غزوة بدر الكبرى
التاريخ الهجري 2 هـ
وكانت يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة من رمضان قال ابن اسحق: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع بأبي سفيان بن حرب مقبلاً من الشام في عير لقريش عظيمة فيها أموال لقريش وتجارة من تجارتهم وفيها ثلاثون رجلاً من قريش أو أربعون منهم مخرمة بن نوفل وعمرو بن العاص وقال ابن عقبة وابن عائذ في أصحاب أبي سفيان هم سبعون رجلاً وكانت عيرهم ألف بعير ولم يكن لحويطب بن عبد العزى فيها شيء فلذلك لم يخرج معهم وقال ابن سعد هي العير التي خرج لها حتى بلغ ذا العسيرة تحين قفولها من الشام فبعث طلحة بن عبيد الله التيمي وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل يتجسسان خبر العير قال ابن اسحق: فحدثني محمد بن مسلم الزهري وعاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا عن ابن عباس كل قد حدثني بعض الحديث فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر قالوا لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان مقبلاً من الشام ندب المسلمين إليهم وقال هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حرباً. وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتجسس الأخبار ويسأل من لقي من الركبان تخوفاً من أمر الناس حتى أصاب خبراً من بعض الركبان أن محمداً قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشاً فيستنفرهم إلى أموالهم ويخبرهم أن محمداً قد عرض لها في أصحابه فخرج ضمضم بن عمرو سريعاً إلى مكة. وقال ابن سعد فخرج المشركون من أهل مكة سراعاً ومعهم القيان والدفوف وأقبل أبو سفيان بن حرب بالعير وقد خافوا خوفاً شديداً حين دنوا من المدينة واستبطئوا ضمضماً والنفير حتى وردوا بدراً وهو خائف فقال لمجدي بن عمرو هل أحسست أحداً من عيون محمد. قال ابن اسحق فأخبرني من لا أتهم عن عكرمة عن ابن عباس ويزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قالا وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا لقد أفظعتني وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة فاكتم عني ما أحدثك فقال لها وما رأيت قالت رأيت راكباً أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث فأرى الناس اجتمعوا إليه ثم دخل إلى المسجد والناس يتبعونه فبينا هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل أرفضت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار إلا دخلتها منه فلقة قال العباس والله إن هذا لرؤيا وأنت فاكتميها ولا تذكريها ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة ابن ربيعة وكان صديقاً له فذكرها له واستكتمه إياها فذكرها الوليد لأبيه عتبة ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش قال العباس فغدوت لأطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة فلما رآني أبو جهل قال يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم فقال لي أبو جهل يا بني عبد المطلب متى حدثت فيكم هذه النبية قال قلت وما ذاك قال ذاك الرؤيا التي رأت عاتكة قال فقلت وما رأت قال يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فإن يك حقاً ما تقول فسيكون وإن تقضى الثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتاباً أنكم أكذب أهل بيت في العرب قال العباس فوالله ما كان مني إليه كبير إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئاً. وعند ابن عقبة في هذا الخبر أن العباس قال لأبي جهل هل أنت منته فإن الكذب فيك وفي أهل بيتك فقال من حضرهما ما كنت يا أبا الفضل جهولاً ولا خرفاً. وكذلك قال ابن عائذ وزاد فقال له العباس مهلاً يا مصفر أسته ولقي العباس من عاتكة أذى شديداً حين أفشى من حديثها. رجع إلى خبر ابن اسحق: قال ثم تفرقنا فلما أمسيت لم تبقى امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني فقالت أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ثم لم تكن عندك غير لشيء مما سمعت قال فقلت قد والله فعلت ما كان مني إليه من كبير وأيم الله لأتعرضن له فإن عاد لأكفيكنه قال فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب أرى أني قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه قال فدخلت المسجد فرأيته فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأوقع به وكان رجلاً خفيفاً حديد الوجه حديد اللسان حديد النظر قال إذ خرج نحو باب المسجد يشتد قال قلت في نفسي ماله لعنه الله أكل هذا فرق مني أن أشاتمه قال فإذا هو قد سمع مالم أسمع صوت ضمضم بن عمرو الغفاري وهو يصرخ ببطن الوادي واقفاً على بعيره قد جدع بعيره وحول رحله وشق قميصه وهو يقول يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه لا أرى أن تدركوها الغوث الغوث قال فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر فتجهز الناس سراعاً وقالوا يظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي كلا والله ليعلمن غير ذلك فكانوا بين رجلين إما خارج وإما باعث مكانه رجلاً وأوعبت قريش فلم يتخلف من أشرافها أحد إلا أن أبا لهب بن عبد المطلب قد تخلف وبعث مكانه العاصي بن هشام بن المغيرة وكان قد لاط له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه أفلس بها فاستأجره بها على أن يجزي عنه بعثه فخرج عنه وتخلف أبو لهب. قال ابن عقبة وابن عائذ خرجوا في خمسين وتسعمائة مقاتل وساقوا مائة