تأتي رياح الحب دائما بما لا تشتهي سفن العشاق، وتنتهي بعض الأحلام الوردية بكوابيس مزعجة تضرب الأحبة في مقتل، وقصتي خير دليل علي ذلك، لأن ما حدث لي هو التالي...
كنت أعيش عيشة هانئة قبل أن اتخرج في كليتي، فقد ملأ علي حياتي حب زميل لي في الجامعة، أنا في الغالب كنت قليلة الكلام مع زملائي لكن هذا الشاب لفت نظري للغاية، ورأيت فيه صورة فتي الأحلام الذي تتمناه كل الفتيات.. كان الاعجاب بيننا متبادلا، فقد ابدي هو الآخر انجذابه إلي وتعلقه بي، واتفقنا علي أن نبقي معا للأبد، لانه بمجرد أن ننتهي من دراستنا كان سيتقدم إلي رسميا.
انتهت الدراسة علي خير وحصل كلانا علي درجة علمية محترمة، لكنني فجأة وجدت أن اسلوبه تجاهي يتغير، فهو أصبح انسانا مسئولا ـ علي الأقل ـ عن نفسه، ونظرا لانه تعثر في الحصول علي عمل مناسب يدر له دخلا معقولا، فقد لمحت في عينيه يأسا في أن تستمر علاقتنا معا، لكنني كنت هادئة واثقة من أن حبنا الكبير قادر علي هزيمة أية ظروف، حتي واجهني علانية بأنه يريد أن ينهي كل ما بيننا!!
كانت الصدمة كبيرة علي.. كنت اتحدث معه ووجدته فجأة يقول: »من الأفضل لكلينا الابتعاد الآن«، لم أمتلك اعصابي ووجدتني أسأله ببساطة عن سبب ذلك، فقال إن والدته رفضت أن تتم خطبته قبل أخيه وأخته الأكبر منه.
لم أستسلم، وقلت له إنني سأبقي علي عهدي معه حتي تنتهي ظروف بيته وتطمئن والدته علي أخيه وأخته، وبالفعل بقينا معا عاما آخر بعد التخرج، كنت أبحث له بحثا دءوبا عن وظيفة، حتي انني سألت كل معارفي وطلبت منهم المساعدة في ايجاد عمل لحبيبي، لكنه كان يرفض كل الفرص التي أتت له علي يدي بحجة أنها »غير مناسبة«، و»لا تليق بمؤهلاته العلمية«، وعلي الجبهة الأخري كنت أكافح بيتي وأرفض كل من يتقدم لخطبتي انتظارا لفارس الأحلام المنشود.
اكتشفت فجأة ـ سيدتي ـ أنني أنتظر ما لا يأتي، وأهدر وقتي وشبابي مع إنسان لا يقدر كل ما أبذل من أجله، صحيح أنني كنت أحبه لكن الوقت طال بما لم أعد أتحمل.. أردت أن أحدد مصيري معه فقلت له: »إذا حصلت علي الوظيفة التي تحلم بها هل ستأتي لخطبتي«؟ لكنه خذلني وقال: »ليس قبل أن توافق والدتي علي ارتباطي قبل أخي وأختي«.
في الحقيقة كنت أتوقع منه هذا الرد بسبب سلبيته ولا مبالاته، وهنا قررت الانفصال عنه نهائيا.
هل أنا محقة في قراري هذا أم كنت قاسية عليه وظالمة له؟ لكن تأكدي سيدتي أنني لم أقرر ذلك عن اقتناع تام بما أفعل، علما بأنني صبرت عليه كثيرا، وأضعت من يدي شبابا جاهزين للزواج فورا.
الحائرة »هـ«.
