<="" p="" border="0">
Bookmark and Share
أحيانا نعتقد أن الدنيا ما هي إلا لونان.. أبيض وأسود, ليل ونهار, خير وشر, نجاح وفشل, حب وكره, لكن مع تقدم خبراتنا نكتشف أن الحياة أعقد من ذلك بكثير وأن الأبيض والأسود بكل ما يحملانه من وضوح لا يشكلان سوي جزء ضئيل من الواقع الذي يحمل ألوانا مختلفة
وأكثر ما ينطبق عليه ذلك هو العلاقات الإنسانية التي تربط البشر, فالحب والكراهية ليسا هما نمطا العلاقة الوحيدين اللذين يربطان الناس بل إن هناك أطيافا كثيرة ما بين هذا وذاك,ولنأخذ مثلا لشخص في موقع المسئولية والعلاقات التي تربطه بمن حوله, وسنجد أن هناك أنماطا عديدة من مشاعر الحب والكراهية.
النمط الأول هو الحب الخالص المجرد بينه وبين مجموعة من البشر ألف الله بين قلوبهم دونما سبب سوي أن الأرواح تآلفت والطبائع تقاربت و القيم والميول تشابهت وهذا الحب لا يتغير أو يتلون إذا وصل أحد أطرافه إلي منصب من المناصب, بل إنه يمكن أن يكون دافعا لأن يقدم أصحابه أفضل ما لديهم فيكونون عونا له ويساعدونه علي تحقيق ما يريد.
والحب أيضا هو أبرز ما يميز النمط الثاني من العلاقات, ولكن هذا النمط الثاني من الحب يرتبط في جزء منه بمصلحة تربط ما بين أطراف هذه العلاقة, كأن ينتظر أحدهما تميزا ما قد لا يستحقه في العمل أو يتوقع تسامحا عن تجاوز قد يحدث منه أحيانا, وبقدر ما يكون شرط تحقق المصلحة من الأهمية بمكان في تلك العلاقة فإنه من النادر أن تتحول تلك العلاقة إلي كراهية إذا لم تتحقق طموحات أحد طرفيها وإنما قد يصيبها بعض الفتور.
النوع الثالث من العلاقات هو مع أناس لا يحبون ولا يكرهون ولكنهم يظهرون المحبة, هم علي استعداد للعب دور العميل المزدوج بحسن نية أحيانا, ينقلون بدقة وإخلاص ما يدور علي الجانب الآخر طالما كان هذا يحقق مصلحتهم وطالما كانت دفة القوة في جانبك, وهم يحرصون دائما علي إمساك العصا من المنتصف مأرجحين بين هذا وذاك, يريدون دائما أن يكونوا في جانب المركب التي تطفو ولكنهم جاهزون دائما بعوامة يتعلقون بها في اللحظة الأخيرة ليصلوا للجانب الآخر فيما لو حدث وغرقت المركب.
النوع الرابع من العلاقات هو من أشخاص يكرهونك ولكنهم يظهرون محبتك يضحكون في وجهك وهم يكيلون السهام في ظهرك, وهم يتفوقون علي كل من سبقهم في تقديم كلمات الثناء والمديح ويشهد الله علي أنهم من ألد الخصام, إذا كنت من الذين يقبلون الهدايا والعطايا فهم يغمرونك بها وإذا كنت عزيز النفس أبي الكرامة فهم سيبحثون عن مدخل آخر يحاولون به تثبيت نفاقهم وادعائهم المحبة, وهذا النوع بمجرد أن يشك في أن الكرسي قد ينسحب من تحتك فهو لا يتورع أن يظهر عداوته ويسعي علي التلميح بذلك للجميع عل وسعي أن يكسب أرضية مع من يحتل الكرسي بعد ذلك.
النوع الأخير هو الذي يكرهك ولا يماري أو يحاول أن يخفي ذلك ولو حاولت أنت أن تنفق ما في الأرض جميعا لتؤلف بينك وبينه ما استطعت ذلك فهو ختم علي قلبه بالحقد والكراهية العمياء التي تجعله لا يتورع عن اللجوء إلي الكذب والأباطيل لتبرير كراهيته والتي تكون أحيانا لأسباب كالتنافس علي منصب أو وجود خلافات علي مصلحة ما وأحيانا أخري تكون الكراهية بلا أسباب حقيقية علي الإطلاق سوي أن النفوس تكره من هو أفضل منها أو من هو صاحب الفضل عليها.
وكثيرون ينخدعون بتلك الأنماط من البشر ولا يدركون المسافة بين المحب المخلص الصادق والمداهن المنافق, وهناك من يخدع نفسه ويظن أن تعامله بإحسان مع الجميع سواء من يحبونه أومن يكرهونه مما سيدفع بالتي هي أحسن وسيجعلهم من المحبين له ونسي أن الله اشترط لذلك أن تكون تلك النفوس يملؤها الإيمان وتؤثرها المعاملة الطيبة وهناك من يظل مخدوعا ولا يستطيع التفرقة بين تلك الألوان من البشر وهناك من يمنحه الله البصيرة والفراسة ويهبه من المواقف ما يكشف له وجوه الناس مبكرا.
تلك هي أنماط البشر التي يمكن أن نلتقي بها في معترك الحياة اليومية وخصوصا في العمل أو في بعض العلاقات التي تربطها المصالح.والتي تذكرتها جميعا وأنا أسجد أمام باب الملتزم في بيت الله الحرام, ذهبت إليه أشكو بثي وغمي من نفوس استعصي علي فهمها أو علاجها وبينما أناجيه وجدت سيدة تربت علي كتفي وتقول لي يا بنيتي لا تجزعي الله شاهد علي ما في قلبك وهو الحكم العدل,وتعرفت عليها..هي سيدة عراقية تدعي سميرة تضحك وتبتسم وتساعد كل من حولها رغم أن قلبها يحمل كثيرا من الأوجاع من جراء ما شاهدته في بلادها من أحداث يشيب لها الولدان,صرنا نتلاقي كل يوم أمام باب الملتزم بالكعبة,
معها أدركت نوعا آخر من العلاقات البشرية نوعا آخر من المحبة وهي المحبة في الله, محبة بلا زيف, قالت لي صديقتي العجوز بعد حديث طويل بيني وبينها: هوني علي نفسك ولاتحزني من حقد الحاقدين,فالحقد يابنيتي لا يؤذي إلا صاحبه أما الحب فيملأ القلوب بالإيمان والأمل فلا تجزعي ممن يؤذيك فكفي بنفسه عليه إيذاء وتعذيبا ولا تجعلي من البصيرة التي منحها لك الله لكشف نفوس البشر أداة للرد علي إيذائهم بالمثل لأن الله في هذا الحال هو الذي يتكفل بالدفاع عنك بنفسه,وعدتها بذلك وأنا أتمني أن تدرك كل ألوان البشر هذه قيمة الحب ومقدار ما يسببه الكره من تشويه للنفوس فربما تكون الحياة عند ذلك أفضل بكثير.
نور الكلمات
{ لا تظن بكلمة من أحد سوءا..وأنت تجد لها من الخير محتملا. الإمام علي
{ خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين. (الآية 199سورة الأعراف)[b]