فرس. وروينا عن ابن سعد قال أنا عبيد الله عن أبيه قال لما أسرنا القوم في بدر قلنا كم كنتم قال كنا ألفاً. قال ابن اسحق وحدثني عبد الله بن أبي نجيح أن أمية بن خلف كان أجمع القعود وكان شيخاً جليلاً جسيماً ثقيلاً فأتاه عقبة بن أبي معيط وهو جالس في المسجد بين ظهراني قومه بمجمرة يحملها فيها نار ومجمر حتى وضعها بين يديه ثم قال يا أبا علي استجمر فإنما أنت من النساء قال قبحك الله وقبح ما جئت به قال ثم تجهز وخرج مع الناس قيل وكان سبب تثبطه ما ذكره البخاري في الصحيح من حديثه مع سعيد بن معاذ وأبي جهل بمكة وقول سعد له إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنه قاتلك. قلت المشهور عند أرباب السير أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك لأخيه أبي بن خلف بمكة قبل الهجرة وهو الذي قتله النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يوم أحد بحربته وهذا أيضاً لا ينافي خبر سعد والله أعلم. قال ابن اسحق: ولما فرغوا من جهازهم وأجمعوا السير ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب فقالوا إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكناني المدلجي وكان من أشراف بني كنانة فقال أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه فخرجوا سراعاً. وذكر ابن عقبة وابن عائذ في هذا الخبر وأقبل المشركون ومعهم إبليس لعنه الله في صورة سراقة يحدثهم أن بني كنانة وراءه وقد أقبلوا لنصرهم وأنه لا غالب لكم اليوم من الناس وأني جار لكم. قال ابن اسحق وعمير بن وهب أو الحرث بن هشام كان الذي رآه حين نكص على عقبيه عند نزول الملائكة وقال إني أرى ما لا ترون فلم يزل حتى أوردهم ثم أسلمهم ففي ذلك يقول حسان: سرنا وساروا إلى بدر لحينهم لو يعلمون يقين العلم ما ساروا في أبيات ذكرها. قال ابن اسحق: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة في ليال مضت من شهر رمضان في أصحابه قال ابن هشام لثمان ليال خلون منه وقال ابن سعد يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت منه بعد ما وجه طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بعشر ليال وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكره ببئر أبي عنبة وهي على ميل من المدينة فعرض أصحابه ورد من استصغر وخرج في ثلاثمائة رجل وخمسة نفر كان المهاجرون منهم أربعة وستين رجلاً وسائرهم من الأنصار وثمانية تخلفوا لعذر ضرب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهامهم وأجورهم ثلاثة من المهاجرين عثمان بن عفان خلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فأقام عليها حتى ماتت وطلحة وسعيد بن زيد بعثهما يتجسسان خبر العير وخمسة من الأنصار أبو لبابة بن عبد المنذر خلفه على المدينة وعاصم بن عدي العجلاني خلفه على أهل العالية والحرث بن حاطب العمري رده من الروحاء إلى بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنهم والحرث بن الصمة كسر من الروحاء وخوات بن جبير كسر أيضاً.قال ابن اسحق ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير وكان أبيض وكان أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوان إحداهما مع علي بن أبي طالب والأخرى مع بعض الأنصار وقال ابن سعد كان لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر ولواء الأوس مع سعد بن معاذ كذا قال والمعروف أن سعد بن معاذ كان يومئذ على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش وأن لواء المهاجرين كان بيد علي. قرئ على أبي حفص عمر بن عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن غدير بعربيل بغوطة دمشق وأنا أسمع أخبركم أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل بن الحرستاني قراءة عليه وأنت حاضر في الرابعة فأقر به أنا أبو الحسن علي بن المسلم بن محمد السلمي سماعاً قال أنا أبو عبد الله الحسن بن أحمد بن أبي الحديد قال أنا أبو الحسن علي بن موسى بن الحسين السمسار قال أنا أبو القاسم المظفر بن حاجب بن مالك بن الركين الفرغاني أنا أبو الحسن محمد بن يزيد بن عبد الصمد الدمشقي ثنا أحمد يعني ابن أبي أحمد الجرجاني ثنا شبابة بن سوار الفزاري ثنا قيس بن الربيع عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى علياً الراية يوم بدر وهو ابن عشرين سنة.قال ابن اسحق وكانت إبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سبعين بعيراً فاعتقبوها فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب ومرثد بن أبي مرثد يعتقبون بعيراً وكان حمزة وزيد بن حارثة وأبو كبشة وأنسة موليا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقبون بعيراً وكان أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيراً.وروينا عن ابن سعد قال أنا يونس بن محمد المؤدب ثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زرعن ابن مسعود قال كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير وكان أبو لبابة وعلي زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا كانت عقبة النبي صلى الله عليه وسلم قالا اركب حتى نمشي عنك فيقول ما أنتما بأقوى مني على المشي وما أنا بأغنى عن الأجر منكما. انتهى ما رويناه عن ابن سعد والمعروف أن أبا لبابة رجع من بئر أبي عنبة ولم يصحبهم إلى بدر رده رسول الله صلى الله عليه وسلم والياً على المدينة وقد تقدم. قال ابن اسحق وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة أحد بني مازن بن النجار فسلك طريقه إلى المدينة حتى إذا كان بعرق الظبية لقوا رجلاً من الأعراب فسألوه عن الناس فلم يجدوا عنده خبراً ثم ارتحل حتى أتى على واد يقال له زفران وجذع فيه ثم نزل فأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أمر الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ودعا له بخير ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشيروا علي فذكر ابن عقبة وابن عائذ أن عمر قال يا رسول الله إنها قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت ولا آمنت منذ كفرت والله لنقاتلنك فاتهب لذلك أهبته وأعدد لذلك عدته. رجع إلى خبر ابن اسحق: قال وإنما يريد الأنصار وذلك أنهم عدد الناس وذلك أنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا يا رسول الله إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا فإذا وصلنا إليها فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرة إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سعد بن معاذ لعلك تريدنا يا رسول الله فقال أجل قال فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً إنا لعبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله تعالى. وقد روينا من طريق مسلم أن الذي قال ذلك سعد بن عبادة سيد الخزرج وإنما يعرف ذلك عن سعد بن معاذ. كذلك رواه ابن اسحق وابن عقبة وابن سعد وابن عائذ وغيرهم. واختلف في شهود سعد بن عبادة بدراً لم يذكره ابن عقبة ولا ابن اسحق في البدريين وذكره الواقدي والمدائني وابن الكلبي فيهم. وروينا عن ابن سعد أنه كان يتهيأ للخروج إلى بدر ويأتي دور الأنصار يحضهم على الخزرج فنهش قبل أن يخرج فأقام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب له بسهمه وأجره وليس ذلك بمجمع عليه ولا ثبت ولم يذكره أحد ممن يروي المغازي في تسمية من شهد بدراً ولكنه قد شهد أحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. رجع إلى الأول: قال فسر النبي صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك ثم قال سيروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذفران ثم نزل قريباً من بدر فركب هو ورجل من أصحابه قال ابن هشام هو وأبو بكر الصديق - قال ابن اسحق كما حدثني محمد بن يحيى بن حبان - حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم فقال الشيخ لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخبرتنا أخبرناك فقال الشيخ ذاك بذاك قال نعم قال الشيخ فإنه قد بلغني أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغني أن قريشاً خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان الذي أخبرني صدق فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي به قريش فلما فرغ من خبره قال ممن أنتما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن من ماء ثم انصرف عنه قال يقول الشيخ ما " من ماء " أمن العراق ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه فلما أمسى بعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه إلى ماء بدر يلتمسون الخبر له عليه فأصابوا راوية لقريش فيها أسلم غلام بني الحجاج وعريص أبو يسار غلام بني العاص بن سعيد فأتوهما فسألوهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي فقالا نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء فكره القوم خبرهما ورجوا أن يكونا لأبي سفيان فضربوهما فلما أذلقوهما قالا نحن لأبي سفيان فتركوهما وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد سجدتيه ثم سلم وقال إذا صدقاكم ضربتوهما وإذا كذباكم تركتوهما صدقاً والله إنهما لقريش أخبراني عن قريش قالا هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالغدوة القصوى والكثيب العقنقل فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم القوم قالا كثير قال ما عدتهم قالا ما ندري قال كم ينحرون كل يوم قالا يوماً تسعاً ويوماً عشراً قال صلى الله عليه وسلم القوم ما بين التسعمائة والألف ثم قال لهما فمن فيهم من أشراف قريش قالا عقبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو البختري بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويلد والحرث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدي بن نوفل والنضر بن الحرث وزمعة بن الأسود وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبد ود فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال هذه مكة قد ألقت عليكم أفلاذ كبدها. قال ابن عقبة وزعموا أن أول من نحر لهم حين خرجوا من مكة أبو جهل بن هشام عشر جزائر ثم نحر لهم صفوان بن أمية بعسفان تسع جزائر ونحر لهم سهيل بن عمرو بقديد عشر جزائر ومالوا من قديد إلى مناة من نحو البحر فظلوا فيها فأقاموا فيها يوماً فنحر لهم شيبة بن ربيعة تسع جزائر ثم أصبح بالجحفة فنحر لهم عتبة بن ربيعة عشر جزائر ثم أصبحوا بالأبواء فنحر لهم مقيس بن عمرو الجمحي تسع جزائر ونحر لهم العباس بن عبد المطلب عشر جزائر ونحر لهم الحارث بن عامر بن نوفل تسعاً ونحر لهم أبو البختري على ماء بدر عشر جزائر ونحر لهم مقيس الجمحي على ماء بدر تسعاً ثم شغلتهم الحرب فأكلوا من أزوادهم. وقال ابن عائذ كان مسيرهم وإقامتهم حتى بلغوا الجحفة عشر ليال. قال ابن اسحق وكان بسبس بن عمرو وعدي بن أبي الزغباء قد مضيا حتى نزلا بدراً فأناخا إلى تل قريب من الماء ثم أخذا شنا