.. لماذا يكرهونهم؟!
وجهات نظر
جاء فى الأنباء أن امرأة نيوزيلندية تقتات من العمل كعاملة نظافة أحيانًا ومن الحياكة أحيانًا أخرى، أنفقت 2755 دولارًا أمريكيا على إعلان ضخم نشرته فى صحيفة محلية تناشد فيه الرئيس الأمريكى جورج بوش عدم شن حرب على العراق.
وأعربت السيدة «البسيطة» لإذاعة نيوزيلندا عن أملها فى أن يرى السفير الأمريكى لدى نيوزيلندا الرسالة المفتوحة ويحيلها إلى واشنطن.
العاملة البسيطة، لم تكن أكثر من واحدة من ستة ملايين فى ستمائة مدينة فى غرب العالم وشرقه، خرجوا إلى الشارع ـ رغم الظروف الجوية السيئة ـ ليصرخوا فى وجه أمريكا بكلمة واحدة فقط: لا.
فى أوروبا، أو على الأقل فى بعض من أقطارها. لم يقتصر الموقف على الشارع والبسطاء. إذ لم يختلف حديث السياسيين فى الغرف المغلقة وفى التصريحات العلنية كثيرًا. وقد يكفى أن تراجع تصريحات شيراك ووزير خارجيته «الشاعر»: دومينيك دوفيلبان. أو ما يعلنه كل يوم المستشار الألمانى جيرهارد شرودر. بل إن الأمر وصل إلى حد الاعتقاد بأن سياسيا كـ«تونى بلير» يغامر بمستقبله السياسى كله لاختياره «الانحياز» المطلق لواشنطن. (لم تخل رسوم الكارتون وكذا لافتات التظاهرات من وصفه بكلب بوش الصغير).
«لماذا يكرهوننا؟»
هل تذكرون السؤال القديم الذى أصر مثقفون أمريكيون على ترديده عشية الحادى عشر من سبتمبر. قاصدين بـ «الضمير المستتر» العرب والمسلمين. متطوعين بالإجابة: «لأنهم حاقدون على مالدينا من حداثة وحرية..».
هل تذكرون إصرار توماس فريدمان على الترويج لتفسيره هذا؟
أين يقع هذا السؤال الآن؟ أو أين تقع إجابته المسبقة «خجلى» بعد أن قال (لا) لأمريكا متظاهرون من السويد التى هى أكثر حرية ـ بالضرورة ـ وفى اليابان وألمانيا التى هى أكثر حداثة وتقدمًا بمقاييس رأس المال والتكنولوجيا.
فى «وجهات نظر» هذا العدد كانت المسألة الأمريكية، وكذا الأمريكية/الأوروبية.. على هامش المسألة العراقية، موضوعًا أو موضوعات لمقال الأستاذ هيكل الرئيسى. وكذا لعدد من المقالات.
فمحمد الميلى يكتب عن «الاندماج أو الانعتاق.. أوروبا والإمبراطورية الأمريكية الجديدة». وذلك من خلال عرضه لكتابين يوضحان كيف تعددت التأويلات الأوروبية لسياسة أمريكا الخارجية الجديدة بعد 11 سبتمبر 2001، فهناك من يدافع عنها ويبررها، وهناك من ينتقدها ويشرح دوافعها. فالمفكر الفرنسى عضو الأكاديمية الفرنسية، جان فرانسوا ريفيل يدافع بحماس شديد عن الولايات المتحدة الأمريكية، فى كتاب من ثلاثمائة صفحة، عنونه بـ«الهوس المعادى لأمريكا».
وهو يعتبر أن اليسار الأوروبى إذا كان يعادى أمريكا فذلك أمر مفهوم، نظرًا لارتباطه بصورة أو بأخرى بالأوساط المثقفة المعروفة بعدائها التقليدى للولايات المتحدة الأمريكية انطلاقًا من الشيوعية إلى مختلف شرائح اليسار.
أما أوساط اليمين الأوروبى، خاصة الفرنسية منها، فإن عداءها لأمريكا غير مفهوم، وإن كان مؤلف «الهوس» يفسره بأن أوروبا قد خسرت أثناء القرن العشرين الدور الأساسى الذى كانت تؤديه منذ القرن الخامس عشر إلى غاية القرن التاسع عشر الميلادى.
