لم يظهر فيلم الكرنك الا بعد موت جمال عبد الناصر بعدة سنوات
وكذلك سيحدث مع حسنى مبارك .. فبعد عدة سنوات سيظهر فيلم الكرنك (الجزء الثانى) ليكشف لنا عن مبارك القصة التى لم تنشر كاملة بعد .
فى السنة الأخيرة من حكم السادات كان هناك تقرير للمخابرات الأمريكية يقول نصا: «يكفيه عشر سنوات فى الحكم وعليه أن يتركه الآن لمبارك».. وهذا ما تحقق بعد شهور قليلة من كتابة النص المثير.
وفى صباح الاثنين (5) يناير (1981) أُرسلت نسخة من صحيفة «الجيروزاليم بوست» الصادرة فى هذا اليوم إلى بيت الرئيس أنور السادات.
فى أعلى يسار صفحتها الأولى تقرير خاص كتبه محررها لشئون الشرق الأوسط يتحدث عن صعود نفوذ نائبه «حسنى مبارك» وصراعات سلطة داخل القصر الجمهورى.
المحرر الإسرائيلى الذى قضى أعياد رأس السنة فى القاهرة والتقى عددا من المسئولين المقربين قادته معلوماته إلى أن «السادات» يفكر فى إعادة هيكلة الحكومة لإحباط محاولة نائبه الإمساك بالسلطة، وأن «مبارك» يخوض صراعا عليها مع مقربى الرئيس إن لم يكن الرئيس نفسه.
المفارقة الأولى، أن القصة الإسرائيلية توحى بصورة رجل قوى ينازع على السلطة، وهذه لم تكن صورة «مبارك».. والمفارقة الثانية، أن «السادات» محبط من صعود النفوذ السياسى لنائبه ويريد أن يوقف هذا الصعود، ولكنه لا يقدر،
المعنى المقصود الذى تريد الصحيفة الإيهام به هو أن هناك رهانا على رجل آخر غير السادات الذى منحت له جائزة «نوبل» وتحيطه أضواء باهرة حيث يحل ويتكلم.
من تقرير الخابرات الأمريكى و من الخبر المنشور فى الصحيفة الاسرائيلية يمكن فهم ان «مبارك» هو خيار الولايات المتحدة وإسرائيل لخلافة «السادات» الذى يتعين عليه أن يفسح المجال أمامه، فلم يكن «مبارك» شخصية قيادية أو عندها خيال، ولكنه بدا مأمونا فى مطابخ صناعة القرار يمكن أن يضمن المصالح الأمريكية والإسرائيلية أكثر من الرجل الذى وقع معاهدة السلام
يقول التقرير ان فى بعض لقاءاته مع الرئيس السادات اشتكى النائب حسنى مبارك من أنه تمنع عنه حقوق وامتيازات فى مجلس الوزراء والحزب الوطنى من إناس يفترض أن يكونوا تحت رئاسته، وأنهم يتباهون عليه بقوة علاقاتهم مع الرئيس.
يذكر التقرير بالاسم أربع شخصيات مقربة من «السادات» تناهض صعود «مبارك».. السيدة «جيهان السادات» قرينة الرئيس و«سيد مرعى» رئيس مجلس الشعب و«عثمان أحمد عثمان» الوزير النافذ والاثنان تربطهما علاقات مصاهرة مع الرئيس بالإضافة إلى رئيس الوزراء «مصطفى خليل» وتأثيره واصل إلى التكنوقراط وأصحاب المؤسسات المالية.
وبشكل أو آخر كسب «مبارك» الصراع، لا لكفاءته فى إدارتها، بل بضغوط دولية تمنع إطاحته من منصب النائب.
تقول الصحيفة ان «مبارك» أدرك أن مشاكله مع رجال «السادات» تقلل من صلاحياته ولكنه «مُصر على الصمود والقتال». العبارة الأخيرة بنصوصها تناقض ما هو شائع ومعروف عن شخصية «مبارك»، ويبدو أن الصحيفة الإسرائيلية حاولت أن توظف معلوماتها عن صراعات القصر الجمهورى بأكثر من حجمها لرسم صورة جديدة للرجل القادم فى مصر.
هناك اهتمام السفارة الأمريكية بالصراع بين «مبارك» وخصومه، والأمريكان بنص التقرير الإسرائيلى: «يريدون رفع شأن نائب الرئيس وتحسين صورته». هذه الإشارة بالذات تدخل فى حسابات المستقبل.
كانت المعضلة الرئيسية فى سيناريوهات نقل السلطة إلى النائب أنه «مكروه» داخل المؤسسة العسكرية. حيث تجاوز «السادات» باختياره حسنى مبارك نائبا له عام (1975) الأقدمية العسكرية التى تضع قبله وزير الدفاع المشير «عبدالغنى الجمسى» ورئيس هيئة الأركان الفريق «محمد على فهمى».
يلفت الانتباه هنا مصرع الفريق «أحمد بدوى» وزير الدفاع وبصحبته عدد كبير من قادة القوات المسلحة بعد شهرين من نشر التقرير الإسرائيلى على ثلاثة أعداد متتالية فى «الجيروزاليم بوست».. وصعد نجم «محمد عبدالحليم أبوغزالة» فى وزارة الدفاع بجوار حليفه حسنى مبارك».
كان السؤال الشاغل للصحيفة الإسرائيلية فى تقريرها الموسع: «ماذا لو أصبح مبارك رئيسا؟». كانت الإجابات تذهب إلى أن حكومة يديرها لن تؤثر أو تخدش عملية السلام، وإنه سيحاول بطريقة فعالة إصلاح علاقات مصر مع الدول العربية ويعيد إحياء العلاقات مع الاتحاد السوفييتى، وسيعمل على لفت نظر الولايات المتحدة إلى ضرورة مواصلة المساعدات من أجل حماية السلام، وأن التطبيع سيكون فى حده الأدنى طالما أن إسرائيل لم توقع اتفاقات أخرى مع دول المواجهة وحل القضية الفلسطينية. السلام على هذا النحو سيكون مغايرا لما هو عليه مع «السادات»، والمعنى أنه أكثر استقرارا، وقد يفضى إلى تعميم السلام عربيا، أو تعريب «كامب ديفيد». وهو فعلا ما تحقق على مدى ثلاثين عاما مفضيا إلى تقزيم الدور المصرى بصورة فادحة ومأساوية.
قصة «مبارك» لم تكتب بعد، وحقائقها الكبرى لم تظهريعد.