<="" p="" border="0">
Bookmark and Share
هي أشياء نادرا ما نستخدمها, بل وغالبا لانحتاج إليها علي الإطلاق. ومع ذلك نصر علي الاحتفاظ بها. فتظل حولنا إلي الأبد تقاسمنا المساحة التي نعيش فيها.
تعرف هذه المشكلة في اللغة الإنجليزية بـ Hoarding ومعناها بالعربية التكديس أو الكركبة, أن يظل الإنسان يخزن الأشياء قي المساحة نفسها بما يجعل المكان يبدو ضيقا وغير منظم. واللافت أن عادة تكديس المقتنيات تنتشر بدرجات متفاوتة في جميع الثقافات- غربية كانت أو شرقية- وهي عادة غير مفيدة في معظم الأحيان, لكنها إذا تعدت حدودا بعينها تصير مشكلة خطيرة الضرر يتطلب التخلص منها مساعدة الطبيب.
من الاقتناء إلي التكديس
فيونا موريسي سيدة في منتصف العمر يمكن أن تحكي لك باستفاضة عن هذه المشكلة لأنها نشأت مع أم مهووسة بتكديس أي شيء وكل شيء-- أدوات المطبخ والبيت, الصحف والمجلات, علب البلاستيك, بطاقات المعايدة القديمة, الملابس القديمة , مجرد أمثلة.
من المفارقات أن فيونا تعلمت من والدتها كيف تكون في غاية التنظيم. ففي بيتها بولاية ميريلاند الأمريكية لا يوجد سوي الأشياء التي تستخدمها فقط. الأكثر من ذلك أنها تساعد من يعانون هذه المشكلة من خلال عملها كخبيرة تنظيم. تقول:إن الثقافة التجارية الشائعة تغري الناس دائما بشراء حتي المنتجات التي لا يحتاجون إليها لمجرد أن أسعارها في المتناول, وتكون النتيجة أننا نمتلك أشياء تفوق قدرتنا علي الاستهلاك بكثير.
تكدس المقتنيات فوق بعضها, كما تقول فيونا, يخفيها تماما عن الأنظار, لذا فمن الشائع أن تخرج بعض السيدات لشراء المزيد من علب الشامبو أو الصابون أو أدوات التجميل رغم أنهن يمتلكن بالفعل كميات منها وذلك لأنهن لا يتذكرن أين توجد هذه الأشياء داخل خزاناتهن المزدحمة. وهكذا فإن عادة التكديس لا تؤدي فحسب إلي حالة من الفوضي داخل البيت أو المكتب, بل تتسبب أيضا في استنزاف مواردنا المادية.
زيارات منزلية
كخبيرة متخصصة تقوم فيونا بزيارات منزلية لزبائنها تدربهم خلالها علي مهارات التنظيم وتساعدهم في التخلص من الكراكيب التي يجدون صعوبة في التخلص منها.
تقول: إن هوس الاقتناء لا يقتصر علي فئة عمرية معينة, فمن بين زبائنها فتيات في مقتبل العمر وسيدات متقدمات في السن. ويكون الجانب الأساسي من مهمتها عندما تقوم بزيارة زبائنها في منازلهم أو مكاتبهم التي تحتاج إلي إعادة تنظيم هو إقناعهم بأنهم لايحتاجون هذه الأشياء التي غالبا ما يتشبثون بوجودها إما لارتباطها لديهم بذكري معينة أو لاعتقادهم بأنهم ربما يحتاجون إليها في المستقبل.
واحدة من زبائنها - مثلا- لم تكن تتذكر آخر مرة تناولت طعامها علي منضدة السفرة في بيتها لأن تلك المنضدة كانت مغطاة تماما بأشياء كثيرة ومنوعة. وقد استغرقت عملية إخلاء المنضدة من هذه الأشياء تسع ساعات.
التكديس يخنق الحياة
التكدس يفقد الحياة معانيها, تماما مثلما فقدت هذه المنضدة وظيفتها الأساسية وتحولت لـ مقلب زبالة, مجرد مكان تتجمع فوقه تلال الأشياء غير المستخدمة, هذا ماتقوله إلسبيث بل المعالجة النفسية في أحد مراكز العلاج السلوكي بمنطقة واشنطن الكبري.
من بين مرضاها من تعقدت علاقاتهم الاجتماعية بسبب التكدس. مثال علي ذلك عندما قرر أحد طرفي العلاقة الزوجية إنهاء هذه العلاقة بسبب إسراف الطرف الآخر في تحويل عش الزوجية إلي فوضي عارمة تتراكم الأشياء بلا نظام في كل شبر منه.
وهناك شخص آخر فرض عليه التكدس عزلة اجتماعية عندما تحول بيته إلي ما يشبه المخزن, فقرر ألا يدعو أيا من أصدقائه أو أهله للزيارة خوفا من الأحكام التي سيطلقونها عليه بسبب هذه الحياة الفوضوية.
وهناك جدة حرمت من رؤية أحفادها عندما قررت ابنتها ألا تأتي لزيارتها بصحبة أطفالها الصغار الذين قد يتعرضون للأذي وهم يلعبون ببيت جدتهم الذي تتكدس فيه أشياء لايجب أن تصل إليها أيادي الصغار.