لهما يستقيان فيه ومجدي بن عمرو الجهني على الماء فسمع عدي وبسبس جاريتين من جواري الحاضر وهما تلازمان على الماء والملزومة تقول لصاحبتها إنما تأتي العير غداً أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك فقال مجدي صدقت ثم خلص بينهما وسمع ذلك عدي وبسبس فجلسا على بعيريهما ثم انطلقا حتى أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه بما سمعا ثم أقبل أبو سفيان حتى تقدم العير حذراً حتى ورد الماء فقال لمجدي بن عمرو هل أحسست أحداً قال ما رأيت أحداً أنكره إلا أني رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل ثم استقيا في شن لهما ثم انطلقا فأتى أبو سفيان مناخهما فأخذ من أبعار بعيريهما ففته ثم شمه فإذا فيه النوى فقال هذه والله غلائف يثرب فرجع إلى أصحابه سريعاً فضرب وجه عيره عن الطريق فساحل بها وترك بدراً بيسار وانطلق حتى أسرع وأقبلت قريش فلما نزلوا الجحفة رأى جهيم بن أبي الصلت بن مخرمة بن عبد المطلب بن عبد مناف رؤيا فقال إني فيما يرى النائم وإني لبين النائم واليقظان إذ نظرت إلى رجل أقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له ثم قال قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف وفلان وفلان فعدد رجالاً ممن قتل يوم بدر من أشراف قريش ثم رأيته ضرب في لبة بعيره ثم أرسله في العسكر فما بقي خباء من أخبية العسكر إلا أصابه نضح من دمه قال فبلغت أبا جهل فقال وهذا أيضاً نبي آخر من بني المطلب سيعلم غداً من المقتول إن نحن التقينا. قال ابن اسحق ولما رأى أبو سفيان بن حرب أنه قد أحرز عيره أرسل إلى قريش أنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم وقد نجاها الله فارجعوا فقال أبو جهل بن هشام والله لا نرجع حتى نرد بدر وكان بدر موسماً من مواسم العرب يجتمع لهم به سوق كل عام فنقيم عليه ثلاثاً فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب وبحسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبداً بعدها وقال الأخنس بن شريق وكان حليفاً لبني زهرة يا بني زهرة قد نجى الله أموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل وإنما نفرتم لتمنعوه وماله فاجعلوا بي جبنها وارجعوا فإنه لا حاجة لكم بأن تخرجوا في غير ضيعة لا ما يقول هذا فرجعوا فلم يشهدها زهري ولا عدوي أيضاً ومضى القوم وكان بين طالب بن أبي طالب - وكان في القوم - وبين بعض قريش محاورة فقالوا والله لقد علمنا يا بني هاشم وإن خرجتم معنا أن هواكم لمع محمد فرجع طالب إلى مكة مع من رجع ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادي خلف العقنقل وبطن الوادي وبعث الله السماء وكان الوادي دهساً فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم من المسير وأصاب قريشاً منها ما لم يقدروا على أن يرتجلوا معه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم إلى الماء حتى جاء أدنى ماء من بدر فنول به.قال ابن اسحق فحدثت عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا أن نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب والمكيدة قال بل هو الرأي والحرب والمكيدة قال يا رسول الله إن هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم تغور ما وراءه من القلب ثم تبني عليه حوضاً فتملأه ماء فتشرب ولا يشربون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أشرت بالرأي فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس فسار حتى أتى أدنى ماء من القوم فنزل عليه ثم أمر بالقلب فغورت وبنى حوضاً على القليب الذي نزل عليه فملئ ماء ثم قذفوا فيه الآنية. وروينا عن ابن سعد في هذا الخبر فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرأي ما أشار به الحباب. قال ابن اسحق فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث أن سعد بن معاذ قال يا نبي الله ألا نبني لك عريشاً تكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك ولحقت بمن وراءنا فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حباً منهم ولو ظنوا أنك تلقى حرباً ما تخلفوا عنك يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ودعا له بخير ثم بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً فكان فيه.قال ابن اسحق وقد ارتحلت قريش حين أصبحت فأقبلت فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل وهو الكثيب الذي جاءوا منه إلى الوادي قال اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذي وعدتني اللهم إحنهم الغداة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر إن يك في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر إن يطيعوه يرشدوا وقد كان خفاق بن أيماء بن رحضة أو أبوه أيماء بن رحضة الغفاري بعث إلى قريش حين مروا به ابناً له بجزائر أهداها لهم وقال إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا قال فأرسلوا إليه مع ابنه إن وصلتك رحم قد قضيت الذي عليك فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس ما بنا ضعف ولئن كنا إنما نقاتل الله كما يزعم محمد ما لأحد بالله من طاقة فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم حكيم بن حزام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم فما شرب منه رجل يومئذ إلا قتل إلا ما كان من حكيم بن حزام فإنه لم يقتل ثم أسلم بعد ذلك فحسن إسلامه فكان إذا اجتهد في يمينه قال لا والذي نجاني من يوم