<< الكاتبة:
لاشك ـ عزيزتي ـ أنك فقدت مخزون الصبر داخلك، وصرت لا تفكرين إلا في لحظة الحسم.. ومعك الحق في ذلك تماما.. فقد بدأت قصتك مع هذا الشاب في الجامعة، واستمرت حتي انتهيتما من دراستكما، علي وعد منه بالارتباط والزواج بعد التخرج والاستقرار في وظيفة. وانتهت سنوات الدراسة في الجامعة، ليبدأ الاحتكاك الحقيقي بالحياة.. كان لابد أن يبحث عن عمل، وقد ساعدته كثيرا، باخلاص وحماس، لكنه لم يكن يملك نفس حماسك لسرعة الحصول علي عمل ـ ولو مؤقت ـ كان سلبيا إلي حد كبير، كما كانت اجاباته غير محددة كلما سألته: متي يمكننا أنا نتزوج أو أن نخطو أي خطوة نحو الارتباط الرسمي. ويكفي اعلانه صراحة أنه لن يستطيع الاقدام علي أي ارتباط الا عندما تتزوج أخته وأخوه! أي أن الاجل متفوح.. وطويل.. وغير محدد. صديقتي.. قد يجد الشاب صعوبة في التصريح المباشر بنهاية العلاقة وجها لوجه أمام حبيبته.. فالحرج يمنعه، وأحيانا الخوف من مواجهة موقف صعب.
ومع ذلك فقد فعلها حبيبك، وانتهي به الأمر إلي أن يقولها صراحة: يجب أن ينتهي ما بيننا! وهذا دليل واضح علي عدم حماسه لاكمال المشوار معك.. أما أسبابه فلا يعلمها إلا هو.. وهذا يجب الا يزعجك.. فالحب كائن حي يعيش، وينمو، ثم يموت أحيانا بأسباب، وأحيانا أخري بدون أسباب واضحة.. كالإنسان الذي يموت بالسكتة القلبية أو الدماغية المفاجئة!
لا أقول لك لا تحزني، فالحزن شعور إنساني نبيل،. لكن أقول تماسكي، ولملمي شتات نفسك، واعبري الأزمة. بثبات، لا تدعي انهاء علاقة يصادر سعادتك في الحياة أو يغلف أفكارك بهالة من اليأس والاحباط وفقدان الثقة في نفسك.. وفي الآخرين.
فالحب الأول.. كما قال أديبنا القدير إحسان عبدالقدوس ليس هو الحب الأخير. وحب الجامعة في معظم الأحيان لا ينتهي بالزواج لانه حب مزروع في الفراغ لا أرضية ثابتة له، ولا أساس. فالشاب يتخرج ليبدأ حياته، ويحتاج لسنوات ليست بالقليلة حتي يجد نفسه في عمل مناسب، له دخل ثابت، ويمكن الاعتماد عليه في فتح بيت، والوفاء بمتطلبات الزواج. والشابة.. خاصة في مجتمعنا.. تعيش منذ اليوم في تخرجها في حالة انتظار لويس المستقبل، تتعجل الأيام والشهور والسنون حتي يطرق بابها حبيب القلب، حتي تحقق حلم حياتها، الذي نسجته عبر سنوات طوال مقتبسة من حكايات سندريلا والأمير الفارس الذي سوف يحملها علي ظهر الحصان ويطير بها إلي آفاق السعادة. الرومانسية شيء رائع.. لكنه يحتاج إلي ارضية صلبة نقف إليها.. ونقلع ثم نعود إليها مرة أخري.. وبدون هذه الأرضية الصلبة سوف نقلع.. أما إذا فكرنا في العودة، فسوف تنكسر رقبتنا لاننا نسبح في الفراغ!
تماسكي... واستجمعي نفسك.. ثم ابدئي في البحث عن ذاتك أولا. عن مشروعك الخاص في الحياة تحققي ايتها المثقفة أولا من خلال عقلك وملكاتك.. ثم ابحثي عن فارسك.. وقتها ستجدينه برؤية أكثر نضجا.. وظروف أكثر ملاءمة للسعادة والاستقرار.
[b]