ويستغرب «جان فرانسوا ريفيل» أن الكراهية التى انصبت على أمريكا من طرف حلفائها بعد نهاية الحرب الباردة قد أصبحت أشد من الكراهية التى كان يبديها أنصــار الشيوعية أثناء فترة نفس الحرب الباردة. ويسجل فى هذا الإطار أن اليســار المتطــرف، مثل اليمين المتطــرف الفرنسى يلتقيـان فى الدفاع عن النظام العراقى، لأن كلاً منهما مدفوع لذلك الموقف بكراهيته للولايات المتحدة الأمريكية.
وعندما يتعرض لموقف فرنسا بشأن تفضيلها للحل السلمى فى العراق، يعتبر أن مثل هذا الموقف الذى تشترك فيه باريس مع عدة دول غربية وغير غربية، يصدر عن كراهية أمريكا بصورة متشنجة أكثر مما يصدر عن موقف عقلانى وتحليل استراتيجى موزون.
ويعرض الميلى فى مقاله لكتاب آخر يأتى على الناحية المقابلة ألَّفه «إيمانويل طود» بعنوان: «ما بعد الإمبراطورية»، وقد شرح المقصود من ذلك بعنوان فرعى هو «بحث حول انحلال المنظومة الأمريكية» وهو يتناقض تمامًا مع الطرح الذى عمد إليه «جان فرانسوا ريفيل».
ترجع شهرة مؤلف «ما بعد الإمبراطورية» إلى عام 1976 عندما أصدر كتاب «السقوط النهائى» الذى تنبأ فيه بسقوط الاتحاد السوفيتى. ويعد هذا الكاتب الآن من أبرز الكتَّاب الفرنسيين الذين يتناولون حركة المجتمعات الحديثة من زاوية التاريخ، ومن الزاوية الديموجرافية.
يجمع بين الكتابين قاسم مشترك أعظم هو الولايات المتحدة الأمريكية، ويختلفان فى أن الأول يهتم أساسًا بالدفاع عن الولايات المتحدة الأمريكية، وعن رئيسها الحالى، بينما انصرف الثانى إلى استنطاق المستقبل انطلاقًا من تحليل الواقع الراهن الذى يمتد من نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتى حتى الآن مرورًا بسبتمبر 2001.
على الناحية الأخرى تنشر «وجهات نظر» مقالاً للكاتب البريطانى تيموثى جارتون آش يتحدث فيه عن «لماذا يكره الأمريكيون الأوروبيين إلى هذا الحد؟».
ينبه «آش» فى مقاله إلى أننا فى السنة الحالية، وخاصة إذا شنت الولايات المتحدة الحرب على العراق، سنقرأ فى الصحف الأمريكية مزيدًا من المقالات عن «كراهية الأوروبيين لأمريكا». ولكن ماذا عن كراهية الولايات المتحدة لأوروبا؟
ثم يعمد الكاتب البريطانى إلى عرض عبارات يراها توضح «النزعة الأمريكية إلى كراهية أوروبا» مثل «إلى الكيانات التى ستذهب حتمًا إلى مزبلة التاريخ، يجب أن نضيف الاتحاد الأوروبى والجمهورية الفرنسية الخامسة عند تفككها» (مارك شتاين، Jewish World Review، أول مايو 2002).
فضلاً عن ما قاله أحد كبار العاملين بوزارة الخارجية الأمريكية عندما سئل فأجاب: «هل تريد أن تعرف حقًا رأيى فى الأوروبيين؟ أعتقد أنهم كانوا على خطأ فى كل مسألة دولية كبيرة خلال السنوات العشرين الماضية».
رفض الأمريكيون عشية الحادى عشر من سبتمبر أن يبحثوا عن الإجابة الصحيحة لسؤالهم المؤرق: «لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟» فهل يحاولون اليوم أن يبحثوا فى سياساتهم عن الإجابة على السؤال الذى أصبح أكثر اتساعًا: «لماذا يكرهنا العالم..؟ أو على الأقل لماذا يبدو كذلك؟»
هل يحاولون..؟
فى مقــالة الأســتاذ هيــكل عن «الإمبراطــورية على الطــريقة الأمريكية» كثير من الإجابة.