بدر. قال وحدثني أبي رحمه الله اسحق بن يسار وغيره من أهل العلم عن أشياخ من الأنصار قال لما اطمأن القوم بعثوا عمير ابن وهب الجمحي فقالوا احزر لنا أصحاب محمد فاستجال بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم فقال ثلاثمائة رجل يزيدون قليلاً أو ينقصون ولكن أمهلوني حتى أللقوم كمين أو مدد قال فضرب في بطن الوادي حتى أبعد فلم ير شيئاً فرجع إليهم فقال ما رأيت شيئاً ولكني قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجل منكم فإذا أصابوا منكم عدادهم فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم. فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فأتى عتبة بن ربيعة فقال يا أبا الوليد إنك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها هل لك إلى أن لا تزال تذكر منها بخير إلى آخر الدهر قال وما ذلك يا حكيم قال ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمي قال قد فعلت أنت علي بذلك إنما هو حليفي فعلى عقله وما أصيب من ماله فائت أين ابن الحنطلية يعني أبا جهل بن هشام. ثم قام عتبة خطيباً فقال يا معشر قريش أنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه شيئاً والله لئن أصبتموه لا يزال رجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه قتل ابن عمه وابن خاله ورجلاً من عشيرته فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب فإن أصابوه فذاك الذي أردتم وإن كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون قال حكيم فانطلقت حتى جئت أبا جهل فوجدته قد نثل درعاً له من جرابها فقلت له يا أبا الحكم إن عتبة أرسلني إليك بكذا وكذا للذي قال فقال انتفخ والله سحره حين رأى محمداً وأصحابه كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وما بعتبة ما قال ولكنه قد رأى أن محمداً وأصحابه أكلة جزور وفيهم ابنه قد تخوف عليه ثم بعث إلى عامر الحضرمي فقال هذا حليفك يريد أن ترجع بالناسي وقد رأيت ثأرك بعينيك فقم فانشد خفرتك ومقتل أخيك فقام عامر بن الحضرمي فاكتشف ثم صرخ واعمراه فحميت الحرب وحقب أمر الناس واستوسقوا على ما هم عليه من الشر وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة فلما بلغ عتبة قول أبي جهل انتفخ والله سحره قال سيعلم مصفر أسته من انتفخ سحره أنا أم هو ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها في رأسه فما وجد في الجيش بيضة تسعه من عظم هامته فلما رأى ذلك اعتجر على رأسه ببرد له. وقال ابن عائذ وقال رجال من المشركين لما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غر هؤلاء دينهم منهم أبو البختري بن هشام وعتبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام وذكر غيرهم لما تقالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعينهم فأنزل الله تعالى: ( إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ) الآية حتى نزلوا وتعبئوا للقتال والشيطان معهم لا يفارقهم. قال ابن اسحق وقد خرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي وكان رجلاً شرساً سيء الخلق فقال أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه فلما خرج خرج إليه حمزة بن عبد المطلب فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض فوقع على ظهره تسخب رجله دماً نحو أصحابه ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد زعم أن تبر يمينه واتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض ثم خرج بعده عتبة بن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد ابن عتبة حتى نصل من الصف دعا إلى المبارزة فخرج إليه فتية من الأنصار وهم عوف ومعوذ ابنا الحرث وأمهما عفراء ورجل آخر يقال له عبد الله بن رواحة فقالوا من أنتم قالوا رهط من الأنصار قالوا ما لنا بكم من حاجة. وقال ابن عقبة وابن عائذ حين ذكرا خروج الأنصار قال فاستحيا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك لأنه كان أول قتال التقى فيه المسلمون والمشركون ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد معهم فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون الشوكة لبني عمه فناداهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ارجعوا إلى مصافكم وليقم إليهم بنو عمهم. رجع إلى ابن اسحق ثم نادى مناديهم يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم قم يا عبيدة بن الحرث وقم يا حمزة وقم يا علي فلما قاموا ودنوا منهم قالوا من أنتم قال عبيدة عبيدة وقال حمزة حمزة وقال علي علي قالوا نعم أكفاء كرام فبارز عبيدة وكان أسن القوم عتبة بن ربيعة وبارز حمزة شيبة بن ربيعة وبارز علي الوليد بن عتبة فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلاهما أثبت صاحبه وكر حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فدففا عليه واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابه. قال وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عتبة بن ربيعة قال للفتية من الأنصار حين انتسبوا أكفاء كرام وإنما نريد قومنا قال ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم وقال إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش معه أبو بكر الصديق. قال وحدثني حبان بن واسع بن حبان عن أشياخ من قومه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر وفي يده قدح يعدل به القوم فمر بسواد بن غزية حليف بني عدي بن