أن منحتنا يوما جوازات السفَرْ

فكيف للرعاعِ من أمثالنا أن تعترضْ

عفوا وصفحا سيدي فإنَّها بلوى المرضْ

**

حاشاك أنتَ المجتبى الوكيلُ لله الأحَدْ

أنت الغنى مثله إن شاء أعطى أو يَرُدْ

أنت العزيز مثله تعطى ومنْ أكْرَمِ يَدْ

أنت المعز مثله ترفعُ من شئتَ( لِحَدْ )

أنت المذل مثله تكسر أنْفَ منْ حَقَدْ

**

عندك جيشُ المخبرين والجنودُ والمَدَدْ

عندك خيرُ الأرضِ من مالٍ كثيرٍ لا يُعَدْ

عندك تقديمُ البلايا كي نعيشَ في نَكَدْ

وإن تَشَأْ تبثّ ألوانَ المسرةِ في البَلَدْ

فإن تَكُنْ تَوَرَّمَتْ في أرضِنَا إحدى الغُدَدْ

تَجِيءْ بجراحٍ ويستأصِلْ بِفَنٍ ما فَسَدْ

**

يا سيدي يا منعماً رُحْمَاكَ من كَرْبٍِ أشَدّْ

إن العيونَ لا ترى جودك من فَرْطِ الرَّمَدْ

والسمع لا يدرى الذى أسديت من فينا رَغَدْ

رُحْمَاكَ من جَهْلِ الشعوبِ فَدَعَاوَاهُمْ زَبَدْ

هم يجهلونَ ما يقيمُ أمرَهُمْ وما يَهُدْ

**

أنت الذي قال لنا أن الذي جَدَّ وَجَدْ

ودائما قلتَ لنا أنَّ الحياةَ في الجَلَدْ

نصحتنا أن لا نرى إلا الشقوقَ والوَتَدْ

وأننا بشحمنا ولحمنا فيها نُرَدْ

وأن أنباءَ الفضاءِ في ثناياهَا النَّكَدْ

إلا الذي جاءَ من الغربِ الحبيبِ واحْتَشَدْ

أما إذا جاءَ من الشَّرْقِ الحسودِ المُسْتَبِدْ

فإنهُ يحوى سموماً للعقولِ والجَسَدْ

**

جعلتنا نَعْكُفُ نقرأُ "الكتابَ" ونَجْتَهِدْ

منبها لقولِهِ و" حاسدٍ إذا حَسَدْ "

وطاعةٍ مفروضةٍ تُعْطِى أولِى الأمْرِ المَدَدْ

وفى جزاءِ سارقٍ وفى جزاءِ قاتلٍ

وفى جزاءِ فاحشِ، ومن يُقِيمُ كُلَّ حَدْ

وقولِهِ: يرزقُ من يشاءُ مِنَّا دونَ حَدْ

وكُلُّ من بالأرضٍ يَفْنَى ،والجِنَانُ خَيرُ بَعْدْ

فنتركُ الدُّنْيَا لكُمْ ، ونرتجى دنيا الأبَدْ

**

تسرَّبَتْ لعقلنا آياتُ إبداعِ الصَّمَدْ

عن الجهادِ ،عن الفسادِ

عن الوَلِيِّ ،عن العِبَادِ

عن الحصونِ، عن العتادِ

عن الولايةِ والوَلَدْ

تسرَّبَتْ لعقلنا آياتُ قولِ الحَقِّ في

وجهِ الظَلُومِ المُسْتَبِدْ

أو إرْثِ سلطانٍ سيبقى فى العشيرةِ للأبَدْ

يُفْرِخُ أطهاراً هُدَاةَ العِرْقِ من أبٍ وجَدْ

طافتْ بنا الآياتُ في آفاقِ ما لم نَسْتَعِدْ

إن كُنْتَ تؤمنُ بالكتابِ فهذه إحدى العُقَدْ

كيفَ اصطفيتَ بعضَهَا وأقمتَ للآخرِ سَدْ

ورميتَ بالإرهابِ مَنْ قد خَالَفُوكَ المُعْتَقَدْ

لله يا ذِكْرَى أُحُدْ

حِزْبُ الغنائِمِ يَسْتَبِدْ

تبتْ يدا أبى لهبْ

ما أغنى عنْهُ ما كَسَبْ

كنتُمْ كرامَاً عندما

كُنْتُمْ تبيعونَ الحَطَبْ

فى دارِ ذُلٍّ عندما

صِرْتُمْ تبيعونَ الذَّهَبْ

**

د. محمد عبد المطلب جاد
أستاذ سيكولوجيا الإبداع - جامعة طنطا