عاشت دون أب ولكنها تعلمت من ذكراه العدل, وذادت معرفتها بالحياة من خلال تاريخه العظيم, وتعرفت علي شخصيته من مذكراته وحكايات رويت لها ممن عاشوا معه, وتعرفت عليه كأب من خلال يومياته, وحكاياته المرسلة لها و هو بعيد,
فهو أب ليس كأي أب وهي ابنة تحاول أن تكمل مسيرة نضال أبيها التي تسمع عنها منذ صغرها ويتحدث عنها العالم بأكمله إنه جيفارا الأسطورة فبعد مرور خمسة وأربعين عاما علي وفاته تحكي ابنته أليدا, الي تريسي ماكفاي عن نشأتها وما تحمله في ذكرياتها عن والدها جيفارا الذي أصبح رمزا للنضال ضد الفقر والظلم في العالم بأكمله .
تقول ماكفاي إن اليدا لديها عيون والدها, ونفس النظرة التي أصبحت رمزا للقرن العشرين, وأيضا الإحساس العميق بالظلم الاجتماعي, فهي البنت الكبري لأربعة أطفال للزعيم أرنستو تشي جيفارا من زوجته الثانية اليدا, المناضلة من أجل حقوق الإنسان وإلغاء الديون عن دول العالم الثالث.
فرغم أن اليدا لم تكن تتجاوز الرابعة والنصف من عمرها عندما غادر أبوها كوبا لكي يشعل الثورة في الكونغو, وحوالي السابعة من العمرعندما قتلته مجموعة من الجنود البوليفيين وعملاء وكالة المخابرات المركزية في بوليفيا , إلا أنها تملك ذكريات جميلة عنه وغامضة في نفس الوقت.
فتقول د. جيفارا في حوارها مع ماكفاي حول ذكرياتها عن أبيها في صغري كنت غاضبة جدا فقد كبرت دون أب, ولكن والدتي كانت دائما تقول أحبي والدك لكل ما عرفته عنه, فهو رجل فعل ما كان يجب عليه القيام به, فوالدي توفي وهو يدافع عن أفكاره, حتي آخر لحظة كان وفيا بما يعتقد فيه, وهذا هو ما أحترمته فيه كثيرا , ولكن كنت أود أن أتجادل معه مثل أي أب وابنته, فعندما كنت في السادسة بعث لي رسالة, يقول فيها إنني يجب أن أكون فتاة جيدة وأساعد والدتي في الأعمال المنزلية, وغضبت لما جاء في الرسالة التي بعثها لأخي الذي قال فيها سآخذك معي إلي القمر, ورسالة أخي الآخر و الذي قال فيها سوف نذهب لمحاربة الامبريالية معا فانزعجت, و أردت أن أذهب إلي القمر, و أتمكن من أن أحارب الاستعمار معه.
فقد تعرفت عليه من خلال مذكراته ومن ذكريات الماضي التي عرفتها من أشخاص آخرين كانوا علي معرفة بوالدي, ومنهم العم فيدل كاسترو, فقد ذكر لي قصصا جميلة كثيرة عن والدي, ولكن لا أستطيع أن أطلب منه أكثر من اللازم, فإنه مازال عاطفيا جدا عندما يتذكر والدي, فعلي سبيل المثال, كان لوالدي يوميات بخط يديه, لذلك طلبت أمي نسخ مذكراته, وعندما جاء راؤول كاسترو إلي منزلنا لجمع المذكرات, علمت أمي أن راؤول وفيدل يحتفظان أيضا بيوميات أخري, لذلك قالت أمي إذا كانت هناك أشياء أخري في اليوميات مختلفة عن الموجودة, فإنه ليس هنا للدفاع عن نفسه, فغضب راؤول جدا وقال لا, فأنا وفيدل مازلنا علي قيد الحياة, إذا فإن تشي سيظل علي قيد الحياة , وسيظل معنا, وبعد ذلك ظلا يبكيان.
وقال راؤول إذا لم يمت تشي في بوليفيا, لكان قد توفي في الأرجنتين في محاولة لتغيير الأمور هناك, ولكانت القارة مختلفة اليوم, و أضافت والدتي, انه اذا كان والدي لا يزال علي قيد الحياة لكنا جميعا أفضل البشر, و أن قدرته علي التضحية بنفسه من أجل الأخرين, من أهم معتقداته, فلو سرنا علي خطاه, لكان العالم أحسن حالا.
وتروي ابنته عن قصة حياته قائلة: سافر جيفارا عندما كان طالبا في كلية الطب, إلي جميع أنحاء أمريكا اللاتينية علي متن دراجة نارية عام 1952, وقد ساعدته هذه الرحلة علي تكوين شخصيته وإحساسه بوحدة أمريكا الجنوبية وبالظلم الكبير الواقع من الإمبرياليين علي المزارع اللاتيني البسيط, وتغير داخليا بعد مشاهدة الفقر المستوطن هناك, وبعد ذلك تولي التنظير السياسي, وانضم إلي الثورة التي أطاحت بنظام باتيستا في كوبا.