النجار وهو مسند مستنتل من الصف قال ابن هشام فطعن في بطنه بالقدح وقال استو يا سواد فقال يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني قال فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال استقد فاعتنقه فقبل بطنه فقال ما حملك على هذا يا سواد قال يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقاله. قال ابن اسحق ثم عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ورجع إلى العريش فدخله ومعه أبو بكر ليس معه فيه غيره ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده بالنصر ويقول فيما يقول اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد وأبو بكر يقول يا رسول الله بعض مناشدتك ربك فإن الله منجز لك ما وعدك وقد خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة وهو في العريش ثم انتبه فقال أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع - يريد الغبار. وقال ابن سعد في هذا الخبر وجاءت ريح لم يروا مثلها شدة ثم ذهبت فجاءت ريح أخرى ثم ذهبت فجاءت ريح أخرى فكانت الأولى جبريل في ألف من الملائكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والثانية ميكائيل في ألف من الملائكة عن ميمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والثالثة إسرافيل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروينا من طريق مسلم حدثنا هناد بن السري ثنا ابن المبارك عن عكرمة بن عمار قال حدثني سماك الحنفي قال سمعت ابن عباس يقول حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وسبعة عشر رجلاً فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه اللهم أنجز لي ما وعدتني وفيه فأنزل الله عز وجل عند ذلك ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ) فأمده الله بالملائكة. قال أبو زميل فحدثني ابن عباس قال بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقياً فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين الحديث. وروينا من طريق البخاري حدثني إبراهيم بن موسى قال أنا عبد الوهاب ثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر هذا جبريل آخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب. وروينا عن ابن سعد قال أنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن بدر ثنا أيوب ويزيد بن حازم أنهما سمعا عكرمة يقرؤها فثبتوا الذين آمنوا قال حماد وزاد أيوب قال قال عكرمة فاضربوا فوق الأعناق قال كان يومئذ يندر رأس الرجل لا يدري من ضربه وتندر يد الرجل لا يدري من ضربه.قال ابن اسحق وقد رمى مهجع مولى عمر بن الخطاب بسهم فقتل فكان أول قتيل من المسلمين ثم رمى حارثة بن سراقة أحد بني عدي بن النجار وهو يشرب من الحوض بسهم فأصاب نحره فقتل ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحرضهم وقال والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجلاً فيقتل صابراً محتبساً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة فقال عمير بن الحمام أخو بني سلمة وفي يده تمرات يأكلهن بخ بخ أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء قال ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل وقال ابن عقبة أول قتيل من المسلمين يومئذ عمير بن الحمام. وقال ابن سعد فكان أول من جرح من المسلمين مهجع مولى عمر بن الخطاب فقتله عامر بن الحضرمي وكان أول قتيل قتل من الأنصار حارثة بن سراقة ويقال قتله جبان بن العرقة ويقال عمير بن الحمام قتله خالد بن الأعلم العقيلي.قال ابن اسحق وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عوف بن الحارث وهو ابن عفراء قال يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده قال غمسه يده في القوم حاسراً فنزع درعاً عليه فقذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل. وحدثني محمد بن مسلم عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري حليف بني زهرة أنه حدثه أنه لما التقى الناس ودنا بعضهم من بعض قال أبو جهل اللهم اقطعنا للرحم وأتانا بما لا يعرف فاحنه الغداة فكان هو المستفتح على نفسه قال ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريشاً ثم قال شاهت الوجوه ثم نفحهم بها وأمر أصحابه فقال شدوا فكانت الهزيمة فقتل الله من قتل من صناديد قريش وأسر من أسر من أشرافهم.قال ابن عقبة وابن عائذ فكانت تلك الحصباء عظيماً شأنها لم تترك من المشركين رجلاً إلا ملأت عينيه وجعل المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم وبادر النفر كل رجل منهم منكباً على وجهه لا يدري أين يتوجه يعالج التراب ينزعه من عينيه.