سحاق نيوتن ..... ولد في مزرعة صغيرة بوولزثورب في مقاطعة لنكولن في 25 ديسمبر 1642 (حسب التقويم القديم أي اليولياني) وهو العام الذي مات فيه جاليليو وكانت الزعامة الثقافية كالزعامة الاقتصادية في سبيلها من الجنوب إلى الشمال. وكان عند ميلاده صغير الحجم جداً بحيث كان في الإمكان وضعه في كوز سعته ربع جالون (كما أخبرته أمه فيما بعد) وضعيفاً جداً بحيث لم يخطر ببال أحد أنه سيعيش أكثر من أيام معدودات. وكفلته أمه وخاله لأن أباه كان قد مات قبل ولادته بشهور.
وحين بلغ الثانية عشرة أرسل إلى المدرسة الخاصة في جرانثام فلم يحالفه التوفيق فيها. وجاء في التقارير عنه أنه " خامل " و " غير ملتفت " وأنه يهمل الدراسات المقررة ويقبل على الموضوعات التي تستهويه وينفق الوقت الكثير على المخترعات الميكانيكية كالمزاول والسواقي والساعات البيتية الصنع. وبعد أن قضى عامين في جرانثام أخذ من المدرسة ليساعد أمه في المزرعة. ولكنه عاد إلى إهمال واجباته ليقرأ الكتب ويحل المسائل الرياضية. وتبين خال آخر كفايته فأعاده إلى المدرسة وعمل الترتيبات لقبول نيوتن بكلية ترنتي في كمبردج (1661) طالباً يكسب مصروفاته بمختلف الخدمات وحصل على درجته الجامعية بعد أربع سنوات وبعدها بقليل انتخب زميلاً بالكلية. وخص باهتمامه الرياضة والبصريات والفلك والتنجيم وقد احتفظ بميله لدراسة التنجيم إلى فترة متأخرة من حياته.
وفي 1669 استقال أستاذه في الرياضة إسحاق بارو وعين نيوتن خلفاً له بناءً على توصية منه وصف فيها نيوتن بأنه " عبقري لا نظير له " وقد احتفظ بكرسيه في ترنتي أربعة وثلاثين عاماً. ولم يكن بالمعلم الناجح. كتب سكرتيره عن ذكريات ذلك العهد يقول " كان الذين يذهبون للاستماع إليه قليلين والذين يفهمونه أقل حتى أنه في أحياناً كثيرة وكأنه يقرأ للحيطان بسبب قلة السامعين ". وفي بعض المناسبات لم يكن يجد مستمعين إطلاقاً فيعود إلى حجرته كاسف البال.
وبنى فيه مختبراً - كان الوحيد في كمبردج آنئذ. وقام بالكثير من التجارب لا سيما في الخيمياء " وهدفه الأكبر تحويل المعادن " ولكنه اهتم أيضاً بـ " اكسير الحياة " و " حجر الفلاسفة " وواصل دراساته الخيميائية من 1661 إلى 1692 وحتى وهو يكتب كتابه " المبادئ " ترك مخطوطات عن الخيمياء دون نشر بلغ مجموع كلماتها نيفاً و 100.000 " لا قيمة لها إطلاقاً " وكان بويل وغيره من أعضاء الجمعية الملكية مشغولين شغلاً محموماً بهذا البحث نفسه عن صنع الذهب. ولم يكن هدف نيوتن تجارياً بشكل واضح فهو لم يبد قط أي حرص على المكاسب المادية ولعله كان يبحث عن قانون أو عملية يمكن أن تفسر بها العناصر على أنها أشكال مغايرة قابلة للتحويل لمادة أساسية واحدة. ولا سبيل لنا إلى التأكد من أنه كان مخطئاً.
وكان له حديقة صغيرة خارج مسكنه بكمبردج يتمشى فيها فترات قصيرة سرعان ما تقطعها فكرة يهرع إلى مكتبه ليسجلها. كان قليل الجلوس يؤثر أن يذرع حجرته كثيراً (في رواية سكرتيره) " حتى لتخاله... واحداً من جماعة أرسطو " المشائين. وكان مقلاً في الطعام وكثيراً ما فوت وجبة ونسى أنه فوتها. وكان ضنيناً بالوقت الذي لا بد من إنفاقها في الأكل والنوم. " ونادراً ما ذهب لتناول الطعام في القاعة فإذا فعل فإنه - ما لم ينبه - يذهب في هيئة زرية حذاؤه بالي الكعبين وجواربه بلا رباط... ورأسه غير ممشط إلا فيما ندر ". وقد رويت واخترعت القصص الكثيرة عن شرود ذهنه. ويؤكدون أنه قد يجلس الساعات بعد استيقاظه من النوم على فراشه دون أن يرتدي ثيابه وقد استغرقه الفكر. وكان أحياناً إذا جاءه زائرون يختفي في حجرة أخرى ويخط أفكاراً على عجل وينسى أصحابه تماماً.
توقيع
فيلسوف الحياة