وتواصل د. جيفارا كلامها قائلة: إنه لم يكن لدينا امتيازات لأننا أبناء تشي, فزملائي حتي لم يعرفوا أنني ابنته, الا عندما تحدثت لأول مرة علي التليفزيون الكوبي في عام 1996, وفي هذا الوقت كان من المهم عدم السكوت, لأنه كان هناك ظلم واقع.
فرغم أن ماكفاي لا تمانع وجود الملصقات والأعلام, والبطاقات البريدية, واللوحات المرسومة والقمصان, المطبوع عليها صورة والدها, الا أنها وعائلتها, تحاول تضييق الخناق علي من يستخدم صور والدها الشهيرة بعدم احترام, فهذه هي الصورة الأكثر شهرة في العالم والتي صورها البرتو كوردا في عام 1960, فليس من السهل السيطرة بالشكل الصحيح علي أكثر صورة مستنسخة في العالم, فنحن لا نريد السيطرة علي الصورة أو كسب المال منها, ولكنها تريد الا تستغل بشكل غير لائق, بالإضافة الي أن الناس أحيانا يعرفون ما عليهم القيام به مثلما تقول ماكفاي إلا أنهم في بعض الأحيان لا يجيدون صنعا ولكن في الغالب تعتقد أنها تستخدم بشكل جيد, كرمز للمقاومة, ضد القمع.
الشهر المقبل يصادف الذكري السنوية الـ45 لمقتل أرنستو تشي جيفارا, الذي أدي الي الثورة الكوبية, وأصبح رمزا للتمرد, وهذا العام أيضا الذكري السنوية الـ50 لحصار الولايات المتحدة المستمر, الذي خنق اقتصاد كوبا, إبان عصر الحرب الباردة, علي غرار المواجهة, وأمريكا لا تزال تنفق الملايين علي الدعاية في الراديو ومحطات التلفزيون داخل كوبا, فهي بلد متخلف تعرض عالميا, التعليم والرعاية الصحية للجميع, وكانت الشرطة الكوبية تعتقل الكثير من مؤيدي الديمقراطية ونشطاء حقوق الإنسان ومن الصحفيين المستقلين. رغم الإفراج عن سجناء من المنشقين عام 2011, فإن السلطات الكوبية, و منظمة العفو الدولية تقولان, لا نقبل أي انتقاد لسياسات الدولة خارج الآليات الرسمية التي أنشئت تحت سيطرة الحكومة. فأن قوانين الإخلال بالنظام العام, تستخدم لمقاضاة المعارضين للحكومة, فلا يوجد سياسات أو منظمات لحقوق الإنسان تتيح الحصول علي وضع قانوني سليم.
وتقول ماكفاي إن الدكتورة جيفارا في المملكة المتحدة لذكري سنوية أخري, و هي مرور أربعة عشر عاما منذ جواسيس ميامي فايف الذين كلفوا بمكافحة تسلل جماعات كاسترو الإرهابية التي تعمل من ولاية فلوريدا, والذين سجنوا من قبل الولايات المتحدة. فسوف تؤدي هافانا 51عاما وقفة احتجاجية في لندن امام السفارة الأمريكية وتصر علي قولها أنا لست سياسية, ولكن ما يهمني القضاء علي الظلم. و قالت دكتور جيفارا إن الرئيس أوباما وعد بأن يحل القضية الكوبية, ولكن هذا الوعد لم يسفر عن شيء, فقد كان لدينا آمال كبيرة, ولكن نشعر بخيبة أمل في أوباما, ولربما أشياء أسوأ قد تحدث لنا.
وتقول إنها تعتقد أن الثورة, تغلي غضبا في أمريكا اللاتينية, حيث توجد فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء وأنها تلقي باللوم, كما فعل تشي, علي الولايات المتحدة, لأن هذه الأزمة الاقتصادية هي أكثر خطورة من أي وقت مضي لأمريكا اللاتينية, فانها ليست فقط حول النفط الآن, فإن الولايات المتحدة تريد الماء أيضا. إن البرازيل تدمر الغابات المطيرة لإزالة الألغام, والمكسيك هي أرض نفايات للنفايات غير المرغوب فيها, فهذه المرة سيتم تدمير الأرض أيضا.
وأضافت دكتور جيفارا, بالطبع, أود أن لا تكون هناك إراقة دماء لكن تلك طبيعة الثورة. ففي الثورة الحقيقية يجب عليك الحصول علي ما تريد بالقوة, مع عدو لا يريد أن يعطي لك ما تريد؟ وهذا ما عرفه والدي وخاطر بنفسه من أجله.