رجع إلى خبر ابن اسحق: فلما وضع القوم أيديهم يأسرون ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشح السيف في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم يخافون عليه كرة العدو ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر لي في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم قال أجل والله يا رسول الله كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك فكان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال. قال وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يومئذ إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم أحداً من بين هاشم فلا يقتله ومن لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله فإنما خرج مستكرهاً. وذكر ابن عقبة فيهم عقيلاً ونوفلاً قال فقال أبو حذيفة أنقتل آباءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس والله لئن لقيته لألجمنه السيف قال فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر بن الخطاب يا أبا حفص فقال عمر والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص أيضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف فقال عمر يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف فوالله لقد نافق فكان أبو حذيفة يقول ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلتها يومئذ ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عني الشهادة فقتل يوم اليمامة شهيداً فلقي أبا البختري المجذر بن ذياد البلوي فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك ومع أبي البختري زميل له خرج معه من مكة وهو جنادة بن مليحة قال وزميلي قال له المجذر لا والله ما نحن بتاركي زميلك ما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بك وحدك قال لا والله إذن لأموتن أنا وهو جميعاً لا تحدث عني نساء مكة أني تركت زميلي حرصاً على الحياة فقتله المجذر ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه أن يستأسر فآتيك به فأبى إلا أن يقاتلني فقاتلني فقتلته. فقال ابن عقبة ويزعم ناس أن أبا اليسر قتل أبا البختري بن هشام ويأبى عظم الناس إلا أن المجذر هو الذي قتله بل قتله غير شك أبو داود المازني وسلبه سيفه فكان عند بنيه حتى باعه بعضهم من بعض ولد أبي البختري. قال ابن اسحق حدثني يحيى بن عباد عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال وحدثنيه أيضاً عبد الله بن أبي بكر وغيرهما أن عبد الرحمن ابن عوف لقيه أمية بن خلف معه ابنه علي ومع عبد الرحمن أدراعاً استلبها قال هل لك في فأنا خير لك من هذه الأدراع التي معك قال قلت نعم فطرحت الأدراع من يدي فأخذت بيده ويد ابنه وهو يقول ما رأيت كاليوم قط أما لكم حاجة في اللبن ثم خرجت أمشي بهما. قال حدثني عبد الواحد بن أبي عون عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف أن أمية بن خلف قال له من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره قال قلت ذاك حمزة بن عبد المطلب قال ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل قال عبد الرحمن فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي وكان هو الذي يعذب بلالاً بمكة على ترك الإسلام فيخرجه إلى رمضاء مكة إذا حميت فيضجعه على ظهره ثم يأمر بصخرة عظيمة فتوضع على صدره ثم يقول لا تزال هكذا أو تفارق دين محمد فيقول بلال أحد أحد قال فلما رآه قال رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا قال قلت اسمع يا ابن السوداء قال لا نجوت إن نجا قال ثم صرخ بأعلى صوته يا أنصار الله رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا قال فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة قال فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع وصاح أمية بن خلف صيحة ما سمعت مثلها قط قال فقلت انج بنفسك ولا نجا به فوالله ما أغني عنك شيئاً قال فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما قال فكان عبد الرحمن يقول يرحم الله بلالاً ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري. قال ابن اسحق وحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث عن ابن عباس قال حدثني رجل من بني غفار قال أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة فننتهب مع من ينتهب قال فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل فسمعت قائلاً يقول أقدم حيزوم فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت. قال وحدثني عبد الله بن أبي بكر عن بعض بني ساعدة عن أبي أسيد مالك بن ربيعة وكان قد شهد بدر قال بعد أن ذهب بصره لو كنت اليوم بدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي منه خرجت الملائكة لا أشك ولا أتمارى قال وحدثني أبي اسحق بن يسار عن رجال من بني مازن بن النجار عن أبي داود المازني وكان شهد بدراً قال إني لأتبع رجلاً من المشركين يوم بدر لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أنه قد قتله غيري. وحدثني من لا أتهم عن مقسم مولى عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن عباس قالت كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء قد أرسلوها في ظهورهم ويوم حنين عمائم حمرا. وروينا هذا الخبر من طريق مالك بن سليمان الهروي عن الهياج عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس بمعناه ولم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عدداً ومدداً لا يضربون. وذكر ابن هشام عن بعض أهل العلم أن جبريل عليه السلام كانت عليه يوم بدر عمامة صفراء وكان شعارهم يوم بدر أحد أحد.