التكديس لماذا
تقول الدكتورة بل إن أغلب من يعانون من عادة التكديس أناس أذكياء مرهفون بل إن كثيرين منهم مثاليون ينشدون الكمال في حياتهم. قد يعتزم بعضهم التصدي للمشكلة لكن عدم توافر الوقت يجعلهم يؤجلون مهمة التنظيم لأنهم إما أن ينجزوا المهمة علي الوجه الأكمل وإلا فإنهم يؤجلونها للأبد.
المشكلة الأساسية التي يعاني منها هؤلاء تتعلق بعدم قدرتهم علي اتخاذ القرارات بصفة عامة, بما في ذلك قرار الاحتفاظ أو التخلص من الأشياء التي يمتلكونها. ومن خلال جلسات العلاج يستطيع الأطباء النفسيون مساعدة هؤلاء علي الاختيار واتخاذ القرار.
من المدهش كما تقول الدكتورة بل أن كثيرا ممن يأتون إلي عيادتها طلبا للمساعدة تطرأ تغيرات إيجابية علي جوانب مختلفة من حياتهم بما في ذلك علاقاتهم العاطفية والاجتماعية بمجرد أن يتخلصوا من عادة تكديس المقتنيات, إذ يصبحون أكثر جرأة علي حسم أمور حياتهم.
فوضي وراثية لا إرادية
أحدث الدراسات في هذا المجال جرت علي مدي خمس سنوات في كلية طب جونز هوبكنز وكشفت عن بعض الحقائق المثيرة.
يقول د. جاك صامويلز, الذي قاد فريق الباحثين: إن عادة التكديس تنتشر بين الناس من مختلف الطبقات الاجتماعية والمستويات الفكرية. وفيما كان شائعا أن النساء أكثر ميلا للاقتناء والتكديس من الرجال, فإننا لم نجد فارقا بين الجنسين من هذه الناحية. ظهر كذلك أن خمسة من بين كل مئة من الأمريكيين يعانون من هذه المشكلة بصورة مرضية, وهي نسبة أعلي بكثير مما كنا نظن في السابق.
اكتشف الباحثون أيضا أن نسبة تصل إلي ثلث هؤلاء المكدسين يعانون عارضا نفسيا آخر يعرف باسم الهوس أو الإلحاح اللاإرادي, وهي نزعة لا يستطيع الإنسان السيطرة عليها وتدفعه لا شعوريا للقيام بسلوك معين; كأن يغسل يديه بلا داع خشية أن تكونا متسختين, أو أن يعود إلي البيت من منتصف الطريق للتأكد من إغلاق باب البيت جيدا رغم أنه تأكد من ذلك مرات عديدة قبل مغادرة البيت وهكذا.
النتيجة المدهشة الأخري التي توصل إليها الباحثون هي أن عادة التكديس وراثية إلي حد كبير. يقول د. صامويلز: كشفت الدراسة عن وجود كروموزوم 14 في أشخاص ينتمون لأسرة واحدة ويعانون من هذه المشكلة. بما جعلنا الآن ننظر إلي عامل الوراثة كأحد المحددات المحتملة لعادة الإسراف في الاقتناء والتكديس.
التحرر من الفوضي
تري المعالجة النفسية إلسبيث بل علاقة قوية بين الأسرة وتفشي السلوك الفوضوي بين أفرادها من جانب آخر غير الجانب الوراثي, هو الاكتساب.
تقول إن النشأة الأولي للإنسان تسهم في تشكيل سلوكه إلي حد كبير وغالبا ما نكتسب خلال تلك الفترة الكثير من العادات المفيدة أو الضارة. لذا فمن غير المستغرب أن تكون عادة التكديس شائعة بين أفراد الأسرة الواحدة.
وبالتأكيد فإن خبيرة التنظيم فيونا موريسي إنسانة محظوظة إلي حد كبير لأنها لم ترث عادة التكديس عن والدتها, كما لم تكتسبها خلال سنوات الطفولة, بل كان الجو الفوضوي حولها وهي طفلة دافعا لها كي تصير أكثر تنظيما من أقرانها.
تقول فيونا إنها تتفهم الآن لماذا كانت والدتها تهوي الاحتفاظ بالأشياء ولاتتخلي عن أي شيء حتي البالي منها. فالظروف الاقتصادية الصعبة قد تدفع الإنسان إلي عدم التفريط في أي شيء يمتلكه. وقد نشأت والدتها في أوروبا إبان سنوات الحرب العالمية الثانية التي عاني الناس خلالها من نقص حاد في الموارد مما دفع كثيرين إلي تخرين كل ما يمكن أن يحتاجوا إليه في تلك السنوات العسيرة.
أما اليوم وحيث الوفرة في معظم المجتمعات, فإنه لا مبرر للمبالغة في الشراء أوالتكديس.
وتنصح فيونا كل من تلح عليه الرغبة في الاحتفاظ بشيء لا يحتاج إليه, أن يسأل نفسه أولا هذه الأسئلة: هل أتذكر آخر مرة استخدمت فيها هذا الشيء؟ هل أنا حقا أحتاج إليه؟ هل وجود هذا الشيء هنا يجمع الأتربة أفضل من وجود هذه المساحة خالية ونظيفة؟
فإذا جاءت الإجابة علي هذه الأسئلة بـ لا, فعليك أن تتخلصي فورا من هذه الأشياء لتبدئي الاستمتاع بحياة بلا كراكيب, حياة أكثر بساطة وحرية.