قال ابن اسحق فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه أمر بأبي جهل أن يلتمس في القتلى وكان أول ما لقى أبا جهل كما حدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس وعبد الله بن أبي بكر أيضاً قد حدثني ذلك قال معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بني سلمة سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة وهم يقولون أبو الحكم لا يخلص إليه قال فلما سمعتها جعلته من شأني فصمدت نحوه فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه فو الله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها قال وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جسمي وأجهضني القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي فلما آذتني وضعت عليها قدمي ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها. قال القاضي أبو الفضل عياض بن موسى: وزاد ابن وهب في روايته فجاء يحمل يده فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلصقت. قال ابن اسحق ثم عاش بعد ذلك حتى كان زمن عثمان ثم مر بأبي جهل - وهو عقير - معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته وبه رمق وقاتل معوذ حتى قتل فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلتمس في القتلى وقد قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني انظروا إن خفي عليكم في القتلى إلى أثر جرح في ركبته فإني ازدحمت يوماً أنا وهو على مأدبة لعبد الله بن جدعان ونحن غلامان وكنت أشف منه بيسير فدفعته فوقع على ركبتيه فجحش على أحدهما جحشاً لم يزل أثره به قال عبد الله بن مسعود فوجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه قال وقد كانت ضبث بي مرة بمكة فآذاني ولكزني ثم قلت له هل أخزاك الله يا عدو الله قال وبماذا أخزاني أعمد من رجل قتلتموه أخبرني لمن الدبرة قال قلت لله ولرسوله. قال ابن هشام ويقال أعار على رجل قتلتموه أخبرني لمن الدائرة اليوم. قال ابن اسحق وزعم رجال من بني مخزوم أن ابن مسعود كان يقول قال لي لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعباً قال ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هذا رأس عدو الله أبي جهل قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله الذي لا إله إلا غيره قال وكانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت نعم والله الذي لا إله إلا غيره ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله تعالى. أخبرنا عبد الرحيم بن يوسف الموصلي بقراءة والدي عليه قال أنا أبو علي حنبل بن عبد الله الرصافي أن أبا القاسم بن الحصين أخبره قال أنا أبو علي بن المذهب قال أنا أبو بكر القطيعي قال أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا يوسف بن الماجشون عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال إني لواقف يوم بدر في الصف نظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت لو كنت بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل بن هشام قال قلت نعم وما حاجتك يا ابن أخي قال بلغني أنه كان يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا قال فغمزني الآخر فقال مثلها قال فعجبت لذلك قال فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس فقلت لهما ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه فابتدراه بسيفهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال أيكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلته قال هل مسحتما سيفيكما قالا لا فنظر في السيفين فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء. رواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن يوسف بن الماجشون فوقع لنا عالياً. وروينا عن ابن عقبة أن عبد الله بن مسعود وجده مقنعاً في الحديد وهو منكب لا يتحول فظن أنه قد أثبت فتناول قائم سيفه فاستله وهو منكب لا يتحرك فرفع سابغة البيضة عن قفاه فضربه فوقع رأسه بين يديه ثم سلبه فلما نظر إليه إذا هو ليس به جراح وأبصر في عنقه خدراً وفي يديه وكتفيه كهيئة آثار السياط فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال ذاك ضرب الملائكة.وروينا عن ابن عائذ ثنا الوليد قال حدثني خليد عن قتادة أنه سمعه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لكل أمة فرعوناً وأن فرعون هذه الأمة أبو جهل قتله الله شر قتلة قتله ابنا عفراء وقتلته الملائكة وتدافه ابن مسعود يعني أجهز عليه. قال ابن اسحق وقاتل عكاشة بن محصن الأسدي يوم بدر بسيفه حتى انقطع في يده فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلاً من حطب فقال قاتل بهذا يا عكاشة فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزه فعاد سيفاً في يده طويل القامة شديد المتن أبيض الحديدة فقاتل به حتى فتح الله على المسلمين وكان ذلك السيف يسمى العون ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل في الردة وهو عنده. وقال الواقدي وحدثني أسامة بن زيد الليثي عن داود بن الحصين عن رجال من بني عبد الأشهل قالوا انكسر سيف سلمة بن أسلم بن الحريس يوم بدر فبقي أعزل لا سلاح معه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيباً كان في يده من عراجين ابن طاب فقال اضرب به فإذا سيف جيد فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد. قال ابن اسحق وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى أن يطرحوا في القليب طرحوا فيه إلا ما كان من أمية بن خلف فإنه انتفخ درعه فملأها فذهبوا ليحركوه فتزايل فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة.وروينا عن الطبري ثنا موسى بن الحسن الكسائي ثنا شيبان بن فروخ ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس ابن مالك قال أنشأ عمر بن الخطاب يحدثنا عن أهل بدر فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرينا مصارع أهل بدر بالأمس من بدر يقول هذا مصرع فلان غد